حين تغيب الرياضيات وتحضر البيروقراطية: من المسؤول عن تكرار حرمان المغربيات من الأولمبياد الأوروبي؟

0
75

في مشهدٍ يبدو عبثياً، ومحمّلاً بالخذلان، فجّرت عضوات الفريق الوطني المغربي النسوي للرياضيات فضيحة مدوّية، حين كشفن عن غياب المغرب عن المشاركة في الأولمبياد الأوروبي للرياضيات للفتيات (EGMO 2025) المنعقد مؤخرًا في كوسوفو، بسبب ما وصفنه بـ”الإهمال الإداري” وتأخر إجراءات التأشيرة.

لكن هل الأمر مجرد خطأ إداري عابر؟ أم أنه يكشف عمق الأزمة المؤسساتية في التعامل مع الكفاءات النخبوية في المغرب، وخاصة في المجالات العلمية الدقيقة كعلم الرياضيات؟

ثلاث سنوات من التحضير… ومكافأة بالإقصاء

اللافت أن التلميذات كنّ قد استعددن لهذه المسابقة على مدار ثلاث سنوات، في إطار مسار نخبوي مخصص للتميز العلمي، ما يعني أن الأمر لم يكن مفاجئًا أو طارئًا.

لماذا لم تتم إجراءات التأشيرة رغم معرفة أسماء المشاركات قبل شهرين؟
وهل يعقل أن تتعطل مشاركة المغرب في مسابقة علمية قارية بسبب تأشيرات؟

توصّلت الفتيات برسالة إلغاء المشاركة في 9 أبريل، أي قبل يومين فقط من الموعد المقرر للسفر، في 11 أبريل. هل نحتاج إلى أكثر من ذلك لإثبات أن هناك خللًا في طريقة تدبير ملفات النخبة العلمية المغربية؟

تكرار الإقصاء… صدفة أم سياسة إهمال ممنهجة؟

ليست هذه هي المرة الأولى. فقد تم حرمان الفريق الوطني من المشاركة في الأولمبياد الدولي للرياضيات (IMO) بلندن عام 2024، لنفس السبب: عدم استكمال الإجراءات الإدارية. ومع تكرار نفس “السيناريو”، يصبح السؤال منطقيًا:

هل أصبح الإهمال البنيوي هو القاعدة في تدبير ملف التميز العلمي بالمغرب؟
وأين هو “القطاع الوصي على التربية والرياضة” من كل هذا؟

أزمة قطاع يحتضر: وزارة بحقيبة مفرغة؟

من المفارقات أن هذا الفشل المتكرر يأتي في وقت تم فيه ضم قطاع الرياضة إلى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي، وهو دمج أثار منذ البداية انتقادات واسعة لكونه يُثقِل الوزارة ويشتت تركيزها بين ملفات تربوية وتعليمية معقدة، وأخرى رياضية ذات ديناميكيات مختلفة.

هل ما حدث يعكس حدود القدرة الإدارية للوزارة في تدبير هذا الكم من الملفات المتشابكة؟
وهل آن الأوان لفصل القطاع الرياضي عن التربوي، كما طالب بذلك مرارًا خبراء ومهنيون؟

من المسؤول؟ وماذا بعد؟

المثير للدهشة أن وزارة التربية الوطنية لم تصدر أي توضيح أو بيان بشأن هذه الحادثة، رغم ما أثارته من استياء واسع، واكتفت الجهات المسؤولة – كالوحدة المركزية للتميز – بمراسلة تهنئة مسبقة للتلميذات على تأهلهن، دون أن تكون لها الجرأة على الاعتذار.

هل ستتحمل الجهات المسؤولة مسؤولياتها؟
أم سنكتفي بتوجيه اللوم للصغار وترك الكبار في الظل؟

في العمق: ما الرسالة التي نوجّهها إلى بنات المغرب المتفوقات؟

الرياضيات ليست مجرد أرقام، بل رمز للجدية والانضباط والمنهجية. حين تُقصى تلميذات اجتهدن لسنوات لمجرد فشل في الإجراءات الإدارية، فإننا نرسل لهن رسالة مفادها أن هذا البلد لا يُكافئ المثابرة ولا يحترم التميز.

كيف يمكن الحديث عن “النموذج التنموي الجديد” و”دولة الفرص” في ظل هذا النوع من الإقصاء؟
وهل يُعقل أن تُدار ملفات التميز العلمي بهذا الشكل المرتجل في 2025؟

خلاصة: هل نحتاج إلى وزارة تربية ورياضة، أم إلى “وزارة للتميز”؟

لقد حان الوقت لإعادة النظر جذريًا في طريقة تعامل الدولة مع ملف التميز العلمي. نحن لا نفتقد فقط للتخطيط، بل نبدو أحيانًا وكأننا نحارب النجاح بوسائل بيروقراطية قاتلة.

إن ما حدث في ملف EGMO ليس مجرد “حادثة إدارية”، بل ناقوس خطر على ما يمكن أن ينتظر الأجيال القادمة من المحبطين والمحبطات، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه.