حين تلتقي الدبلوماسية البرلمانية بالأثير: الإعلام العربي شريك لا مجرد ناقل

0
86

في بهوٍ هادئ من أروقة العاصمة التونسية، حيث تختلط اللغة الرسمية بنبض السياسة العربية، لم يكن توقيع بروتوكول التعاون بين البرلمان العربي واتحاد إذاعات الدول العربية حدثًا بروتوكوليًا عابرًا. كان أقرب إلى رسالة سياسية–إعلامية، تقول إن المعركة اليوم لم تعد تُخاض فقط داخل القاعات التشريعية، بل على موجات الأثير، وفي الفضاء الرقمي، وفي الوعي العام العربي.

خلال لقائه بالمدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية، وقّع معالي السيد عادل بن عبدالرحمن العسومي، رئيس البرلمان العربي، بروتوكول تعاون يهدف إلى تطوير التنسيق الثنائي وتعزيز العمل العربي المشترك. غير أن القراءة المتأنية لبنود هذا الاتفاق تكشف أن جوهره يتجاوز حدود “التعاون الإعلامي” بالمعنى التقليدي، ليلامس سؤالًا أعمق: كيف يمكن للإعلام أن يتحول من ناقل للخبر إلى شريك في صياغة الدبلوماسية البرلمانية المعاصرة؟

إعلامٌ يسند السياسة… لا يصفّق لها

البروتوكول، في جوهره، يراهن على إعادة تعريف العلاقة بين المؤسسة البرلمانية والإعلام العربي. فبث جلسات البرلمان العربي عبر منصات وقنوات اتحاد إذاعات الدول العربية، وفق ترتيبات متفق عليها، ليس مجرد توسيع لدائرة المتابعة، بل هو محاولة لكسر العزلة الرمزية التي طالما أحاطت بالعمل البرلماني العربي، وجعله أقرب إلى المواطن، وأكثر خضوعًا للنقاش العام.

هذا التوجه يستحضر، ضمنيًا، تجارب تاريخية عرف فيها الإعلام العربي أدوارًا مركزية في لحظات التحول الكبرى، لكنه يضعه اليوم أمام اختبار مختلف: إعلام لا يكتفي بالترويج، ولا ينزلق إلى الدعاية، بل يواكب، يشرح، وينتقد عند الحاجة، في زمن تتكاثر فيه التحديات وتتراجع فيه الثقة.

الدبلوماسية البرلمانية في زمن التحديات

تأكيد رئيس البرلمان العربي على أن هذا البروتوكول ينبع من “الإيمان بالانفتاح على مؤسسات العمل العربي المشترك” ليس عبارة إنشائية. فالدبلوماسية البرلمانية، بوصفها أحد الأذرع الناعمة للعمل العربي، باتت مطالبة بأن تتكلم لغة العصر، وأن تجد لنفسها موطئ قدم في فضاء إعلامي سريع التحول، تحكمه الخوارزميات بقدر ما تحكمه السياسات.

ومن هنا، يكتسب الدور الذي يلعبه اتحاد إذاعات الدول العربية أهمية خاصة. فالاتحاد، بما راكمه من خبرة مؤسساتية، لا يقدّم فقط منصات بث، بل يعرض نموذجًا للتعاون الإعلامي العربي العابر للحدود، في زمن تتشظى فيه السرديات وتتنافس فيه الأصوات.

من الخبر إلى بناء الكفاءة

اللافت في الزيارة لم يكن التوقيع وحده، بل الاطلاع على تجربة الاتحاد، خصوصًا مركز التدريب التابع له. هذا المركز، بما يتيحه من فضاء لتبادل الخبرات وتكوين الكفاءات، يعكس إدراكًا متقدمًا بأن معركة الإعلام اليوم تُحسم بالكفاءة قبل الخطاب، وبالقدرة على فهم الإعلام الرقمي قبل امتلاك الميكروفون.

إشادة رئيس البرلمان العربي بهذه التجربة ليست مجاملة دبلوماسية، بل اعتراف بأن مستقبل الإعلام العربي—ومن ورائه العمل البرلماني—مرهون بمدى قدرتهما على التكيّف مع واقع إعلامي جديد، سريع، تفاعلي، ولا يعترف بالحدود التقليدية.

ما بين السطور

في المحصلة، يمكن قراءة هذا البروتوكول كخطوة ضمن مسار أطول، يسعى إلى ردم الفجوة بين السياسة والإعلام، وبين المؤسسة والمواطن. خطوة تقول إن العمل العربي المشترك، إذا أراد أن يستعيد بعضًا من زخمه، يحتاج إلى خطاب يُرى ويُسمع، لكنه يحتاج قبل ذلك إلى مضمون يقنع.

فالإعلام، حين يكون شريكًا واعيًا، لا يكتفي بأن يضيء المنصة… بل يختبر صلابة ما يُعرض عليها.