في ظل عالم سريع التحول، تعصف به موجات من العولمة والتطرف والانغلاق الهوياتي، عاد سؤال “من نحن؟” ليتصدر النقاش العمومي في المغرب. لم يعد الأمر مقتصراً على المثقفين والأكاديميين، بل أصبح يُطرح أيضاً من داخل الفضاء السياسي، وفي قلب الأحزاب، التي بدأت تستشعر أن غياب رؤية ثقافية واضحة قد يُفقدها الصلة بالمجتمع.
هذا ما بدا جلياً في الكلمة التي ألقاها مؤخراً محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، والتي تحدث فيها بلهجة واثقة عن “الإسلام المتسامح المتصوف”، وعن “إمارة المؤمنين كحصن ثقافي مغربي”، داعياً إلى الدفاع عن الهوية المغربية المتجذرة في التاريخ، المنفتحة على العصر.
فهل نحن أمام خطاب ظرفي؟ أم بداية لمراجعة ثقافية حقيقية داخل الأحزاب المغربية؟
الهوية: من النقاش الفلسفي إلى الضرورة السياسية
منذ سنوات، غاب النقاش الثقافي عن الخطاب الحزبي في المغرب، لصالح برامج انتخابية تقنية أو شعارات عامة حول “الديمقراطية” و”التنمية”. لكن الخطاب الأخير لأوزين أعاد تسليط الضوء على أزمة العمق الفكري داخل الفعل السياسي، وذكّر المغاربة بأن الدفاع عن التعدد، واللغة، والدين، ليس ترفاً، بل هو صلب أي مشروع حداثي.
حديثه عن “الإسلام المغربي المتسامح” لم يكن مجرد تمجيد للماضي، بل دفاع عن نموذج مغربي خاص في التدين، في مواجهة موجات التطرّف والانغلاق، وكذلك في مواجهة النماذج المستوردة التي لا تعترف بخصوصيات الشعوب.
التصوف وإمارة المؤمنين: مرجعية روحية أم مشروع مجتمعي؟
باستحضاره التصوف، بدا خطاب أوزين كأنه يُحيي إرث عبد السلام ياسين من جهة، ويدافع عن المشروع الملكي في تدبير الحقل الديني من جهة أخرى. فقد اعتبر أن إمارة المؤمنين ليست فقط مؤسسة دينية، بل “سقف ضامن” لهوية متسامحة ومحصنة ضد العنف والتعصب.
لكن هنا يطرح السؤال نفسه: هل تسعى الأحزاب لتجديد قراءتها للعلاقة بين الدين والدولة، أم أنها فقط تُردد ما قاله الملك محمد السادس في خطبه حول “الإسلام الوسطي المعتدل”؟
بين العروبة والأمازيغية… والتنوع المغربي المنسي
في كلمته، تحدّث أوزين عن التعدد الثقافي واللغوي، ودافع عن الأمازيغية كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية. وهو أمر كان منتظراً من حزب له جذور أمازيغية. لكن الجديد هو محاولة الربط بين التعدد اللغوي والتسامح الديني، في تأكيد على أن الهوية المغربية ليست مفككة، بل مركبة وغنية.
وهنا يطرح السؤال: هل هذا الدفاع جزء من رؤية ثقافية متكاملة، أم هو فقط رد فعل على صعود خطابات الهُوية المتشددة؟
هل نحن أمام بداية مسار جديد؟
الملاحظ أن هذا الخطاب يأتي في وقتٍ يشهد المغرب نقاشات عميقة حول:
-
إصلاح مدونة الأسرة،
-
وضعية الحريات الفردية،
-
أدوار المؤسسات الدينية،
-
ومكانة المرأة والشباب في النموذج الثقافي الوطني.