“حين يستدعي أوزين إمارة المؤمنين والهوية الثقافية: هل دخلت الأحزاب مرحلة الصدمة الحضارية؟”

0
244

في ظل عالم سريع التحول، تعصف به موجات من العولمة والتطرف والانغلاق الهوياتي، عاد سؤال “من نحن؟” ليتصدر النقاش العمومي في المغرب. لم يعد الأمر مقتصراً على المثقفين والأكاديميين، بل أصبح يُطرح أيضاً من داخل الفضاء السياسي، وفي قلب الأحزاب، التي بدأت تستشعر أن غياب رؤية ثقافية واضحة قد يُفقدها الصلة بالمجتمع.

هذا ما بدا جلياً في الكلمة التي ألقاها مؤخراً محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، والتي تحدث فيها بلهجة واثقة عن “الإسلام المتسامح المتصوف”، وعن “إمارة المؤمنين كحصن ثقافي مغربي”، داعياً إلى الدفاع عن الهوية المغربية المتجذرة في التاريخ، المنفتحة على العصر.




فهل نحن أمام خطاب ظرفي؟ أم بداية لمراجعة ثقافية حقيقية داخل الأحزاب المغربية؟

الهوية: من النقاش الفلسفي إلى الضرورة السياسية

منذ سنوات، غاب النقاش الثقافي عن الخطاب الحزبي في المغرب، لصالح برامج انتخابية تقنية أو شعارات عامة حول “الديمقراطية” و”التنمية”. لكن الخطاب الأخير لأوزين أعاد تسليط الضوء على أزمة العمق الفكري داخل الفعل السياسي، وذكّر المغاربة بأن الدفاع عن التعدد، واللغة، والدين، ليس ترفاً، بل هو صلب أي مشروع حداثي.




حديثه عن “الإسلام المغربي المتسامح” لم يكن مجرد تمجيد للماضي، بل دفاع عن نموذج مغربي خاص في التدين، في مواجهة موجات التطرّف والانغلاق، وكذلك في مواجهة النماذج المستوردة التي لا تعترف بخصوصيات الشعوب.

التصوف وإمارة المؤمنين: مرجعية روحية أم مشروع مجتمعي؟

باستحضاره التصوف، بدا خطاب أوزين كأنه يُحيي إرث عبد السلام ياسين من جهة، ويدافع عن المشروع الملكي في تدبير الحقل الديني من جهة أخرى. فقد اعتبر أن إمارة المؤمنين ليست فقط مؤسسة دينية، بل “سقف ضامن” لهوية متسامحة ومحصنة ضد العنف والتعصب.

لكن هنا يطرح السؤال نفسه: هل تسعى الأحزاب لتجديد قراءتها للعلاقة بين الدين والدولة، أم أنها فقط تُردد ما قاله الملك محمد السادس في خطبه حول “الإسلام الوسطي المعتدل”؟




بين العروبة والأمازيغية… والتنوع المغربي المنسي

في كلمته، تحدّث أوزين عن التعدد الثقافي واللغوي، ودافع عن الأمازيغية كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية. وهو أمر كان منتظراً من حزب له جذور أمازيغية. لكن الجديد هو محاولة الربط بين التعدد اللغوي والتسامح الديني، في تأكيد على أن الهوية المغربية ليست مفككة، بل مركبة وغنية.

وهنا يطرح السؤال: هل هذا الدفاع جزء من رؤية ثقافية متكاملة، أم هو فقط رد فعل على صعود خطابات الهُوية المتشددة؟

هل نحن أمام بداية مسار جديد؟

الملاحظ أن هذا الخطاب يأتي في وقتٍ يشهد المغرب نقاشات عميقة حول:

  • إصلاح مدونة الأسرة،

  • وضعية الحريات الفردية،

  • أدوار المؤسسات الدينية،

  • ومكانة المرأة والشباب في النموذج الثقافي الوطني.

في هذا السياق، قد لا يكون خطاب أوزين معزولاً، بل جزءاً من محاولة لاقتحام المجال الثقافي بعد أن ظلت الأحزاب تتركه للمؤسسات الرسمية أو للمجتمع المدني.

لكن يبقى التحدي الأكبر: هل تمتلك هذه الأحزاب أدوات تفعيل خطابها الثقافي؟ هل تملك نخباً فكرية؟ هل تدمج الهوية في برامجها التعليمية والثقافية؟

خاتمة مفتوحة: بين الهوية والديمقراطية

قد يرى البعض في خطاب أوزين مجرد “مزايدة هووية” استعداداً لانتخابات مقبلة، لكن آخرين يرون فيه محاولة لتصحيح مسار، ولإعادة الاعتبار للثقافة كمكون أساسي لأي مشروع مجتمعي ديمقراطي.

فبدون نقاش هادئ حول من نحن، لا يمكن بناء مشروع حداثي حقيقي. وبدون ربط الدين بالتسامح، والتاريخ بالتعدد، لا يمكن أن تكون الحداثة سوى قشرة خارجية.

ربما آن الأوان لأن تخرج الأحزاب من خطاباتها الانتخابية، وتبدأ في صياغة رؤى ثقافية جديدة، تكون فيها الهوية المغربية متعددة، لكن موحدة حول قيم التسامح، والانفتاح، والعقلانية.