حين يشكر المتهم وزير العدل… قراءة بين سطور قضية مبديع وما تخفيه من أسئلة محرجة حول الإثراء غير المشروع

0
254
صورة: موقع هيسبريس عدسة : منير امحيمدات

تنويه مهني: القضية موضوع هذا المقال ما زالت معروضة أمام القضاء، والمتهم يتمتع بقرينة البراءة إلى حين صدور حكم نهائي. ما يلي ليس حكمًا أو إدانة، بل قراءة تحليلية في دلالات ما قيل وما رافق القضية من مؤشرات سياسية وتشريعية.

في مشهد يثير أكثر من علامة استفهام، اختار محمد مبديع، الوزير السابق، أن يوجّه شكره العلني لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، ليس على إصلاح تشريعي أو مبادرة في خدمة المواطنين، بل على منع الجمعيات الحقوقية من تقديم شكاوى ضد المنتخبين بموجب المادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية.

هذا الشكر الذي عبّر عنه مبديع من قلب قاعة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث يواجه تهمًا ثقيلة تتعلق بتبديد المال العام وصفقات مشبوهة، يكشف عن التداخل المربك بين السياسة والقضاء، بين المسؤولية العمومية والمساءلة الجنائية.

حين يصبح الامتنان رسالة سياسية

أن يشكر مسؤول سابق وزير العدل من داخل قاعة المحكمة، هو أمر يتجاوز البعد الشخصي. إنه يوجه إشارة إلى أن التشريع الأخير صُمم ليمنح السياسيين حصانة إضافية أمام أصوات المجتمع المدني التي ظلت لعقود تلعب دور “المُبلّغ العمومي” عن الفساد. فهل نحن أمام مشهد عابر، أم أن كلمات مبديع تعكس إحساسًا عامًا لدى جزء من النخبة السياسية بأن الدولة تراجعت خطوة إلى الوراء في مسار مكافحة الفساد؟

تراجع قانون الإثراء غير المشروع: صدفة أم انسجام؟

الأمر يزداد إثارة حين نقرأ ما قاله مبديع على ضوء التطورات الأخيرة، خاصة قرار الحكومة سحب مشروع قانون الإثراء غير المشروع الذي كان يهدف إلى ملاحقة أي موظف أو منتخب لا يستطيع تبرير تضخم ثروته. أليس في ذلك انسجام ضمني بين شكر مبديع لوهبي وبين “طمأنة” طبقة سياسية واسعة ترى في هذا القانون تهديدًا مباشرًا لها؟

هنا يفرض السؤال نفسه: هل تعكس هذه التراجعات توازنات سياسية تحمي المنتخبين والمسؤولين السابقين من المتابعة، حتى على حساب ثقة المواطن في المؤسسات؟

حين يصبح الدفاع هجومًا

أمام القاضي علي الطرشي، لم يكتف مبديع بإنكار التهم أو تقديم المبررات، بل شنّ هجومًا مضادًا على تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات، واصفًا إياها بالمغلوطة والغامضة، بل ذهب أبعد حين اعتبر بعضها يدخل في خانة “شهادة الزور”.

هذا الموقف يفتح بابًا آخر من الأسئلة: إذا كانت مؤسسات الرقابة الرسمية نفسها تواجه التشكيك في نزاهتها من قبل متهم في قضايا مالية، فأين يضع ذلك مصداقية منظومة الحكامة والشفافية برمتها؟

بين حماية المال العام وتبديده

المفارقة أن مبديع ذكّر المحكمة بأنه كان من مؤسسي جمعية لحماية المال العام، في الوقت الذي يواجه فيه تهما بتبديده. وهنا يظهر التناقض الذي يطرح على الصحافة والرأي العام سؤالاً جوهريًا: كيف يتحول بعض من نادوا بحماية المال العام إلى متهمين في قضايا الفساد؟ وهل هذا يعكس خللاً في الأشخاص فقط، أم في المنظومة السياسية التي تُفرز مسؤولين يجمعون بين الخطاب الأخلاقي والممارسة الملتبسة؟

أسئلة مفتوحة على مستقبل الثقة

القضية إذن ليست فقط في متابعة مبديع أو براءته، بل في المسار التشريعي والسياسي الذي يوازي المحاكمة. فبين شكر وزير العدل، وتراجع الحكومة عن قانون الإثراء غير المشروع، وتقارير الرقابة المشكوك فيها، يظل المواطن المغربي يتساءل:

  • هل الدولة جادة فعلاً في ربط المسؤولية بالمحاسبة؟

  • أم أن الفساد أصبح مجرد ملف يُفتح ويُغلق بحسب موازين القوى السياسية؟

  • وهل يمكن بناء ثقة جديدة بين المواطن ومؤسساته في ظل هذه الرسائل المتناقضة؟

الخلاصة

محاكمة مبديع تكشف أن قضية الفساد ليست مجرد ملفات قضائية، بل هي في العمق قضية سياسية وتشريعية. فحين يخرج متهم ليشكر وزير العدل من قاعة المحكمة، فإن الرسالة تتجاوز براءته أو إدانته، لتطرح سؤالاً أكبر: هل ما زال المغرب متمسكًا بخيار مكافحة الفساد، أم أننا نشهد مرحلة تراجع مقنّع؟