في زمن كثرت فيه الإنتاجات الفنية وتضخّمت ميزانياتها، بات المتفرج المغربي ينسحب في صمت… لا لأن العروض نادرة، بل لأنها أصبحت – في معظمها – فارغة من المعنى، بعيدة عن واقعه، وغريبة عن هويته.
هذا ما يثيره الكاتب منير لكماني من ألمانيا، في مقال نقدي عميق يدقّ ناقوس الخطر حول حال الفن المغربي، ويطرح سؤالًا حادًا:
هل ما يُنتَج اليوم باسم الفن في المغرب، يليق فعلًا بجمهوره؟
الفن المغربي… حين يُنتج ولا يُشاهَد
يرى الكاتب أن الإنتاجات المغربية أصبحت كثيفة عددًا، لكنها شحيحة في القيم والمعنى. فالأعمال التي تُعرض على الشاشات، سواء في الدراما الرمضانية أو في قاعات السينما، لم تعد تعبّر عن الإنسان المغربي البسيط، ولا عن مجتمعه، ولا عن قضاياه الحقيقية. بل باتت تسوّق لصور هجينة، شخصيات سطحية، وفضاءات غير واقعية.
الأسرة المغربية مثلًا، لم تعد تظهر كمجتمع مترابط، بل ككيان مفكك. والأدوار النسائية تختزل المرأة في الجسد، بينما يصوَّر الرجل إما كمتغوّل أو ساذج. أما الفتاة المثقفة، أو الجدّ الحكيم، أو الحي الشعبي النابض، فكلّها صارت غائبة أو تُقدَّم بسخرية وتشويه.
عمق الأزمة: لا فكرة… ولا حشمة
بحسب تحليل الكاتب، يكمن جوهر الأزمة في عنصرين:
-
غياب الفكرة الخلّاقة:
الأعمال لم تعد تنطلق من سؤال فني أو رؤية جمالية. تُنتج قصص تبدأ ولا تنتهي، شخصيات بلا ملامح، وسيناريوهات مبنية على التفاهة أو السخرية المجانية، وغالبًا ما تنتهي إلى… لا شيء. -
تآكل الحياء العام:
تجرؤ بعض الأعمال على تطبيع العري، والإيحاءات الجنسية، والعبارات السوقية، يعكس – حسب الكاتب – اختراقًا مقلقًا للذوق العام المغربي. فالكاميرا لم تعد تتورع، والمخرج لا يتحفظ، والسيناريست يلهث وراء “الجرأة”، حتى في سياقات لا تحتمل ذلك. وهكذا تتحول البيوت المغربية إلى فضاءات مشوشة يُبث فيها محتوى لا يراعي قيمًا مجتمعية راسخة.
من ينتج هذا الفن؟ ولماذا هذا الانفصال عن الواقع؟
لا يتردد الكاتب في الإشارة إلى أن طبقة من المنتجين والمؤلفين والمخرجين قد انفصلت عن نبض المجتمع المغربي. فهم يعيشون في “فقاعة” مستنسخة من المنصات العالمية، يُقلدون من دون روح، ويُحاكون من دون وعي بالخصوصية الثقافية.
في ظل هذا، تُنتج أعمال لا تُعبّر عن الإنسان المغربي البسيط، بل تُقدّمه ككائن مهووس بالجنس والمال والمظاهر، في قطيعة تامة مع القيم التي طبعت الدراما المغربية أيامها الذهبية.
جذور الأزمة كما يراها الكاتب:
-
ضعف التكوين الفني:
لا توجد مدارس تخرّج كتّاب سيناريو متمكنين، أو مخرجين يملكون وعيًا بصريًا، أو ممثلين يجمعون بين التقنية والثقافة. -
منظومة دعم غير عادلة:
تُموَّل الرداءة، لأن لوبيات الإنتاج تعيد إنتاج نفسها، دون وجود آلية فعالة لتقييم الجودة والجدوى. -
غياب رؤية ثقافية واضحة:
لا أحد يجيب: هل الفن وسيلة للتربية؟ أم للربح؟ أم لبناء الهوية؟ هذا الغموض يجعل الساحة مفتوحة لكل شيء… ولأي شيء.
ما السبيل إلى الإصلاح؟ مقترحات الكاتب:
-
صياغة ميثاق وطني للفن البصري، يُحدّد الخطوط الحمراء، ويعيد الاعتبار للأسرة المغربية كقيمة.
-
ربط الدعم العمومي بالجودة الفكرية والفنية، وليس فقط بالأسماء أو الشبكات.
-
إنشاء مؤسسات تكوينية حقيقية، تُخرّج فنانين مفكرين، لا مشاهير موسميين.
-
فتح النقاش العمومي حول الفن، عبر مجلات وبرامج نقدية جادة.
-
العودة إلى القصص المغربية الأصيلة، التي تنبض من أعماق الأحياء والجبال والقرى والذاكرة.