حين يغدق الله علينا المطر: نعمة السماء وكوارث الأرض بين غياب التخطيط وضعف البنية التحتية

0
170

يُعد المطر نعمة عظيمة تهبها السماء، ولكن المفارقة التي نعيشها تكمن في كيفية تعاملنا معه بين فترات الجفاف وغزارة الأمطار. حين تُمسك السماء عنّا غيثها، نجد أنفسنا نلهث وراء قطرة ماء، نواجه أزمات ندرة المياه ونصطدم بتهديدات الجفاف الذي يهدد مستقبل البلاد. وحين يغدق الله علينا بالمطر، بدلاً من استقباله كرحمة، نعتبره كارثة طبيعية تسبّب الفيضانات وتدمّر الممتلكات.

أزمة البنية التحتية: الجاني الحقيقي

الفيضانات الأخيرة التي ضربت مناطق مختلفة في المغرب، خاصة في الجنوب الشرقي والأطلس الكبير، كشفت عن ضعف البنية التحتية، التي تبدو غير جاهزة لاستيعاب كميات كبيرة من الأمطار.

هذه الأمطار، التي من المفترض أن تكون هبة تحل أزمة المياه، تتحول إلى سيول مدمرة تكتسح المدن وتدمر الزراعة وتغرق المنازل.

السؤال الذي يطرح نفسه: أين دور الدولة في التخطيط لتوجيه هذه المياه نحو الخزانات الجوفية أو السدود؟

إن مشكلة ضعف البنية التحتية في مواجهة الأمطار ليست بجديدة، لكنها تتجدد مع كل فصل شتاء. الشوارع تغرق، والمنازل تتضرر، والأراضي الزراعية تُدمر في بعض المناطق.




هنا يكمن الجاني الحقيقي: غياب التخطيط السليم، وضعف الاستثمارات في تطوير وسائل تصريف المياه وتجهيز المناطق المهددة بالفيضانات.




نعمة الأمطار: من كارثة إلى فرصة

المفارقة الكبرى تكمن في أن الأمطار، رغم ضررها الظاهري، يمكن أن تكون فرصة ذهبية إذا تم استغلالها بالشكل الصحيح. فبدلاً من اعتبارها مصدر تهديد، يمكن استثمارها في تغذية الموارد المائية وتحسين القدرة الزراعية. ولكن هنا تظهر الحاجة الماسة إلى خطط بنيوية تمكن من تخزين هذه المياه بشكل فعّال، سواء عبر بناء المزيد من السدود أو تطوير شبكة لتصريف المياه.

صندوق التضامن: هل هو فعّال؟

الأضرار التي تخلّفها الفيضانات والسيول تثير تساؤلات حول دور الحكومة في حماية المواطنين، وهنا يأتي دور صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، الذي من المفترض أن يكون المظلة التي يلجأ إليها المتضررون. لكن هل يتم تفعيل هذا الصندوق بشكل صحيح؟ وهل يقدم تعويضات عادلة للضحايا؟

الكثيرون يشككون في فعالية الصندوق، ويتساءلون عن سبب التأخير في تعويض المتضررين، وعمّا إذا كان هناك إرادة حقيقية لحماية المواطنين من تبعات هذه الكوارث.

تلك الأصوات التي تعالت في البرلمان مطالبةً بتفعيل الصندوق بشكل أفضل تدل على وجود فجوة كبيرة بين القرارات الحكومية واحتياجات المواطنين الفعلية.

التغير المناخي أم غياب التخطيط؟

مع كل كارثة طبيعية، نجد أن النقاشات تتحول إلى التغيرات المناخية وتأثيراتها، لكن الحقيقة التي يجب أن نواجهها هي أن التغير المناخي ليس وحده المسؤول.

فعدم الجاهزية والتخطيط الضعيف من جانب الحكومة يسهمان بشكل كبير في تضخيم أثر هذه الكوارث. لذا، فإن التذرع بالتغير المناخي قد يكون مجرد وسيلة لتبرير التقصير في اتخاذ التدابير اللازمة.

الحل: الاستراتيجية طويلة الأمد بدل الحلول المؤقتة

عوضًا عن الاكتفاء بالإجراءات الطارئة والرد على الكوارث بعد وقوعها، يجب أن تتحرك الحكومة نحو وضع استراتيجيات طويلة الأمد تعزز من قدرة البلاد على مواجهة التغيرات المناخية، وتطوير بنية تحتية تضمن استغلال الأمطار بشكل مثالي.

إن الأمطار نعمة، ولكن إذا لم يتم استغلالها بالشكل الصحيح، فإنها قد تصبح نقمة. بين التناقض في تعاملنا مع المطر كنعمة وبين تركها تتحول إلى كارثة، تكمن الحقيقة المرة: غياب التخطيط واستعداد الدولة للتعامل مع هذه الظواهر الطبيعية. ومن هنا، لا بد من استثمار هذه النعمة لصالح البلاد بدل التذمر من تبعاتها.