حين يُوثّق الفيديو العنف ومديرية الأمن تتحرك… لكن ماذا عن العنف الذي لا يُوثّق؟

0
124

تفاعلت المديرية العامة للأمن الوطني بسرعة مع شريط فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه شرطيان بزيّهما الرسمي في مشهد عنيف ضد شاب بأحد شوارع المغرب.

ووفق البلاغ الذي بثّته القناة الثانية الرسمية، بادرت المديرية إلى فتح تحقيق عاجل تحت إشراف المفتشية العامة، للتحقق من ظروف وملابسات الواقعة، وتحديد المسؤوليات القانونية والمهنية المحتملة.

هذه السرعة في التفاعل تُحسب للمؤسسة الأمنية التي باتت تدرك أهمية الصورة في زمن الرقمنة، حيث أصبح “الفيديو” أداة رقابة شعبية موازية، وسلاحاً جديداً في يد المواطن لتوثيق ما كان في السابق يُروى دون دليل.

لكن، وراء هذا التفاعل الإيجابي، تبرز أسئلة لا تقل أهمية:
ماذا عن الحالات التي لا تُوثّقها العدسات؟ وماذا عن الممارسات اليومية التي لا تصل إلى الرأي العام لأنها جرت في مخفر أو في زاوية مظلمة من الشارع؟

هل يحتاج المواطن المغربي إلى كاميرا ليدافع عن كرامته؟ أم أن المؤسسة الأمنية مطالبة بإعادة النظر في مناهج التكوين والمراقبة لتضمن أن احترام الكرامة الإنسانية ليس استثناءً، بل قاعدة في السلوك المهني لكل من يرتدي الزي الرسمي؟

البلاغ يتحدث عن “بحث دقيق لتحديد المسؤوليات”، وهي صيغة قانونية مألوفة في مثل هذه البلاغات، غير أن جوهر المسألة يتجاوز العقوبة الفردية إلى النقاش الأوسع حول ثقافة السلطة وعلاقة الأمن بالمجتمع. فبين الأمن كضرورة لحماية النظام العام، وكرامة المواطن كحق دستوري، يجب أن يُرسم خط واضح لا يُتجاوز.

من جهة أخرى، يطرح الفيديو المتداول مرة أخرى سؤال الثقة بين المواطن والإدارة الأمنية:
هل يشعر المواطن فعلاً بأن المؤسسات قادرة على إنصافه عند تعرضه لسلوك مهين؟

وهل تمتلك الدولة آليات مستقلة كفيلة بطمأنة الرأي العام حين تكون الشكوى موجهة ضد رجل السلطة نفسه؟

في المقابل، لا يمكن إغفال حجم الضغوطات والمخاطر التي يعيشها رجال الأمن في الميدان، وهو ما يستدعي بدوره نقاشاً موازياً حول ظروف عملهم، والدعم النفسي والتربوي الذي يُمكّنهم من أداء مهامهم دون انزلاقات.

إن فتح التحقيق خطوة مطلوبة ومحمودة، لكنها يجب ألا تكون مجرد ردّ فعل على ضجيج وسائل التواصل، بل مدخلاً لإصلاح عميق يُعيد بناء الثقة بين المواطن والشرطي على أساس الاحترام المتبادل، والمسؤولية المشتركة في حماية الوطن والكرامة الإنسانية.