العنف ضد النساء: بين النصوص القانونية والواقع المجتمعي
بينما يحتفي المغرب، مع المجتمع الدولي، بالحملة الأممية لمناهضة العنف ضد النساء، تلقي السيدة خديجة الكور، رئيسة منظمة النساء الحركيات، الضوء على قضايا عميقة الجذور تواجهها النساء المغربيات.
ورغم المكتسبات الهامة التي تحققت على المستوى التشريعي والدستوري، فإن هناك تحديات مستمرة، تتطلب تحركًا جادًا ومستدامًا لإحداث تغيير حقيقي.
أولاً: العنف الممأسس – عندما تصبح القوانين جزءًا من المشكلة
في خطابها، تطرقت السيدة الكور إلى أحد أخطر أنواع العنف، وهو العنف الممأسس الذي يتم تكريسه من خلال النصوص القانونية. قد لا يكون هذا النوع من العنف واضحًا للعيان مثل العنف الجسدي أو اللفظي، لكنه يُعتبر أكثر تعقيدًا لأنه يتغلغل في البنية التشريعية نفسها.
القوانين، بلغتها ومرجعياتها، قد تُساهم أحيانًا في تطبيع العنف ضد النساء. على سبيل المثال:
-
اللغة القانونية: النصوص التي تُصاغ بطرق غامضة أو تحمل إشارات تمييزية تجعل من الصعب على النساء الاستفادة منها بشكل كامل.
-
تأطير العنف: غياب أو ضعف القوانين التي تجرّم أشكال العنف المختلفة بشكل واضح ومحدد، مما يُتيح للمعتدين استغلال الثغرات القانونية.
كيف يمكن إصلاح هذا الوضع؟ المطلوب ليس فقط تعديل النصوص القانونية، بل إعادة صياغة الإطار التشريعي بالكامل بحيث يُعزز العدالة الحقيقية ويضمن حماية المرأة في كافة جوانب حياتها.
ثانيًا: العنف السياسي – حين تتحول السياسة إلى ساحة للإقصاء
أشارت السيدة الكور إلى شكل آخر من أشكال العنف الذي يُمارس ضد النساء، وهو العنف السياسي. ورغم أن المغرب اعتمد نظام “الكوطا” لزيادة تمثيل النساء في المؤسسات السياسية، إلا أن هذا الإجراء المؤقت لم يحقق الهدف المرجو منه.
-
الإقصاء المستتر: بدلاً من أن تكون الكوطا أداة لتعزيز المشاركة السياسية للنساء، أصبحت وسيلة لتقييدهن ضمن حدود ضيقة. تُختزل النساء في أرقام تُضاف للتقارير دون أن يكون لهن تأثير حقيقي في اتخاذ القرارات.
-
الهجمات الشخصية: غالبًا ما تتعرض النساء العاملات في المجال السياسي للتشهير، التهديد، والإهانة، بهدف دفعهن إلى الانسحاب. هذه الهجمات لا تمثل فقط اعتداءً شخصيًا، بل هي أيضًا انعكاس لسيطرة العقلية الذكورية التي تسعى لتقييد دور المرأة في السياسة.
الحل: يجب تعزيز الثقافة المجتمعية التي تدعم المشاركة السياسية للنساء، والعمل على توفير حماية قانونية واجتماعية للمرأة في المجال السياسي.
ثالثًا: العدالة المجالية – ربط الحقوق بالتنمية
أحد المحاور الهامة التي تناولتها السيدة الكور هو العلاقة بين العدالة المجالية والعدالة الانتقالية. تتعلق العدالة المجالية بتوزيع عادل للموارد والتنمية بين المناطق، وهو أمر يُعزز حقوق المرأة بشكل غير مباشر.
-
الأقاليم الجنوبية كمثال ناجح: تحولت هذه المناطق من هوامش إلى مراكز للنمو الاقتصادي، مما يعكس قدرة الدولة على تحقيق التنمية إذا توافرت الإرادة السياسية.
-
المناطق المهمشة الأخرى: في المقابل، ما زالت بعض المناطق في المغرب تعاني من التهميش، وهو ما ينعكس بشكل خاص على النساء في تلك المناطق، حيث يواجهن تحديات مضاعفة بسبب غياب الخدمات وفرص العمل.
السؤال الأهم: كيف يمكن توسيع هذا النموذج التنموي ليشمل كافة المناطق؟ الحل يكمن في وضع سياسات شاملة تركز على التنمية المحلية وتعزيز البنية التحتية في المناطق المهمشة.
رابعًا: دور المجتمع المدني – شريك أم مجرد مراقب؟
أكدت السيدة الكور على الدور الحاسم للمجتمع المدني في دعم قضايا النساء. لكن هذا الدور لا يجب أن يقتصر على المراقبة أو تقديم الدعم اللوجستي، بل يجب أن يتحول إلى شراكة حقيقية مع المؤسسات الحكومية.
-
الحوار المفتوح: ضرورة إشراك منظمات المجتمع المدني في صياغة السياسات العامة، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة.
-
التوعية: تعزيز الوعي في المجتمعات المحلية بأهمية مشاركة النساء في كافة مجالات الحياة العامة.
-
المساءلة: يجب أن يعمل المجتمع المدني كآلية لمساءلة المؤسسات الرسمية عن تقصيرها في تنفيذ القوانين المتعلقة بحقوق المرأة.
خامسًا: العدالة الانتقالية – مشروع تنموي مستدام
العدالة الانتقالية ليست مجرد معالجة للماضي، بل هي جزء من مشروع إصلاحي شامل يسعى لبناء مجتمع عادل. أشارت السيدة الكور إلى أن المغرب قطع خطوات كبيرة في هذا المجال، لكنه بحاجة إلى استدامة هذا المسار من خلال:
-
تشريعات شاملة: تغطي كافة جوانب حقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
-
برامج تنموية: تربط بين حقوق المرأة والتنمية المستدامة.
-
تعزيز الديمقراطية: عبر بناء مؤسسات قوية تُعبر عن إرادة الجميع، رجالًا ونساءً.