خريف الغضب المغربي… حين يصبح السلم الاجتماعي على المحك

0
105

المغرب يعيش اليوم على إيقاع احتجاجات غير مسبوقة من حيث حدتها واتساعها الجغرافي. من وجدة إلى الناظور، ومن أكادير إلى طنجة، تتصاعد مظاهر الغضب الشعبي، رافعة معها أسئلة عميقة حول علاقة الدولة بجيل جديد من المغاربة يصرّ على أن يكون له صوت ووزن في المعادلة السياسية والاجتماعية.

غضب يتجاوز الخطوط الحمراء

الوقائع الميدانية صادمة: اقتحام مراكز تجارية، إحراق سيارات الأمن والدرك، تخريب الممتلكات العامة والخاصة. بلاغ وزارة الداخلية كشف عن حصيلة ثقيلة: إصابة 263 عنصرًا من القوات العمومية، و23 متظاهرًا بجروح متفاوتة الخطورة، إضافة إلى أضرار جسيمة لحقت بأكثر من 160 عربة. إنها أرقام تعكس حجم الانفجار وتطرح سؤالًا محوريًا: هل ما زال الحديث عن “تظاهر سلمي” ممكنًا أمام هذه الانزياحات؟

حكومة بلا جواب سياسي

أربعة أيام متواصلة من التظاهر لم تكن كافية لدفع الحكومة إلى تقديم جواب سياسي. وحده المقاربة الأمنية حضرت بكثافة، وكأننا أمام استعادة حرفية لتجربة 2011، حيث فضّلت الدولة آنذاك “إدارة التوتر حتى تمر العاصفة”. لكن هل يمكن لذات المقاربة أن تنجح أمام جيل مختلف؟ جيل وُلد في عالم رقمي، عاش أزمات اقتصادية واجتماعية متلاحقة، وتشرّب قيم المخاطرة والتحدي.

هتاف شاب في الدار البيضاء يلخّص الفارق بين جيلين: «واش كتحسابو حنا بحال والدينا اللي حكرتو عليهم؟ نحن لن نسكت». الرسالة واضحة: هذا الجيل يرفض منطق الخضوع، ويبحث عن معنى جديد لمشاركته في الحياة العامة.

بين السلمية والعنف: خط رفيع

المشهد يتأرجح اليوم بين تيارين: شباب متمسك بحق التظاهر السلمي رغم الاعتقالات والمطاردات الأمنية، وآخرون اختاروا الانزياح نحو التخريب والعنف. الفئة الأولى تراهن على “ربيع اجتماعي” يعيد الأمل في التغيير، أما الثانية فهي تعبير عن انفجار غير مؤطر قد يهدد بفقدان السيطرة على الحراك. المراقبون يرون أن خلط السياسي بالجنائي يخلق لبسًا خطيرًا: الجانحون يردعهم الأمن بسهولة، لكن من يحمل قضية لا يعود إلى بيته بيسر.

الدولة والمخزن: لعبة شد الحبل

الثقافة المخزنية ما زالت تقرأ الحركات الاجتماعية باعتبارها محاولة لـ “ليّ الذراع”. لذلك كان الرد متصلبًا: منع التظاهرات، متابعة قضائية لعشرات الشباب، وإصرار على أن “لا تساهل” مع أي حراك يتجاوز الخطوط. لكن هذه المرة، التحدي أعمق: شباب مجهول للسلطة، لم يعش 20 فبراير، ولا تحكمه وسائط تقليدية من نقابات وأحزاب. إنه جيل بلا وسطاء، يتواصل عبر العالم الرقمي ويحتج في الشارع مباشرة.

الشعارات تفضح الأزمة

“الشعب يريد إسقاط الفساد” هو الشعار الأبرز، الموجه بالأساس إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش وإلى رموز المال الذين يمثلون “ثلثي البرلمان” حسب تعبير المحتجين. إنها أزمة ثقة خانقة، لا في المؤسسات فحسب، بل في مجمل العقد الاجتماعي الذي يفترض أن يربط المواطن بالدولة.

إلى أين؟

الوقت يمرّ، والشباب يصرّ على ألا يعود إلى بيته صفر اليدين. الدولة، بالمقابل، تملك مفتاح الحل لكنها لم تفتحه بعد. هل يكون المخرج في إقالة الحكومة والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها؟ تجارب العالم تُظهر أن تغيير الحكومات ليس حدثًا استثنائيًا: فرنسا بدّلت سبعة رؤساء حكومة في ظرف ثماني سنوات فقط (2017-2025).

الخريف المغربي إذن ليس مجرد محطة عابرة، بل لحظة مفصلية قد تعيد رسم العلاقة بين جيل كامل ومؤسساته. الخيار اليوم بين أن يتحول الغضب إلى قوة إصلاح سلمي، أو أن ينزلق إلى دوامة عنف تُفقد الجميع السيطرة.