1-إلى شاب من ذوي القرابة : في النصح والتوجيه.
في سكون الليل الملهم، كسكون الأثير، ومن منطلق قاعدتي الأرضية حيث أرابط مدى العمر على التخوم، هنالك، للتزود بالمعرفة جلبا للمنفعة خيرا ودرءا للمفسدة شرا، ولذب تفاهة التافهين وغثاء المتفيهقين الضارين بالناس أشد الضرر، من تلك القاعدة، حيث أزرع عادة لموسم حصاد جديد، التفت، على حين غرة، فأبصرت شابا وسيما في مقتبل العمر يخطو بخطى حثيثة لتحصيل تلك المادة الذهبية التي تخول إمكانية النبوغ كثمرة كد واجتهاد، وإذ عرفت أنك ذلك الشاب الطموح السائر علي الدرب نحو هدفه المنشود، وليت وجهي شطر قاعدتي تلك مبتهجا بأنك قررت، مثلي، التزود بل التزوج بالمعرفة مثنى وثلاث ورباع…
ثم التفت مرة أخرى هنالك في تلك الربوع، فعثرت اليوم، صدفة، على ما جادت به قريحتك، يا ولدي، هناك عبر تلك القناة الإعلامية، وأنت تراجع ذكرياتك مع جدتك الراحلة، رحمة الله عليها، وتناجيها منطلقا من مسقط رأسك بأجمل أرض الله فوجدت، فيما كتبت نصا بمميزات أدبية تنم بحق عن موهبة تنتظر ولوج الميدان، ممارسة وصقلا، لتعبر عن نفسها من خلال ما تجود به عادة قريحة الكاتب الملهم لما له من أسلوب مشوق عذب وآراء رفيعة المستوى، وقد أصبح بذلك، أى بالكلمة والفكر، مؤهلا لخدمة الناس والبلاد خدمة متمشية مع مكارم الأخلاق…
فتلك الكلمات العذبة في نصك والمناجاة المنسجمة مع الارض، وما يتخلل ذلك من حنين، قمينة، لا شك، بجعل الأديب ينمو ويترعرع بين جوانحك، خاصة أن محاكاتك جبران خليل جبران قصدا أو بغير قصد هي لدى تصديق لأمارات المستمكن التي أراها لديك.
ستسير، يا ولدي، في طريقك هذا الموحش المقفر مدى العمر، تارة وحيدا وأخرى برفقة، يتجاذبك القلق والمعاناة وأنت تقصد القمة، فإن وصلتها- والوصول إليها ليس ممتنعا- فلن يستطيع إذ ذاك أحد من الإنس والجن أن يزحزحك عنها، ولا أن يسلبك مزاياها أو أن يحرمك ثمارها، وهي كثيرة.
أكتفي، في هذا الحيز من كلامي، بالرمز والصورة، أى بالإشارة فقط دون العبارة، لكونك تفهم ما أرمز إليه من معان، وما أريد تصويره من مجد بهذا التعبير الذي يتمشى مع طبيعة الموضوع المتحدث عنه هنا حيث لا يجوز الابتذال.
فاعمل اذن، يا ولدي، على ان تكون أديبا في المستقبل القريب، إن شئت، بعون الله تعالى.
ولا تنس أن تقرأ مني السلام على أبويك، كما يجب أن تجعل الدعاء لجدتك، رحمة الله عليها، ضمن وردك اليومي، عقب الصلاة.
2- إلى إنسان عرفته : في المساندة والتذكير والتنوير.
طلبت الدعاء الصالح من أصدقائك وإخوة الإسلام في لحظة توعك وحرج، وحق لك ذلك، فكان لك ما تريد على اعتبار أن المسلم أخ المسلم، يقف بجانبه في ساعة الشدة. وإن تك ساعات الشدة هذه متنوعة، نجد أن من بينها وقت المرض، تلك الأزمة التي تتطلب الدعاء والمواساة والمساندة، الخ.
كان ذلك عندك قضاء وقدرا، فكنت أنا، بحمد الله، ممن هدوا إلى الدعاء لك بالشفاء عن ظهر الغيب، وقد سمع الله دعائي أن صرت معافى في بدنك كالمرجو عندك من نفسك، وكالمرجو لك من أسرتك وأصدقائك.
فهنيئا لك إذن بنعمة العافية فضلا من الله.
كذا يمكنك اليوم، وأنت لابس لباس العافية، أن تعود إلى الحقل أو إلى الميدان، فعد إذن أخيرا، مناضلا ومزودا بحيوية جديدة، بعد الشفاء، إلى حلبة السياسة حيث منصبك لا زال شاغرا لم يشغله أحد، عد إلى الميدان لتصدع، على عادتك، بما ينفع الناس وبما يرضي ضميرك كعاشق للنشاط السياسي.
ومثلما أنك مطالب بالعودة إلى حقل السياسة كمناضل من أجل المساهمة في نشر الخير، فإن عليك أيضا أن تعود إلى العمل الجمعوي الاجتماعي لزرع الخير كذلك في حقل لا يعدم فيه العمل النافع.
وليس هذا كل شىء عندي مما أريد أن أحدثك عنه هنا في هذا الخطاب تذكيرا وتنويرا، بل إن لي إليك فوق ذلك في القريض كلاما هاما يخصك نظرا لصلتك بعالمه قارئا وممارسا.
والمعني أنه بقي عليك أن تنطلق إلى معشوقتك المفضلة، إلى القصيدة الشعرية لمباشرة العمل في أحضانها، مستأنسا بمحضرها، فانطلق الآن إلى رياض عبقر حيث تنتظرك فرس الشعر المجنحة لتركب صهوتها، باحثا عن جواهر عقد فريد، هنالك، قصيدة شعرية جديدة تتحف بها قراءك الذين أعد منهم.
ولكن لا تذهب بعيدا في تبني طقوس الحداثة، فهى مضللة بغيضة حسب المعلومات المتوفرة لي عنها.
فكم أصر أدونيس، زعيم هذه المدرسة الأدبية، ناظما، على ممارسة قباحات الحداثة بالتعبير والتفكير، فعرض نفسه لمعاول النقاد، إذ كان ما كان من مقالات الاستنكار والشجب، ومن ثمة، عرض نفسه مرة أخرى لأن يمج شعره من قبل ذوي الأذواق السليمة.
فهذه هنا جملة ما كان بودي قوله في عجالة عاجلة، فإن شئت المزيد مما هو متعلق بالموضوع، فدونك والمقالة المطولة، عن غير قصد، في صفحات أخرى تالية حيث موضوع مشابه.