في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المغرب، أعلنت الحكومة عن خطة طموحة تهدف إلى خفض معدل البطالة إلى 9% بحلول عام 2030، من خلال إحداث 1.45 مليون منصب شغل وتخصيص غلاف مالي يقدر بحوالي 15 مليار درهم. هذه الخطة، التي تمثل محاولة جادة لمعالجة إشكالية البطالة، أثارت ردود فعل متباينة بين الخبراء والمختصين. من بين هؤلاء، تصدرت تصريحات لمياء المازجي، المختصة في التكنولوجيا التربوية والابتكار التربوي، المشهد النقاشي، حيث قدمت تحليلاً نقديًا للخطة الحكومية، مشيرة إلى نقاط قوتها وضعفها، مع التركيز على ضرورة تبني رؤية شاملة تعتمد على الكفاءة بدلاً من الاكتفاء بخلق فرص عمل مؤقتة.
الخطة الحكومية: طموح أم واقعية؟
بداية، لا يمكن إنكار أن خطة الحكومة لخفض معدل البطالة إلى 9% بحلول 2030 تعكس إرادة سياسية قوية لمعالجة واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد المغربي. فمعدل البطالة، الذي بلغ حوالي 11.8% في عام 2022، يمثل عبئًا ثقيلاً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومع تخصيص ميزانية ضخمة تصل إلى 15 مليار درهم، تبدو الحكومة جادة في تحقيق هذا الهدف.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه الأرقام الطموحة قابلة للتحقيق في ظل الوضع الاقتصادي الحالي؟ وهل التركيز على خلق فرص عمل دون ضمان استدامتها وحماية حقوق العمال سيؤدي إلى نتائج إيجابية على المدى الطويل؟ هذه التساؤلات تشكل جوهر التحليل الذي قدمته لمياء المازجي، والتي رأت أن الخطة، رغم طموحها، تفتقر إلى رؤية شاملة تركز على الكفاءات وليس فقط على الأرقام.
عدم تطابق الكفاءات مع سوق العمل: الإشكالية الأساسية
أشارت المازجي إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في نقص فرص الشغل، بل في عدم تطابق الكفاءات مع متطلبات سوق العمل. ففي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى خلق 1.45 مليون منصب شغل، تبقى هناك فجوة كبيرة بين المهارات التي يمتلكها الشباب المغربي والمهارات المطلوبة في سوق العمل، خاصة في القطاعات الواعدة مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والصناعات الرقمية.
هنا تبرز إشكالية أساسية: هل منظومة التكوين المهني والتعليم في المغرب قادرة على تلبية احتياجات سوق العمل المستقبلية؟ وفقًا للمازجي، فإن الإجابة على هذا السؤال تتطلب إصلاحًا جذريًا لمنظومة التكوين والتعليم، بحيث يتم تطوير مناهج تتناسب مع احتياجات القطاعات الصاعدة. وهذا يعني أن خلق فرص عمل يجب أن يكون مقرونًا بتحسين جودة التعليم والتكوين المهني، بما يضمن أن الشباب المغربي لديه المهارات اللازمة للاندماج في سوق العمل بشكل فعال.
التشغيل الهش: خطر يهدد استدامة الخطة
من النقاط الأخرى التي أثارتها المازجي هي خطر التشغيل الهش، حيث أشارت إلى أن التركيز على دعم المقاولات لتوظيف الشباب دون ضمان آليات واضحة لحماية حقوقهم وتطوير مهاراتهم قد يؤدي إلى خلق وظائف غير مستدامة. فالكثير من الوظائف التي يتم خلقها قد تكون مؤقتة وبأجور متدنية، مما يفاقم من إشكالية التشغيل الهش ويضعف القدرة الشرائية للعمال.
هنا يطرح سؤال آخر: هل الحكومة لديها آليات كافية لضمان استدامة الوظائف التي يتم خلقها؟ وفقًا للمازجي، فإن نجاح الخطة يتطلب وضع آليات صارمة للرقابة على شروط العمل والأجور، وتوفير حماية اجتماعية حقيقية للشغيلة. فبدون هذه الضمانات، قد تتحول الخطة إلى مجرد أرقام تُجمّل الإحصائيات دون أن يكون لها تأثير حقيقي على حياة المواطنين.
التركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة: مفتاح النجاح
في محاولة لتقديم حلول عملية، شددت المازجي على ضرورة التركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة، مثل الصناعة الرقمية، الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي. هذه القطاعات، التي تشهد نموًا متسارعًا على المستوى العالمي، يمكن أن تكون محركًا رئيسيًا للتنمية الاقتصادية في المغرب، شرط أن يتم توجيه الاستثمارات نحوها بشكل استراتيجي.
لكن هذا يطرح تساؤلاً آخر: هل الحكومة لديها رؤية واضحة لتوجيه الاستثمارات نحو هذه القطاعات؟ وهل هناك تعاون فعلي بين القطاع العام والخاص لتحقيق هذا الهدف؟ وفقًا للمازجي، فإن نجاح الخطة يتطلب تعزيز الجسور بين التعليم وسوق العمل، وتوجيه الدعم نحو القطاعات التي يمكن أن توفر فرص عمل مستدامة وذات قيمة مضافة عالية.
الخاتمة: نجاح الخطة مرهون بالإصلاحات الجذرية
في ختام تحليلها، أكدت لمياء المازجي أن نجاح الخطة الحكومية لخفض معدل البطالة إلى 9% بحلول 2030 يتطلب وضوحًا في آليات التنفيذ، رقابة صارمة، وأولوية للكفاءات. فالتشغيل ليس فقط قضية أرقام، بل مسألة بناء مستقبل قائم على الكفاءة والإنتاجية. وبالتالي، فإن الرهان الأساسي يبقى على قدرة الحكومة في تحقيق هذه الأهداف بشكل متوازن، بما يضمن حقوق الشغيلة ويعزز الإنتاجية الاقتصادية، بعيدًا عن الحلول الترقيعية التي قد لا تصمد أمام التحديات الراهنة.
أسئلة تبحث عن إجابات:
-
هل الحكومة لديها خطة واضحة لإصلاح منظومة التكوين المهني والتعليم لتلبية احتياجات سوق العمل؟
-
ما هي الآليات التي ستضعها الحكومة لضمان استدامة الوظائف وحماية حقوق العمال؟
-
كيف سيتم توجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات القيمة المضافة مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة؟
-
هل هناك تعاون فعلي بين القطاع العام والخاص لتحقيق أهداف الخطة؟