الحكومة المغربية، التي يقودها الملياردير عزيز أخنوش، تسيّر العمل الحكومي بعقلية رجل الأعمال وتجد نفسها بلا معارضة برلمانية قوية، ولا حتى صحافة مزعجة.
الرباط – قال الملياردير رئيس الحكومة المغربية ، عزيز أخنوش ، أن حكومته كانت لها ” الجرأة لاعتماد فرضيات واقعية خلال الإعداد والمصادقة على قانون المالية لهذه السنة، رغم أن البعض اعتبرها قليلة الطموح آنذاك”، مضيفا “نتذكر جميعا النقاش الذي كان أثناء عرض مشروع قانون المالية”.
وتابع أخنوش الذي حل خلال الجلسة العمومية للأسئلة الشفهية الموجهة إلى رئيس الحكومة بمجلس النواب، اليوم الاثنين، على أن “اليوم، يتبين بالملموس أن الحكومة اختارت الصدق والواقعية”.
اتخذت الحكومة ما يلزم من إجراءات وتدابير مستعجلة لحماية القدرة الشرائية للأسر، وضمان تزويد الأسواق بكل المواد الغذائية والأساسية، ما قد يرفع تحملات صندوق المقاصة بما يفوق 15 مليار درهم إضافية. pic.twitter.com/PuBsCQRiZD
— رئيس الحكومة المغربية (@ChefGov_ma) April 18, 2022
وأضاف رئيس الحكومة الذي كان يرد على الانتقادات التي رافقت حكومته منذ تشكيل حكومته، “نحن على وعي أننا كسائر دول العالم، نجتاز مرحلة من اللايقين الاقتصادي، ومن الصدمات المتتالية التي يمكن أن تفند كل الفرضيات”.
وأبرز أخنوش أن الحكومة عملت منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، وقبلها أثناء مواجهة تداعيات كوفيد 19 “على اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات وتدابير عمومية مستعجلة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، وضمان تزويد الأسواق بكل المواد الغذائية والأساسية، رغم أن الظروف الخارجية المفاجئة والتحولات المناخية غير المستقرة، أربكت الفرضيات التي اعتمدها القانون المالي المبنية على توقع نسبة نمو 3.2٪، وهي فرضيات كانت تتماشى مع التوقعات العالمية لشهر أكتوبر 2021 وكانت مواتية للاقتصاد الوطني”.
وأضاف المتحدث أنه “في ظل الوضعية المضطربة التي نعيشها وما رافقها من توترات تضخمية، خصوصا فيما يتعلق بأسعار المواد الطاقية والغذائية، أعطت الحكومة أولوية قصوى لتتبع كل التطورات المتعلقة بالأسعار واتخذت مجموعة من التدابير لضمان استقرارها حفاظا على القدرة الشرائية للأسر المغربية”.
وذكر رئيس الحكومة أن أسعار بعض المواد بلغت مستويات قياسية وغير مسبوقة، منذ بداية سنة 2022، حيث تجاوزت أسعار البترول سقف 133 دولار للبرميل، مع متوسط 99,4 دولار للبرميل خلال نفس الفترة. كما سجلت أسعار الغاز ارتفاعا تاريخيا، حيث بلغت سقف 1090 دولار للطن، ومتوسط 890 دولار للطن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2022.
تواجه الحكومة اليوم بثبات آثار الحرب وآثار الوباء والتّغيّرات المناخية، عبر إجراءات عملية وجادة وحلول آنية فعالة. pic.twitter.com/VQ545JlKmQ
— رئيس الحكومة المغربية (@ChefGov_ma) April 18, 2022
وتابع “كذلك الحال بالنسبة لأسعار المواد الغذائية المستوردة التي عرفت بدورها ارتفاعا كبيرا خلال الأسابيع القليلة الماضية، خصوصا منها القمح والسكر، حيث بلغت أسعار القمح سقف 457 دولار للطن حتى لـ 500 دولار للطن، ومتوسط 358 دولار للطن، فيما بلغت أسعار السكر سقف 463 دولار للطن، ومتوسط 440 دولار للطن خلال نفس الفترة”.
وشدد أخنوش على أنه “أمام كل هذه التحديات، تجاوبت الحكومة من خلال تعبئة موارد مالية استثنائية، وتصويب اختياراتها الميزاناتية بدقة واستباقية وفعالية”، مبرزا بأن مخصصات صندوق المقاصة بلغت 21,1 مليار درهم متم سنة 2021 مقابل توقعات كانت في حدود 12,5 مليار درهم نفس السنة. ومن المتوقع أن ترتفع تحملات صندوق المقاصة بما يفوق 15 مليار درهم إضافية، مقارنة بتوقعات قانون مالية سنة 2022، التي كانت قد حددتها في 17 مليار درهم”.
وأكد بأن الحكومة بادرت إلى “التنسيق مع المهنيين من أجل استقرار الأثمنة والحفاظ على مستواها المناسب والمعتاد”، مضيفا “ستكون مجموعة من المواد الاستهلاكية محل تتبع ومراقبة، بحيث ستعمل الحكومة على اتخاذ قرارات صارمة كلما وقفت على أي تجاوز كيفما كان نوعه”.
وبحسب أخنوش فقد استجابت الحكومة لنداء مهنيي النقل وخصصت دعما ماديا لهم حفاظا على استقرار أسعار النقل، في مواجهة الارتفاع غير المسبوق لأسعار المحروقات عالميا، حيث ستستفيد من هذا الدعم حوالي 180 ألف عربة، تنتمي لفئات مهنية مختلفة.
ولفت المتحدث إلى أن الحكومة ستتخذ “التدابير الضرورية” للحد من آثار ارتفاع أسعار المواد الأولية على المقاولات الوطنية وخاصة الصغيرة والمتوسطة التي تشتغل في إطار الصفقات العمومية.
وكانت نقابة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” بالمغرب، قد حملت من جانبها، الحكومة كامل المسؤولية عن تدهور الوضع الاجتماعي بسبب عدم تعجيلها بالتدخل لإيقاف حرب ارتفاع الأسعار وتدمير القدرة الشرائية للمواطنين، داعية إلى التعبئة واتخاذ كل المبادرات النضالية الضرورية لمواجهة هذا الوضع.
وتتواصل حملة الانتقادات الشعبية لاداء الحكومة المغربية، وفشلها في مجابهة الأزمة المعيشية الحادة التي يتخبط فيها المجتمع، وتعالت الأصوات المطالبة برحيل أخنوش، بوصفه طرفا في تفاقم هذه الأزمة.
وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع اتخذت الحكومة قرارات وصفت ب “البعيدة عن الواقع وعن تطلعات المواطن المغربي”، دفعت بشريحة عريضة من المواطنين إلى العودة مجددا إلى الشارع للاحتجاج.
وبحسب النقابات المغربية، فإن أسعار عدد من المواد الاستهلاكية بالمغرب “سجلت زيادات حادة في الآونة الأخيرة، ما ينعكس على جيوب المواطنين، خاصة الفئات الهشة منهم، التي تضررت من تداعيات جائحة كورونا”.
وأظهرت بيانات رسمية، خلال يناير/كانون ثاني الماضي، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في المغرب بنسبة 1.4 بالمئة في 2021، بضعف الزيادة المسجلة (0.7 بالمئة) في 2020.
وأرجعت المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء، في بيان، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، المحدد الأساسي للتضخم، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ 0.8 بالمئة، والمواد غير الغذائية ب 1.8 بالمئة.
وأعلنت الحكومة أن الأسعار طرأ عليها ارتفاع في مختلف دول العالم، وليس في المغرب وحده، حيث قال الوزير المنتدب في الميزانية فوزي لقجع، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع الحكومة في 17 فبراير، إن ارتفاع أسعار عدد من مواد الاستهلاك بالبلاد، يعود إلى الارتفاع المطرد الذي شهدته أسعار الحبوب والمنتوجات البترولية في السوق الدولية.
ما يجري جاء عكس التوقعات التي كانت تنتظر تعبئة سياسية، بذات إيقاع الحملة الانتخابية أو ربما أكثر قليلا، فلدى رئيس الحكومة؛ المقرب من ملك البلاد جلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله، ما يكفي وزيادة من الدعم؛ من جهة المخزن (الدولة العميقة)، ومن قبل رجال المال الأعمال، وفي الإعلام والصحافة وهيئات المجتمع المدني، ولديه أصغر ائتلاف حكومي؛ إذ لأول مرة تشكل حكومة مغربية من ثلاث أحزاب فقط؛ قطبيها الرئيسيين (التجمع الوطني للأحرار/ 1978 والأصالة والمعاصرة /2008) من أدوات تدخل المخزن في الحياة السياسية.
ولدى حكومة أخنوش فرصة العمل بأريحية مطلقة، فهذه ربما أول حكومة مغربية تجد نفسها بلا معارضة برلمانية قوية، ولا حتى صحافة مزعجة، بعد الزج بآخر الصحفيين المستقلين في السجن.
أظهر الستة أشهر الأولى من الإنجاز، أن حكومة أخنوش ماضية في تنفيذ ما جاءت به، بالإجهاز على ما بقي من نفس سياسي في المشهد السياسي المغربي، فخلال هذه المدة القصيرة، بالمقارنة مع عمر الحكومة، أقدمت على سحب 7 مشاريع قوانين مهمة، كانت تتحرك؛ وإن بإيقاع بطيء، داخل دواليب المؤسسة التشريعية.
هكذا توقف الحكومة التداول في مشروع قانون متعلق ب “الإثراء غير المشروع”، ثم مشروع قانون يهم “احتلال الملك العمومي”، وقبل ذلك سحبت مشروع قانون حول “التغطية الصحية للوالدين”، وتراجعت كذلك عن مشروع قانون مرتبط ب”المناجم” الذي يسد فراغا تشريعا يعود لزمن الاستعمار… الإمعان في مشاريع القوانين المسحوبة يكشف أن إقرارها يهدد مصالح فئات ترى في حكومة الأعيان فرصة ذهبية للتعويض عما لحقها أضرار أيام حكم الإسلاميين.
كان الأجدر برئيس الحكومة، قبل حرصه الشديد الالتزام بتقليد الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، أن يستوعب جيدا مضمون مقولة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل “إن السياسي الجيد هو ذاك الذي يمتلك القدرة على التنبؤ، والقدرة ذاتها على تبرير لماذا لم تتحقق تنبؤاته”.