تصنيف المغرب كدولة ذات احتمال ضعيف في المساهمة في إزالة وتدهور الغابات وفق اللائحة الأوروبية رقم 2023/1115 (EUDR) لا يمثل مجرد تمييز فني، بل يشكل فرصة استراتيجية لتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية البيئية للمملكة على المستوى الإقليمي والقاري. هذا التقييم، الذي سينفذ ابتداءً من 30 ديسمبر 2025، يمنح المغرب موقعًا متميزًا كمركز إقليمي للامتثال البيئي، ويتيح له توسيع شراكاته مع الدول الإفريقية الأخرى وتعزيز ريادته في مجال الاقتصاد الأخضر.
المغرب واللائحة الأوروبية: التوافق والفرص
تهدف اللائحة الأوروبية EUDR إلى التأكد من أن المنتجات الموردة إلى الاتحاد الأوروبي لا تُسهم في إزالة أو تدهور الغابات. وتشمل هذه المنتجات: الخشب، المطاط، الجلد (البقري)، الكاكاو، القهوة، زيت النخيل، والصويا. ومن المتوقع أن تؤثر اللائحة بشكل خاص على سلاسل الإنتاج المرتبطة بالمغرب، مثل الخشب والمطاط والجلد.
أظهرت دراسة الأثر التي أعدها الاتحاد الأوروبي أن المغرب يُصنف كدولة ذات احتمال ضعيف في المساهمة في إزالة الغابات، وهو تصنيف يعكس التزامه بقوانين غابوية صارمة تتيح تتبع جميع مراحل الإنتاج بدءًا من التخطيط والبرمجة، وصولًا إلى مرحلة التثمين، مع وجود ترسانة قانونية وآليات منهجية فعالة لضبط المخالفات، ومشاركة الساكنة المحلية وفق القوانين الجاري بها العمل.
هذا التصنيف لا يمثل فقط ضمانة لسلامة الصادرات المغربية إلى الاتحاد الأوروبي، بل يتيح أيضًا استثمار هذه المصداقية لتعزيز دبلوماسية المغرب البيئية والاقتصادية، وربطها بتحولات هيكلية مستدامة في الاقتصاد الوطني.
استراتيجية “غابات المغرب 2020-2030”: رؤية مستدامة
أطلقت المملكة المغربية استراتيجية “غابات المغرب 2020-2030” بمبادرة من الملك محمد السادس، بهدف جعل الغابات رافعة للتنمية المستدامة من خلال:
-
تعزيز الإنتاجية الغابوية
-
تشجيع الاستثمار الخاص
-
صون التنوع البيولوجي
-
تحسين تدبير الموارد ومكافحة الحرائق
وقد أعد المخطط المديري للاستثمار الغابوي بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، لتحديد أولويات الاستثمار في سلاسل الإنتاج الرئيسية مثل الخشب، النباتات الطبية والعطرية، والمواد الصمغية. ويضم المخطط معايير اقتصادية، بيئية واجتماعية لضمان استدامة الغابات وحماية خصوصياتها.
كما تتيح الاستراتيجية تهيئة بيئة قانونية للاستثمار الخاص، بما يعزز الشراكة بين الدولة والفاعلين الاقتصاديين في القطاع الغابوي، وهو ما ينسجم مع متطلبات اللائحة الأوروبية EUDR.
الشراكة الخضراء بين المغرب والاتحاد الأوروبي
في أكتوبر 2022، أطلق المغرب والاتحاد الأوروبي شراكة خضراء تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والمناخ وحماية البيئة والاقتصاد الأخضر، وتشمل:
-
دعم التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون ومرن مناخيًا
-
تعزيز المشاريع المبتكرة والصديقة للبيئة والمُوَلِّدة للوظائف
-
تبادل الخبرات والتقنيات في مجالات البيئة والغابات
تعتبر هذه الشراكة قناة استراتيجية لتعزيز مكانة المغرب كقائد إقليمي في الاقتصاد الأخضر، مع إبراز دوره كحلقة وصل بين أوروبا والدول الإفريقية في مجال حماية الموارد الطبيعية.
التحديات والفرص المستقبلية
التحديات:
-
الامتثال للائحة EUDR: يتطلب من الشركات المغربية تحسين نظم التتبع والامتثال للمعايير الأوروبية، وضمان الشفافية في جميع مراحل الإنتاج.
-
الاستثمار في التكنولوجيا: تطوير تقنيات حديثة لتعزيز الإنتاجية والاستدامة في إدارة الغابات.
-
التعاون الإقليمي: تعزيز التنسيق مع الدول الإفريقية الأخرى لنقل الخبرات ومشاركة أفضل الممارسات.
الفرص:
-
الريادة الإقليمية والدولية: استثمار التصنيف الأوروبي كرافعة لتعزيز دور المغرب في الاقتصاد الأخضر على الصعيد الدولي.
-
تعزيز الاستثمارات الخاصة: استقطاب مستثمرين مهتمين بالقطاع البيئي المستدام.
-
ابتكار مشاريع مستدامة: تطوير سلسلة قيمة متكاملة للمنتجات الغابوية، تضمن الاستدامة البيئية والجدوى الاقتصادية.
أسئلة تحليلية واستراتيجية
-
كيف يمكن للمغرب تعزيز شراكاته مع الدول الإفريقية في مجال تدبير الغابات، مع الحفاظ على خصوصياته البيئية والقانونية؟
-
ما هي السياسات التي ينبغي اعتمادها لتشجيع الاستثمار الخاص المستدام في القطاع الغابوي؟
-
كيف يمكن تحسين نظم التتبع والامتثال للائحة EUDR على مستوى الشركات المغربية؟
-
ما هي التدابير التي يجب اتخاذها لمواجهة التحديات البيئية والمناخية أثناء تنفيذ استراتيجية “غابات المغرب 2020-2030″؟
-
كيف يمكن ترجمة الشراكة الخضراء مع الاتحاد الأوروبي إلى مشاريع ملموسة تعزز الاقتصاد الأخضر الوطني؟