ذاكرة الاستقلال بين السرد الرسمي وقراءات معارضة: ريضا عدام يفتح الجدل من جديد

0
112

نشر ريضا عدام مقالاً رأى فيه أن لحظة الاستقلال في المغرب لم تكن مجرد انتقال سياسي من الحماية الفرنسية إلى السيادة الوطنية، بل كانت أيضاً لحظة تداخل بين التطلعات الشعبية، وتوازنات القصر، وحسابات القوى الحزبية.

وهو بذلك يقدم رواية تضع الحركة الوطنية في موقع مركزي، لكنها لا تُغفل دور المؤسسة الملكية في ضبط مسار الانتقال.

تحليل الفقرة الأولى: لحظة الاستقلال بين الرمزية والواقع

يشير عدام إلى أن الاستقلال لم يكن محطة نهائية، بل بداية تشكل دولة جديدة بتوازنات معقدة. هذه الفكرة تستحق الوقوف عندها، لأنها تعكس جدلاً دائماً بين من يعتبر أن الاستقلال السياسي اكتمل في 1956، وبين من يرى أنه مجرد مرحلة في سيرورة طويلة من بناء الدولة الوطنية. هنا يلتقي عدام مع أطروحات مؤرخين مثل عبد الله العروي، الذي شدد على أن الدولة المغربية الحديثة ولدت في مفترق بين التقليد والحداثة.

تحليل الفقرة الثانية: دور الأحزاب والحركة الوطنية

يبرز الكاتب أدوار الحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار وصياغة المطالب الشعبية. لكن السؤال الذي يطرحه هذا الطرح: هل كانت الأحزاب بالفعل تعبيراً عن القاعدة الشعبية الواسعة، أم أن النخبة السياسية آنذاك أعادت إنتاج أشكال جديدة من السلطة بعد خروج المستعمر؟ المقارنة مع كتابات محمد ضريف مثلاً تكشف أن الأحزاب نفسها دخلت سريعاً في تنافس على الشرعية، ما أدى إلى توترات مع المؤسسة الملكية.

تحليل الفقرة الثالثة: القصر وموقعه في المرحلة الانتقالية

يؤكد عدام على أن القصر لم يكن مجرد متفرج، بل فاعلاً مركزياً في ضبط موازين القوى بعد الاستقلال. هذا الطرح يفتح سؤالاً نقدياً: هل كان ذلك ضرورياً لحماية وحدة الدولة الفتية، أم أنه مثّل بداية لاحتكار السلطة وتهميش الأحزاب التاريخية؟ التداعيات السياسية لهذا السؤال لا تزال مستمرة، إذ إن علاقة القصر بالأحزاب بقيت موضوعاً مركزياً في النقاش العمومي المغربي.

امتداد النقاش: المقال في سياق أوسع

هنا يتضح أن مقال ريضا عدام ليس مجرد قراءة للتاريخ السياسي المغربي بعد الاستقلال، بل هو تدخل في سجال أوسع يشارك فيه مؤرخون ومفكرون كبار مثل عبد الله العروي ومحمد ضريف، ممن ربطوا بدورهم بين لحظة الاستقلال والتحولات العميقة في بنية الدولة والحياة الحزبية. بهذا المعنى، ما كتبه عدام لا يقف منفرداً، وإنما يدخل في حوار مع الذاكرة التاريخية والسياسية للمغرب.

لكن السؤال الأهم يظل: لماذا الآن؟ نشر المقال في هذا التوقيت لا يخلو من دلالات، إذ يطرح نفسه في سياق سياسي واجتماعي يحتاج إلى إعادة ترتيب العلاقة بين الذاكرة الوطنية والواقع الراهن. هل الهدف هو تنشيط النقاش العمومي حول دور الأحزاب التاريخية؟ أم إعادة مساءلة السرديات الرسمية التي هيمنت طويلاً على المخيال الجماعي؟

خاتمة تحليلية: مسؤولية الصحافة والذاكرة

هنا تبرز مسؤولية الصحافة: إعادة قراءة التاريخ ليست ترفاً فكرياً، بل واجباً مهنياً وأخلاقياً، شرط أن تُبنى على التوثيق الصارم والدقة العلمية. فالمخاطرة في التعامل السطحي مع الذاكرة الجماعية قد تحولها إلى مجرد وقود للتجاذب السياسي، بينما المطلوب أن تكون مجالاً للفهم والمصالحة والتأسيس للمستقبل.