“رؤية حكيمة ومستقبل الأسرة المغربية: توجيهات جلالة الملك في مراجعة مدونة الأسرة”

0
79

في خطوة تعكس رؤية حكيمة ورغبة جادة في تعزيز استقرار وتطور المجتمع المغربي، أصدر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، بيانًا هامًا يوجه فيه توجيهاته السامية إلى المجلس العلمي الأعلى بخصوص مراجعة مدونة الأسرة. تأتي هذه الخطوة في سياق اهتمام دائم بتطوير الأنظمة القانونية لتتناسب مع تطلعات واحتياجات المجتمع وتعاليم الشريعة الإسلامية، مع التأكيد على أسس الاعتدال والتسامح كقيم أساسية. هذا الإطار يبرز رؤية ملكية متبصرة تسعى إلى مواكبة التحديات المعاصرة وتقديم حلول شاملة تحقق العدالة والمساواة داخل الأسرة المغربية، مع الحفاظ على القيم التقليدية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والأسري.

وأفاد بيان للديوان الملكي أن الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة انتهت من مهامها خلال المدة المحدد لها، ورفعت مقترحاتها إلى النظر من قبل الملك محمد السادس، باعتبار أن بعض المقترحات تتعلق بنصوص دينية، ليتم إحالتها إلى المجلس العلمي الأعلى، وهو الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تُعتمد رسميا بموجب الفصل 41 من الدستور المغربي.

وتبرز الإحالة الملكية الجمعة، أهمية فتح باب الاجتهاد في القضايا المستجدة المرتبطة بأحوال الأسرة المغربية، وفق مقاصد الشريعة، وفضائل الاعتدال والاجتهاد، عن طريق الفهم المتجدد لضوابطها ومقاصدها، بشكل يقدم حلولا راهنة لإشكالات معاصرة، تراعي الواقع والتوقع، وتبحث في أسبابه ونوازله.

كما دعا الملك المجلس العلمي الأعلى، للأخذ بالاعتبار مضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، الداعية إلى اعتماد فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء، مع الحرص على تأكيدات العاهل المغربي بعدم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال.”

وتؤكد الرسالة الملكية على ضرورة إعادة النظر في هذه المدونة التي مكنت من إفراز دينامية تغيير إيجابي، من خلال رؤيتها للمساواة والتوازن الأسري وما أتاحته من تقدم اجتماعي، وذلك بهدف تجاوز بعض العيوب والاختلالات، التي ظهرت عند تطبيقها القضائي.

وتشدد على ضرورة مواءمة مقتضيات مدونة الأسرة مع “تطور المجتمع المغربي ومتطلبات التنمية المستدامة، وتأمين انسجامها مع التقدم الحاصل في التشريع الوطني”.

ويحرص الملك محمد السادس باعتباره رئيسا للمجلس العلمي الأعلى على توسيع المسار التشاوري بخصوص مراجعة أحكام مدونة الأسرة، بما يستجيب لانتظارات المغاربة، كما تكرس هذه الإحالة احترامه لعمل المؤسسات الدستورية الوطنية عبر إشراك مؤسسة المجلس في النظر في بعض المقترحات التي لها ارتباط بنصوص دينية تتعلق بقضايا الأسرة.

ويهدف تكليف المجلس بهذه المهمة أساسا إلى إشراك العلماء، من خلال إطارهم المؤسساتي، في التفكير الجماعي التشاركي لمراجعة مدونة الأسرة، فيما يتعلق باختصاصهم. فمدونة الأسرة، وإن أدرجها الدستور ضمن مجال التشريع، فإن لها خصوصية مقارنة بالقوانين الأخرى، لكون عدد من بنودها مستمدة من المرجعية الدينية. كما أن هذا التكليف يحيل على الدور المحوري للعلماء في تحصين الأمن الديني للمغاربة بما يكفل احترام التعاليم الدينية مع مواكبة التطورات المجتمعية.

وتعتبر هذه الإحالة من صميم الصلاحيات الدينية للعاهل المغربي، باعتباره أميرا للمؤمنين، وهي موجهة حصريا للمؤسسة التي أوكلها الدستور صلاحية إصدار الفتوى. وقد سبق للمجلس العلمي الأعلى أن اضطلع بمهام وتكليفات مماثلة، مثل فتوى خطة العدالة بالنسبة للنساء، وفتوى إغلاق المساجد مؤقتا بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19، وفتوى استعمال القنب الهندي لأغراض طبية وعلاجية وصناعية…وغيرها.

وحدد بيان الديوان الملكي أهداف هذه الإحالة في البحث عن التأسيس البناء للمسائل المرتبطة ببعض المقترحات ذات المرجعية الدينية، عبر سلك باب الاجتهاد لتوفير حلول مبتكرة قادرة على كفالة استقرار مؤسسة الأسرة وضمان ديمومتها كخلية أساسية للمجتمع، كما حدد أيضا ضوابط هذه الإحالة بالتشديد فيها على “أنه لن يحلل حراما ولن يحرم حلالا”.

ومن شأن استشارة المجلس العلمي الأعلى في المقتضيات الدينية المرتبطة بمدونة الأسرة، أن تعزز المقترحات التي رفعتها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة إلى الملك، وتدعم كذلك باب الاجتهاد لاستنباط مصلحة الأسرة من تعاليم الدين الإسلامي ووسطية أحكامه واعتدال منهجه.

ويساهم إصدار هذه الفتوى من الجهة الرسمية المكلفة بالإفتاء التي تضم خيرة العلماء المغاربة، في وضع حد للتأويلات الدينية الفردية التي لا تراعي الواقع الاجتماعي ومتطلبات العصر، ولا تستحضر التفسير المقاصدي للنصوص الدينية، وتعليل الأحكام وتغيرها بتغير المكان والأزمنة والأحوال.

كما تساير هذه الإحالة القوة الاقتراحية والمطالب الاجتماعية المعبر عنها، وفق توفيقيات تجديدية، تستحضر مصلحة الأسرة، واستقرار العلاقات الزوجية، وديمومة السكينة والمحبة بين جميع مكوناتها.

وأكد محمد عبدالنباوي، منسق الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الأربعاء الماضي، أن الهيئة مستمرة في دراسة مختلف التصورات المقدمة، معربا عن أمله في الخروج بـ”مقترحات تكون عند حسن ظن الملك محمد السادس وفي مستوى تطلعات المغاربة “.

وأبرز في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، خلال انعقاد اجتماع للهيئة بمقر المجلس العلمي الأعلى، أن هذه التصورات “تعكس تنوع المغاربة وتعدد مشاربهم وطموحهم ورؤيتهم للأسرة المغربية في المستقبل”، موضحا أن “هذه الأسرة يجب أن تكون متماسكة ومنسجمة ومتضامنة ومتلاحمة تراعي مصالح جميع أطرافها، الزوجات والأزواج والأطفال والأصول والفروع، وتساير التطور الحضاري الذي يعرفه البلد مع الحفاظ على الثوابت الأساسية التي تشكل لحمة الانسجام بين المغاربة”.

وتابع أن “هذه المهمة ليست سهلة، لكنها مؤطرة بالمرجعيات التي تضمنتها الرسالة الملكية السامية والتي دعت إلى عدم تحليل حرام ولا تحريم حلال مع إعمال الاجتهاد البناء والمنفتح الذي يراعي مقاصد الشريعة الإسلامية في العدل والإنصاف والمساواة والتضامن وتماسك الأسرة، ويأخذ أيضا في الاعتبار المبادئ الحقوقية المستمدة من الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية، وكذا قوانينها ودستورها الذي يتضمن الحقوق والواجبات المخولة والمفروضة على الأطراف، بما فيهم الأسرة”.

وأشار منسق الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة إلى أن هذه المراجعة تأتي في إطار الرسالة الملكية التي حددت مهمة الهيئة في معالجة الاختلالات التي عرفها تطبيق مدونة الأسرة خلال الـ 20 سنة الماضية، ومراجعة مقتضياتها التي لم تعد تلائم تطور القانون والمجتمع المغربيين.

وأكد أن مراجعة المدونة تندرج في سياق نهضة تنموية شاملة تشهدها المملكة بقيادة الملك، وتعكس بعدا حضاريا يعبر عن الخصوصية المغربية، في ظل التقدم والتطور اللذان يشهدهما المغرب. كما تتم هذه المراجعة، في إطار ثقافة الإنصات والحوار والنقاش المجتمعي الهادئ، انسجاما مع قيم المجتمع وتطور الدولة المغربية عبر العصور.

وفي معرض حديثه عن المرحلة السابقة من عمل الهيئة، قال إنها استمعت إلى عدة فعاليات مجتمعية مختلفة، لافتا إلى أن جلسات الاستماع مرت في هدوء واحترام بين مختلف أطراف المجتمع التي عبرت عن آرائها بكل حرية ومسؤولية، وهو ما يعكس أيضا بعدا وحسا حضاريا كبيرا لدى المغاربة، يراعي ثقافة الاختلاف والحوار وتبادل الرأي.

وأوضح أن الاقتراحات التي قدمتها الجهات التي استمعت إليها الهيئة مختلفة ومتنوعة وهمت مختلف أبواب مدونة الأسرة، مبرزا أن كل جهة قدمت مقترحاتها انطلاقا من قناعاتها وتصوراتها لمستقبل الأسرة المغربية.

فيما تعتبر منظمة_النساء_الاتحاديات في تدوينة على صفحتها في /فايسبوك/ أن تكليف #المجلس_العلمي_الأعلى بالإفتاء حصرا وفقط فيما يتعلق بالبنود التي لها تماس مباشر وواضح وحصري مع الأحكام الشرعية يمثل ضمانة واستباقا لأي تشويش قد يستهدف المدونة حين المصادقة على تعديلات حول المتعلقة ب #مدونة_الأسرة

التعديلات والمطالب المستمرة:

  • مراجعة سن الزواج: رغم تحديد سن الزواج بـ 18 عامًا، إلا أن هناك استثناءات تسمح بزواج القاصرين بموافقة القضاء، مما يدعو البعض للمطالبة بإلغاء هذه الاستثناءات تمامًا.

  • المساواة في الإرث: هناك نقاشات مستمرة حول المساواة في الإرث بين الجنسين، حيث أن القانون الحالي يعتمد على الشريعة الإسلامية التي تفضل الذكور في بعض الحالات.

  • تعزيز حقوق المرأة: على الرغم من التقدم المحرز، هناك مطالب مستمرة لتعزيز حقوق المرأة بشكل أكبر، بما في ذلك تحسين القوانين المتعلقة بالعنف الأسري والتمييز في العمل.

النقاش الاجتماعي والثقافي:

  • التوازن بين التقاليد والحداثة: التعديلات على مدونة الأسرة تثير جدلاً كبيرًا بين الفئات المختلفة في المجتمع المغربي، بين من يرغب في تحديث القوانين بما يتماشى مع حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، ومن يتمسك بالتقاليد والقيم الدينية.

  • دور المجتمع المدني: المنظمات النسائية والجمعيات الحقوقية تلعب دورًا كبيرًا في الدعوة إلى إصلاحات مستمرة في مدونة الأسرة.

التوجه المستقبلي:

  • الإصلاحات المستمرة: يبدو أن المغرب يسير نحو مزيد من الإصلاحات في مدونة الأسرة، مع التركيز على تحسين حقوق المرأة والأطفال.

  • التوافق المجتمعي: أي إصلاحات مستقبلية ستحتاج إلى توازن دقيق بين احترام التقاليد الدينية والثقافية وتحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين.

باختصار، تعديلات مدونة الأسرة في المغرب هي عملية مستمرة تعكس التغيرات الاجتماعية والثقافية والدينية في المجتمع المغربي، وتؤكد على أهمية التوازن بين التحديث والحفاظ على التقاليد.