شهد المغرب تراجعاً “غير مسبوق” في حرية الرأي والتعبير عام 2021، مسجلاً 170 حالة لملاحقة واعتقال صحافيين ومدونين “بسبب آرائهم”.
الرباط – أكدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، الأربعاء، أن المغرب شهد تراجعاً “غير مسبوق” في حرية الرأي والتعبير عام 2022، معتبرةً أن التقرير السنوي للأوضاع الحقوقية خلال 2022 طبعته أربعة عناصر، أولها الآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا التي ولّدت إشكاليات مرتبطة بالولوج للصحة والتعليم والشغل والحماية الاجتماعية، كقضايا لها أولوية لدى المواطن.
قالت آمنة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء، إن التقرير السنوي للأوضاع الحقوقية خلال 2022 طبعته أربعة عناصر، أولها الآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا التي ولّدت إشكاليات مرتبطة بالولوج للصحة والتعليم والشغل والحماية الاجتماعية، كقضايا لها أولوية لدى المواطن.
وأضافت بوعياش خلال تقديم التقرير السنوي أن ثاني العناصر التي طبعت التقرير؛ هو تأثير الحرب في أوكرانيا وقضايا أخرى خارجية على معاش المواطن، خاصة فيما يتعلق بارتفاع الأسعار والبطالة، وهي الانعكاسات السلبية التي لا تزال مستمرة منذ العام الماضي.
كما أن التقرير الحقوقي، حسب بوعياش، خيم عليه تسارع المتغيرات المناخية، وأساسا الإجهاد المائي، فضلا عن تحديات استعمال التكنولوجيا وممارسة الحريات.
وفي هذه النقطة الأخيرة، سجلت بوعياش امتداد الحريات العامة، حيث شهدت 2022 حوالي 12 ألف تظاهرة ومسيرة، وهو اتساع كبير في التعبيرات العمومية للفاعلين والمواطنين.
وسجلت بوعياش استمرار متابعة أشخاص وفئات بعقوبات سالبة للحرية بسبب النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة على ضرورة اعتماد قانون حرية تداول المعلومات في حق هؤلاء.
وأشارت إلى أن المجلس قدم هذه التوصية للحكومة لأن هذا القانون مدخل لمعالجة العديد من الإشكاليات التي تطرحها الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير بالفضاء الرقمي، مبرزة أن تداول المعلومة من طرف الفاعلين في الفضاء الرقمي يكون له دوره في المشاركة الديمقراطية وفي الشان العام والإخبار والتعبير.
وأكدت أن المجال الرقمي عرف تحسنا كبيرا من حيث الولوج للانترنيت واستخدام المواقع للتعبير عن الرأي الشخصي وفي مواضيع محددة ومواضيع تثير بعض الإشكالات، كما أن الشبكات تتعبأ في قضايا مثل الاغتصاب وزواح القاصرات والعنف ضد النساء.
ورغم أن عدد الجمعيات توسع في 2022، إلا أن المجلس سجل وجود إشكالات في بعض المناطق، مرتبطة بالإشكال الإداري وبعض الممارسات من بعض الموظفين التي تشكل عراقيل في طريق تأسيس الجمعيات وتجديد الهياكل واستعمال القاعات العمومية والاستفادة من دعم المالي.
وأضافت رئيسة المجلس أنه ورغم هذه التحديات الا أن الجمعيات تعتمد التصريح وليس الترخيص، وهو ما جعل مجال الجمعيات يتسع بهذا الحجم، لافتة إلى أن هذه الإشكالات الادارية تم طرحها مع السلطات العمومية المعنية.
كما سجلت بوعياش بأسف استمرار إصدار عقوبات بالإعدام، التي يعتبرها المجلس مسا بجوهر الحق في الحياة، ولا تساير الفصل 20 من الدستور، حيث يوجد82 محكوما بالإعدام، رغم أن هناك عفو ملكي على 213 محكوما ما بين 2020 و2022.
كما توقف المجلس على وجود تحقيقات وأحكام بخصوص مسؤولين على وفيات في مراكز الحرمان من الحرية وإحالة متورطين في المعاملة القاسية والمهينة على القضاء.
وقد قام المجلس بالتحقيق في حالات أحيل بعضها على النيابة العامة وكانت متابعة بخصوصها، وحالات تمت الإجراءات الاغدارية من طرف المسؤولين على المراكز.
وأبرزت بوعياش أن هناك العديد من الطلبات من أجل التمتع بحقوق أخرى في هذه المراكز خاصة السجون ما يتطلب العمل على إيجاد حلول، خاصة لمشكل الاكتظاظ الذي ينعكس على حقوق أخرى.
وأفادت بوعياش أن المجلس تلقى خلال السنة المنصرمة عددا متزايدا من الشكايات والطلبات للتشكي من طرف المواطنين، وبلغت الشكايات التب تمت معالجتها 3285 شكاية.
وفي علاقة المواطن بنظام العدالة، أكدت بوعياش تزايد شكايات المواطنين بخصوص مسطرة العدالة او عدم تنفيذ الأحكام القضائية وغيرها، وهذا اللجوء المتزايد للمجلس حول موضوع العدالة، يثير المطالبة بالاستعجالية لمتابعة الإصلاح من أجل قضاء عادل ونزيه وفعال.
وخلصت المتحدثة إلى إبراز وجود تفاعل إيجابي لمكونات النظام الوطني لحقوق الإنسان في تعاطيه مع الحالات التي التي يتم تقديمها من طرف المجلس أو التي تثار من طرف الصحافة والرأي العام. لكن هذا النظام تعتريه اختلالات تدبيرية لعدد من الحالات، مثل معظلة الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية مما يعيق التمتع بالحقوق ويفسر تزايد شكايات المعتقلين.
وشددت بوعياش على ضرورة تدبير النظام الوطني لهذا الاكتظاظ ليكون التمتع بالحقوق التي فيها مجهودات لكن ليس لها أثر واقعي على هؤلاء، كما عليه أن يجتهد في تدبيره للاختلالات في التدبير الاداري لتأسيس وتجديد الجمعيات.
وعبرت بوعياش عن أملها في أن تكون القوانين المعروضة بالبرلمان من قبيل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، قوانين الحقوق والحريات والمساواة وعدم التمييز، وتجيب على التحولات الثقافية وتتجاوز الفجوة بين تدبير الحقوق والحريات وما يعيشه المجتمع.
خلال الأعوام الأخيرة، شهد المغرب اعتقال صحافيين ونشطاء على خلفية تهم جنائية يتعلق معظمها “باعتداءات جنسية”. وبرزت أولى تلك القضايا في العام 2018 عندما اعتُقل ناشر صحيفة “أخبار اليوم” توفيق بوعشرين وصدر عليه حكم بالسجن 15 عاما بعد إدانته بتهمة ارتكاب اعتداءات جنسية في حق ثماني ضحايا.
بعد عامين، اعتقل الصحافيان سليمان الريسوني وعمر الراضي، ودينا بالسجن خمسة وستة أعوام تواليا في قضيتي اعتداء جنسي أيضا، مع إضافة تهمة تجسس للثاني.
واعتقل المحامي المعارض محمد زيان نهاية العام الماضي تنفيذا لحكم بسجنه ثلاثة أعوام في قضية رفعتها ضده وزارة الداخلية، ولوحق فيها بعدة تهم بينها “الخيانة الزوجية” و”التحرش الجنسي”.
كما يحاكم منذ تشرين الأول/أكتوبر الناشط في جماعة العدل والإحسان الإسلامية المعارضة محمد باعسو بعدما اعتُقل بتهمتي “الاتجار بالبشر” و”الخيانة الزوجية”.
تعتبر الهيئة الوطنية لمساندة معتقلي الرأي التي تضم حقوقيين مغاربة أن جميع هؤلاء “معتقلون سياسيون” مطالبة بالإفراج عنهم وضمان خضوعهم لمحاكمات عادلة، وهو ما تؤيده منظمات حقوقية دولية. في المقابل، تشدد السلطات على أن الأمر يتعلق بقضايا جنائية لا علاقة لها بحرية التعبير.
وتطالب التوصية السلطات “باحترام حرية التعبير وحرية الإعلام” و”ضمان محاكمات عادلة للصحفيين المعتقلين”.
ورأت الهيئة الوطنية لمساندة معتقلي الرأي في التوصية “انهيارا للمخطط القمعي بتلفيق التهم الجنسية”، داعية إلى الرد عليها “بشيء من الحكمة والتعقل (…) وجعلها فرصة لتغيير هذا الوضع”.
من جانبها، اعتبرت المحامية عائشة كلاع من جمعية الدفاع عن حقوق الضحايا أن “البرلمان الأوروبي اختار الانحياز لطرف دون آخر في موقف غير مسؤول”، وأضافت “إذا افترضنا أن هذه القضايا مفبركة فهل تمت فبركة الضحايا أيضا؟ هل نلغيهم؟”.
يشير المسؤول في منظمة هيومن رايتس ووتش إريك غولدستين إلى أن نشطاء حقوقيين يضعون هذه القضايا في سياق عام “لتراجع واضح في وضعية حقوق الإنسان”، مضيفا “البرلمان الأوروبي يعي أن الصحافة المستقلة تكاد تكون اختفت في المغرب، مقابل ازدهار صحافة التشهير”.
ولفت غولدستين الذي كان يتحدث عبر الفيديو في مؤتمر صحافي للمنظمة بالعاصمة المغربية الرباط يناير الماضي إلى إغلاق مجلات وصحف مستقلة اشتهرت بخطها المعارض قبل سنوات، كان آخرها صحيفة “أخبار اليوم” العام 2021.
وتطالب الهيئة الوطنية لمساندة معتقلي الرأي أيضا بالإفراج عن ثمانية نشطاء من “حراك الريف”، وهي حركة اجتماعية هزت مدينة الحسيمة ونواحيها شمال البلاد، لا يزالون معتقلين منذ 2017.
كما تدعو لإطلاق سراح الناشط الحقوقي رضا بنعثمان الذي حُكم عليه في تشرين الثاني/نوفمبر بالسجن ثلاثة أعوام بسبب منشورات على فيس بوك، والناشطة سعيدة العلمي التي صدر حكم مماثل بحقها في نيسان/أبريل للسبب ذاته.
لم تصدر الحكومة المغربية أي رد على التوصية الأوروبية، إلا أنها لقيت إدانة قوية من البرلمان الذي اعتبر أنها استندت إلى “تَسْييس قضايا (…) غير مرتبطة بتاتا بأي نشاط صحفي”.
رغم إجماع أعضاء غرفتيه على التنديد “بتدخل أجنبي” و”ابتزاز”، إلا أن بعض الأصوات من المعارضة اليسارية داخل البرلمان دعت إلى “الطيّ المترفع وبالأسلوب المناسب لبعض الملفات التي يستغلّها الخصوم في التهجّم السخيف على بلادنا”، كما قال النائب عن حزب التقدم والاشتراكية رشيد حموني.
وحتى قبل اندلاع هذا الجدل، سبق أن دعت أحزاب مغربية عام 2021 تزامنا مع محاكمتي الراضي والريسوني إلى تحقيق “انفراج حقوقي”. وكان من بينها حزب العدالة والتنمية الذي ترأس حينئذ الحكومة الائتلافية.
وهي دعوة تبناها أيضا حزب الأصالة المشارك في الحكومة حاليا، لكن من دون أن تعقبها خطوات عملية حتى الآن.