رئيس الحكومة المغربية : بلادنا تواجه خطر التراجع الديمقراطي بسبب القاسم الانتخابي”

0
275

فبعد أن تمكن الحزب “العدالة والتنمية” من الفوز بالانتخابات البرلمانية منذ 2011 وقيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، ومع ورود احتمال أن يظفر بفوز ثالث في الانتخابات المقبلة، ليس لأهمية حصيلة تدبيره للشأن، ولكن للوهن الشديد الذي تتخبط فيه أحزاب المعارضة، فإن  الإجراء القانوني المسمى بالقاسم الانتخابي الذي سيتم تطبيقه في المغرب سيجعل حزب العدالة والتنمية يتوصل لأن يأخذ بناءً على هيمنته الانتخابية في أن يتطابق مع المرحلة الراهنة من تاريخ البلاد، وهو ما سينذر فيما يلي ببوادر تغيير معالم النظام الحزبي التعددي إلى نظام الحزب المسيطر. فهو إجراء قانوني بحت تم تسييسه للوقوف في وجه حزب العدالة والتنمية.

الرباط – دعا رئيس الحكومة، الدكتور سعد الدين العثماني، المعارضة إلى عدم تغليط المواطنين بادعاء أن تعديل القاسم الانتخابي وجعله على أساس المسجلين يروم حماية بلادنا من خطر الحزب الواحد، مشددا على أن الخطر الذي تواجهه بلادنا ليس هو الحزب الواحد بل خطر التراجع الديمقراطي الناتج عن هذا التعديل.

جاء ذلك في كلمة رئيس الحكومة ، سعد الدين العثماني، خلال الجلسة المخصصة لمناقشة عرض رئيس الحكومة الخاص بحصيلة الحكومة، مساء الإثنين، حيث أكد عدم تخوفه من “المنافسة الانتخابات على أسس سليمة وشفافة”، مردفا: “سنخوض الانتخابات مسلحين بالثقة في بلدنا وفي جلالة الملك وفي شعبنا”.

وأضاف العثماني، مخاطبا المساندين لتعديل القوانين الانتخابية: “لو كانت حصيلة الحكومة وحصيلة الحزب الذي يقودها ضعيفة لما اتفقتم على قاسم انتخابي عجيب وأصبح لقيطا اليوم”.

فهذا القاسم الانتخابي يحفظ المصلحة المشتركة للأحزاب الكبيرة المنافسة لحزب العدالة والتنمية والأحزاب الصغيرة بما يُضعف الحزب المستقوي انتخابيًّا ويعزل خيارات تحالفاته الحكومية. حيث إنه تحت الزعم بالحرص على توسيع تمثيلية الأحزاب، يدعم هذا القاسم الانتخابي الأحزاب الصغيرة للظفر بمقعد في الدوائر الكبيرة متعددة المقاعد، في مقابل استبعادها من التنافس على الدوائر الصغيرة أي ذات مقعد أحادي وذلك لصالح الأحزاب الكبيرة. ذلك أن “اختيار النظام الانتخابي يتبع ما يمكن أن يسمى ‘قاعدة الميكرو-ميغا’، والتي بموجبها يفضل الأكبر الأصغر والصغير الأكبر: حيث تميل بعض الأحزاب الكبيرة إلى تفضيل حجم الدوائر الصغيرة والقواعد القائمة على حصص صغيرة من الأصوات لتخصيص المقاعد، بينما تميل العديد من الأحزاب الصغيرة إلى تفضيل التجمعات الكبيرة، وحجم الدوائر الكبيرة، والحصص الكبيرة “.

ولأنه لم تعد الاستراتيجيات الهابطة في سلم التلاعب الانتخابي قابلة للتطبيق، أضحى لزامًا إيجاد طرق جديدة للحد من عدم اليقين بشأن انتخابات شفافة، ولا تُفقدها في نفس الآن السيطرة على نتيجة الفائز في الانتخابات واختيار قيادة الحكومة. وفي هذا السياق، صار الهاجس يتمحور حول كيفية “احترام شفافية العملية الانتخابية مع الحد من عدم اليقين في نتائجها للحكم مع أحزاب ورئيس حكومة يمكن الوثوق به. بمعنى آخر، كيف يمكن منع فوز إسلاميين كحزب العدالة والتنمية في الانتخابات مع احترام نص الدستور؟”، ولعل هذا ما قاد في نهاية المطاف إلى الاستثمار في الرياضيات الانتخابية، بابتداع فكرة تضخيم القاسم الانتخابي الذي على أساسه تُوزَّع المقاعد البرلمانية، والذي صار يتم احتسابه بناء على عدد الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية بدل عدد المصوِّتين منهم فعلًا، وذلك للوصول إلى الخصم من رصيد المقاعد التي اعتاد حزب العدالة والتنمية تحصيلها خاصة في الدوائر متعددة المقاعد، وقد تولى التحالف المناهض له من أحزاب المعارضة وحتى من الأحزاب المتحالفة معه في الحكومة اشتراع هذا الإجراء بالوكالة لفائدة الطرف العميق في اللعبة الانتخابية.

إن العلاقة بين مصلحة معينة وخيار نظام انتخابي واضحة إلى حدٍّ ما بالنسبة للطرفين، فكلاهما يعطي الأولوية للترجمة العادلة لأصوات الناخبين إلى مقاعد في البرلمان. والمثير في القاسم الانتخابي المستجد أنه جاء كإجراء ليس لينظم عملية انتقال السلطة بين الأحزاب في ضوء نتائج الانتخابات، وإنما للإبعاد عن السلطة لضمان التداول على السلطة.

ولهذا، فهو من منظور حزب العدالة والتنمية يقوم على الانحياز الحزبي ضده، على اعتبار أنه يغيِّب العدالة في المنافسة والحرية في الانتخاب ونزاهة النتائج، لكن في المقابل تقدمه الكتلة الحزبية المضادة كقاعدة لتوسيع التمثيلية سيما لفائدة الأحزاب الصغيرة، لكن لفلترة الأغلبية المرشحة لقيادة الحكومة. فحتى مع فوز حزب العدالة والتنمية من جديد في الانتخابات المقبلة سيقود النظام الانتخابي على أساس القاسم الجديد بشكل منهجي إلى حكومة ائتلافية تقلِّل من نفوذ الحزب الإسلامي بعد تقليص عدد المقاعد التي يمكن أن يحظى بها.

وفي موضوع آخر، قال رئيس الحكومة، إن الادعاء بتفكك الحكومة وعدم انسجامها، هو محض أوهام، معتبرا أن الادعاء لو كان صحيحا لما نجحت الحكومة في تحقيق إصلاحات غير مسبوقة، آتت أكلها في أرض الواقع، بالأرقام وبالدلائل.

وشدد العثماني، على أن الاختلاف بين مكونات الحكومة هو أمر عادي، وأن تقع بعض المناوشات والاختلافات بين الأحزاب المشكلة للحكومة فهذا أمر عادي أيضا، لكن، يستدرك رئيس الحكومة، أنفي أن يؤثر هذا الاختلاف على الإنجاز والعمل، وما يؤكد ذلك هذه الحصيلة التي حققتها الحكومة.

وخلص العثماني، إلى أن كافة أعضاء الحكومة ساهموا في إعداد حصيلة الحكومة، وأنها حصيلة تنطلق من البرنامج الحكومي ومن الالتزامات الواردة فيه، والتي أصبحت اليوم متاحة بصيغة رقمية لفائدة العموم، فضلا عن إصدار نسختها الورقية.

وتنص المادة 84 من مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب بعد التعديل، على توزيع المقاعد على اللوائح بواسطة “قاسم انتخابي” يُستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين في الدائرة الانتخابية على عدد المقاعد المخصصة لها، وتوزع المقاعد حسب قاعدة أكبر البقايا، وذلك بتخصيصها للوائح التي تتوفر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور. 

في حين أن القانون الأول ينص على توزيع المقاعد على اللوائح بواسطة “قاسم انتخابي” يُستخرج عن طريق قسمة عدد الأصوات الصحيحة فقط بالدائرة الانتخابية على عدد المقاعد المخصصة لها، ثم توزيعها بأكبر البقايا، مع استبعاد اللوائح التي حصلت على أقل من 3% من الأصوات، وهيَ العتبة التي جرى إلغاؤها ضمن التعديل الأخير.

يبدو أن حزب العدالة والتنمية هو المستهدفُ من هذا التوجه، والأكيد أنه سيتضرر من هذا القاسم الانتخابي، فقد اعتاد الفوز بأكثر من مقعد لا سيما بالدوائر الانتخابية للمدن الكبرى وهو ما جعله حزبًا ذا طبيعة حضرية، ولهذا فالخيار المتبقي أمامه على المدى القصير هو الرهان على الجغرافيا الانتخابية بمحاولة تقوية حظوظه في الدوائر أحادية أو ثنائية المقعد سيما بالأقاليم ذات الطبيعة القروية التي يستند فيها التصويت على اعتبارات غير حزبية (شخصانية وقبلية…). أما على المدى المتوسط والطويل، “فعندما يصبح أحد النظم أمرًا لا مفرَّ منه يكون من الصواب قبوله مع السعي في تعديله”، فلا توجد عمليات انتخاب وإجراءات كاملة كما أن الانتخابات هي عملية تعلُّم مستمر، ولهذا سيتعين على الحزب النضال من أجل ترسيخ النظام الانتخابي دستوريًّا بحيث لا يمكن تغييره إلا عن طريق الاستفتاء؛ حيث “توفر الأحزاب السياسية هياكل لتعبئة ليس فقط التحديات الانتخابية ولكن أيضًا الاحتجاجات الجماهيرية وغيرها من الأنشطة المناهضة للنظام. قد تكون الانتخابات نفسها بمنزلة نقاط محورية للعمل الجماعي، مما يوفر حوافز أكبر للأفراد لتحدي النظام الحالي بشكل علني”.

 

 

 

نائب برلماني يحذّر من “عودة نفس الأساليب والأدوات القديمة للتحكم في الانتخابات ضد الإرادة الشعبية الحرة بطرق غير ديموقراطية !؟”