في خطوة قد تكون محورية، تصدر خبر رحيل الحبيب المالكي عن رئاسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين عناوين الصحف، ليشكل نقطة فارقة في التعيينات الملكية الأخيرة. لكن، هل كان تعيين الحبيب المالكي في هذا المنصب، وهو في خريف عمره، الخيار الأمثل لمؤسسة حيوية مسؤولة عن تأمين تعليم جيد لملايين الأطفال والشباب في المغرب؟
التساؤلات الكبرى: من المثير أن نتساءل، ماذا يعني تعيين شخص في أواخر عمره على رأس مؤسسة استراتيجية تؤثر بشكل مباشر على مستقبل البلد؟ هل يمكن لرجل تخطى التسعين من عمره أن يقود إصلاحات جذرية في قطاع حساس مثل التعليم، الذي يعد أساس أي نهضة مجتمعية؟ كيف يمكن أن يتخذ شخص بهذا العمر قرارات استراتيجية تتطلب حيوية وديناميكية لمواكبة التحولات السريعة في مجال التعليم؟ ولماذا قبلت الدولة بتعيين شخص مع تجاوزاته الواضحة في المناصب السابقة؟
الحبيب المالكي: المسار والمفارقات إن الحبيب المالكي، رغم مؤهلاته الأكاديمية كأستاذ جامعي في الاقتصاد، يبدو أنه قد وصل إلى مواقع المسؤولية بفضل دعمه ليس فقط في العهد الحالي، بل منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني. هذا يطرح تساؤلًا مهماً: هل كانت الثقة الملكية في المالكي نابعة من كفاءاته الفعلية أم لأنه كان “خادمًا للدولة” طوال تلك السنوات؟ كيف يمكننا تقييم ما قدمه الرجل من إنجازات في المناصب التي شغلها؟ من وزارة التعليم إلى وزارة الفلاحة، مرورًا برئاسة مجلس النواب، هل ترك الحبيب المالكي أي بصمة تذكره بالإيجاب أو السلب؟
الواقع يشير إلى أن المالكي لم يكن له أي تأثير ملموس في هذه المناصب، بل كان في بعض الأحيان سببًا في إعاقة تقدم القطاعات التي شغل فيها المسؤوليات. وعليه، يبرز سؤال آخر: لماذا استمر الرجل في المواقع العليا رغم سجل الإنجازات الفاتر؟ أهو الولاء للنظام أم الانسجام مع شبكات النفوذ؟
العدالة في التعيينات: هل يكفي التاريخ السياسي؟ من العجيب أن المالكي ظل يحظى بثقة النظام على مدار سنوات، رغم افتقاره للإنجازات الفعلية. فما يثير القلق هو أن التعيينات الملكية لا تقتصر على تقييم الكفاءات والإنجازات فحسب، بل تتضمن أيضًا حسابات سياسية واجتماعية قد تتجاهل الواقع الموضوعي. هل كان من الممكن اختيار شخص آخر، أكثر حيوية وتأثيرًا، لقيادة مؤسسة التعليم في هذا الوقت الحساس من تاريخ المغرب؟
التحدي الكبير: رحمة بورقية في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن رحيل المالكي، تظهر شخصية رحمة بورقية، التي حظيت بثقة ملكية مماثلة لتولي رئاسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين. لكن التحديات التي ستواجهها كبيرة جدًا. كيف ستتمكن رحمة بورقية من تقديم حلول واقعية لتحسين مستوى التعليم في المغرب، في ظل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية؟ هل ستتمكن من انتشال التعليم من النخبوية الضيقة التي ركز عليها المالكي وفريقه؟ أو ستكون ضحية للمستوى غير المتقدم للقطاع؟
الخلاصة: من خلال كل هذه التساؤلات والتحليلات، يبدو أن رحيل الحبيب المالكي قد أتى في الوقت المناسب بعد سنوات من غياب التأثير الفعلي. لكن في الوقت نفسه، من المهم أن نطرح سؤالًا أكثر إلحاحًا: هل سيشهد المغرب الإصلاح الذي يحتاجه في قطاع التعليم؟ وهل ستكون التعيينات المستقبلية مبنية على الكفاءة الحقيقية أم على الاعتبارات السياسية؟