رحيل “ليديك”و “فيوليا” الفرنسيتين عن المغرب.. نهاية حقبة أم بداية لمساءلة مالية متأخرة؟

0
72

في مشهد يعيد إلى الأذهان محاولات تفويت عقد “ريضال” لصندوق استثماري، ترتفع اليوم أصوات جديدة تطالب بالتدقيق في ملفات الأذرع المالية والتسييرية لشركة “فيوليا” الفرنسية، المسؤولة عن التدبير المفوض للماء والكهرباء في عدد من المدن المغربية. هذا الحراك يأتي في ظل استعداد “فيوليا” لمغادرة الساحة المغربية نهائيًا، تزامنًا مع إحداث الشركات الجهوية متعددة الخدمات «SRM» كنموذج جديد لإدارة هذه المرافق الحيوية.

لكن، هل سنشهد خروجًا سلسًا أم أن الحقائق المحاسبية ستكشف عن ثغرات عميقة في تدبير الشركة الفرنسية خلال العقدين الماضيين؟ وهل ستتم مراجعة الملفات المالية بعمق، أم أن صفحة “فيوليا” ستُطوى دون محاسبة تُذكر؟

نُذُر المراجعة والمحاسبة

عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، وجّه سؤالًا كتابيًا إلى وزير الداخلية يطالب فيه بمراجعة العقود التي أبرمتها الحكومة مع شركات التدبير المفوض، مشيرًا إلى أن تفويت هذه الخدمات لشركات أجنبية منذ أواخر التسعينيات لم يكن دائمًا في مصلحة المدن والمواطنين.

ففي الدار البيضاء، فُوّضت خدمات توزيع الماء والكهرباء والتطهير سنة 1997 إلى شركة “ليديك” لمدة 30 عامًا، باستثمارات قُدرت بـ 30 مليار درهم. في الرباط، استلمت شركة “ريضال” المهام سنة 1999 بعقد مدته 30 عامًا، واستثمارات بلغت 14 مليار درهم. أما في طنجة وتطوان، فقد فُوّضت المهام لشركة “أمانديس” بعقود تراوحت مدتها بين 25 و30 عامًا، وباستثمارات قدرت بـ 3.7 مليار درهم لطنجة و3.9 مليار درهم لتطوان.

لكن، بعد أكثر من عقدين من العمل تحت مظلة التدبير المفوض، تبرز تساؤلات ملحة حول مدى التزام هذه الشركات بتنفيذ التزاماتها الاستثمارية ومدى تحقيقها للأهداف المتفق عليها.

تقارير الحسابات.. حقائق أم مؤشرات أولية؟

تقارير المجلس الأعلى للحسابات، خاصة تقرير سنة 2009، ثم التقرير المفصل حول التدبير المفوض للمرافق العامة المحلية لسنة 2014، كشفت أن الشركات الفرنسية لم تنجز سوى جزء من الاستثمارات التي التزمت بها عند توقيع العقود. بل إن بعض هذه الشركات لجأت إلى “صندوق الأشغال”، المفترض أن يكون رافعة أساسية للاستثمار، في أغراض لم تكن ضمن نطاقه الأساسي.

هذا النمط من التدبير لم يتغير رغم الملاحظات المتكررة الصادرة عن الهيئات الرقابية. فمجلس مدينة الدار البيضاء، على سبيل المثال، انتقد تأخر شركة “ليديك” في تنفيذ مشاريع البنية التحتية المتعلقة بالحماية من الفيضانات، خصوصًا بعد الكارثة التي شهدتها المدينة سنة 2021، مطالبًا بتسريع وتيرة الإنجاز وضمان الصيانة الدورية.

أرباح الشركات.. أين تذهب؟

في الوقت الذي لم تحقق هذه الشركات التزاماتها الاستثمارية بشكل كامل، حققت أرباحًا ضخمة من خلال عقود التدبير المفوض. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف لشركات لم تلتزم بتنفيذ المشاريع المتفق عليها أن تحقق أرباحًا هائلة؟ وأين ذهبت تلك المليارات التي كان يُفترض أن تُستثمر في تحسين البنية التحتية لهذه الخدمات الأساسية؟

ما بعد “فيوليا”.. هل يتغير شيء؟

مع حلول موعد رحيل “فيوليا” وتفويض المهام للشركات الجهوية متعددة الخدمات، تُطرح أسئلة جوهرية: هل ستتم مراجعة العقود السابقة بعين فاحصة لضمان تعويض الفجوات التنموية؟ وهل سيكون هناك تدقيق مالي صارم قبل أن تُطوى هذه الصفحة؟ أم أن التغيير سيبقى شكليًا دون معالجة حقيقية للإشكالات الجوهرية؟

بينما تنتظر المدن المعنية انتقالًا سلسًا نحو نموذج التدبير الجهوي الجديد، يبقى السؤال الأهم: هل ستحصل الجماعات المحلية والمواطنون على حقهم في المحاسبة والشفافية، أم أن “فيوليا” ستخرج من الباب الخلفي دون أن تترك أثرًا لمساءلة مالية تليق بحجم التجاوزات التي أثيرت حولها؟