“رسالة إلى صانعي الفتن”: هل يكتب عزيز رباح شهادة ميلاد مشروع سياسي جديد أم دفاعًا أخيرًا عن منهج متآكل؟

0
85

في مشهد سياسي مغربي يتسم بالتحولات العميقة والارتباك داخل التيارات التقليدية، اختار الوزير السابق عزيز رباح أن يوجه رسالة صريحة إلى من سماهم “صانعي الفتن”، مدافعًا عن خيار العمل الوطني الإصلاحي التنموي، ومعلنًا تمسكه بمسار “المبادرة – الوطن أولًا ودائمًا”.

لكن، خلف هذه اللغة الهادئة والنبرة الوعظية، تطرح الرسالة عدة تساؤلات عميقة: هل نحن أمام محاولة لترميم الشرعية السياسية لتيار إصلاحي مستقل، أم أمام دفاع متأخر عن مشروع فقد بريقه وسط تسونامي التغييرات السياسية بالمغرب؟

الدفاع عن المسار: تثبيت المبادئ أم الاعتراف الضمني بالأزمة؟

أكد رباح في رسالته أن المسار الذي اختاره وأتباعه هو “العمل الوطني الإصلاحي التنموي بعيدًا عن الاصطفافات الحادة”، مستحضرًا قيم الوطنية والاعتدال والعطاء والنزاهة.

غير أن هذا التأكيد يطرح سؤالًا محوريًا: هل يكفي التشبث بالمبادئ التقليدية لتجاوز تحديات واقع سياسي بات يطلب تجديدًا فكريًا وتنظيميًا عميقًا؟

ففي زمن تتغير فيه أولويات المواطنين وقواعد اللعبة السياسية، قد تبدو بعض الشعارات، مهما كانت نبيلة، غير قادرة على إقناع جمهور أرهقته الوعود المتكررة والصراعات السياسية التقليدية.

خطاب المظلومية: هل يعبر عن قوة صمود أم عن عزلة متزايدة؟

رباح وجه خطابه إلى من وصفهم بـ”الغيورين، الحاقدين، المتوجسين، والمشككين”، متحدثًا عن حملة تبخيس وإشاعات تطاله وتطال كل المبادرات الصادقة.

لكن التساؤل المشروع هنا هو: هل هذا الإحساس بالاستهداف تعبير عن وعي بقوة المشروع أم عن عزلة سياسية متزايدة وسط مشهد يتغير دون أن يجد فيه الإصلاحيون موقعهم الجديد؟

إن تحميل “الآخرين” مسؤولية التشكيك قد يخفي ضعفًا في التواصل أو قصورًا في القدرة على تجديد أدوات العمل والخطاب بما يلائم التحولات المجتمعية العميقة.

الإشارة إلى “المبادرة – الوطن أولًا ودائمًا”: جنين سياسي جديد أم مبادرة نخبوية محدودة الأفق؟

للمرة الأولى، يتحدث رباح بوضوح عن انتمائه إلى حركة إصلاحية تنموية ناشئة تحمل شعار “الوطن أولًا ودائمًا”، والتي وصفها بأنها تتقدم بثبات ورزانة وجهد وتدرج.
هنا تبرز عدة أسئلة ضرورية:

  • هل تسعى هذه الحركة إلى تأسيس تيار سياسي مهيكل قادر على دخول غمار المنافسة الانتخابية مستقبلًا؟

  • أم أن الأمر لا يتعدى كيانًا تنسيقيًا فكريًا محدودًا، لا يطمح إلى ما هو أبعد من التعبير عن مواقف سياسية ونضالية دون أهداف تنظيمية واضحة؟

  • وهل تمتلك هذه المبادرة القدرة الحقيقية على إحداث تأثير في مشهد سياسي يعج بالمنافسين القدامى والجدد؟

الرسالة في السياق العام: قراءة في اللحظة السياسية المغربية

تأتي رسالة رباح في سياق يتسم بانحسار المد التقليدي للأحزاب الإسلامية، وتراجع حضور بعض الزعامات التاريخية في الحياة السياسية، مقابل صعود تيارات شبابية ومبادرات اجتماعية جديدة.

فهل يستطيع تيار “المبادرة” الذي ينتمي إليه رباح أن يقدم بديلاً حقيقيًا لمشهد سياسي يعيش حالة من الفتور والبحث عن وجوه وأفكار جديدة؟

أم أن العزف على نغمة الوطنية والاعتدال، رغم صدقه، لم يعد كافيًا لإقناع الأجيال الجديدة التي تبحث عن مشاريع أكثر جذرية وجدة في الطرح؟

خلاصة: بين الإصرار والتحدي

رسالة عزيز رباح تحمل في طياتها إصرارًا على الاستمرار في خط إصلاحي وطني وسط عواصف من التشكيك والإحباط.

لكن نجاح هذا الخيار سيظل مرهونًا بقدرته على التجديد، والانفتاح الحقيقي على طموحات المغاربة الجديدة، بعيدًا عن استحضار معارك الماضي أو التمترس خلف خطاب المظلومية.

فهل تكون رسالة “هونوا على أنفسكم” بداية لعهد جديد؟ أم آخر صدى لمرحلة تطويها ديناميات السياسة المغربية المعاصرة؟