تقرير: جمال السوسي
يتشبث وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ، شكيب بنموسى، بالشروط التي وصفت بـ”التعجيزية” بالشباب الحاصلين على شهادات والعاطلين عن العمل، ورغم أن القرار كان متسرعا وقاسيا بالنسبة للشباب الذين تجاوزوا 30 عاما، مشددا على ضرورة الإبقاء على ما ينص عليه قانون الوظيفة العمومية.
كشفت الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بخصوص إجراء مباريات “أساتذة التعاقد” عن تشبث وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى بشرط 30 سنة لاجتياز هذه المباريات.
ويأتي تشبث الوزارة بهذا الشرط رغم توالي المطالب النقابية والسياسية والحقوقية، والأسئلة البرلمانية بهذا الخصوص، وتوالي الاحتجاجات التي طالبت بنموسى بإسقاط شرط السن.
وتضمنت إعلانات المباريات جملة من الشروط من بينها ألا يكون قد صدر في حق المترشحين حكم قضائي بعقوبة سالبة للحرية، وألا يزيد سنهم عن 30 سنة عند تاريخ إجراء المباراة، وألا تربطهم علاقة شغل مع أي مشغل آخر.
وشرعت وزارة التربية الوطنية في حكومة عزيز أخنوش منذ سنتها الأولى في إقرار شرط السن من أجل اجتياز مباريات التعليم، وبرر بنموسى الأمر بحماية المهنة وانتقاء كفاءات اختارت في بداية مسارها مهنة التعليم، معتبرا أن حل معضلة البطالة يتم من خلال برامج خاصة وضعتها الحكومة.
واستباقا لإعلان المباريات الجديدة، تعالت العديد من الأصوات لمطالبة وزير التربية الوطنية بالتراجع عن تسقيف السن في 30 سنة، وترك فرصة للشباب وذوي الكفاءات والتجربة في القطاع الخاص الذين تعدوا هذا السن للمشاركة، والانتقاء على أساس المستوى وليس العمر.
وفي هذا الصدد طالب فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب بنموسى بالتخلي عن تسقيف السن بالنظر إلى عدم استناده إلى أسس علمية واضحة، مع العمل على استقطاب أفضل الخريجين لمهنة التدريس، وضمان جودة وكفاءة أساتذة وأستاذات المستقبل عبر التكوين، لافتا إلى وجود دراساتٍ تؤكد على أنَّ الكفاءة والمهارة والجودة في ممارسة مهنة التدريس لا علاقة لها أبداً بالأعمار، بقدر ما هي مرتبطة بجودة الشهادات الجامعية والتكوين الأساسي والتكوين المستمر، وبالخبرة المتراكمة لدى جميع الفئات العمرية للممارسين على قدم المساواة.
وأكد رئيس الفريق في سؤال كتابي على أن هذا القرار غير عادل، ويشكل ظلما وإجحافا وهدرا للطاقات، على اعتبار وجود طاقات شابة في سن الثلاثين حاصلة على الماستر أو الدكتوراه وراكمت سنوات طويلة من الخبرة في القطاع الخاص، ستجد نفسها مقصية.
ومن جانبها وجهت الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي مراسلة لرئيس الحكومة تحثه فيها على التراجع عن شرط السن في مباريات “التعاقد” الذي يعصف بمبدأ المساواة، ويقصي بشكل ممنهج فئات واسعة من الشباب خريجي الجامعات.
وفي نفس الاتجاه، راسلت شبيبة حزب العدالة والتنمية أخنوش لمطالبته بالتدخل العاجل قصد إلغاء شرط السن لاجتياز المباريات المزمع تنظيمها برسم الموسم الجاري، متوقفة على ما ينص عليه الدستور من حق المواطنين على قدم المساواة من الاستفادة من الحق في الشغل والولوج للوظائف العمومية حسب الاستحقاق، وضمان تكافؤ الفرص للجميع، وهو ما انتهكه قرار تسقيف السن.
وأشارت شبيبة البيجيدي في الرسالة إلى أن من شأن القرار أن يزيد من رفع أعداد العاطلين في صفوف حاملي الشهادات، المرتفع فعلا، كما أنه إجراء تعسفي في حق شباب حصلوا أو سيحصلون قريبا على الإجازة في علوم التربية.
ومن جهته ناشد عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق الملك محمد السادس ووزير التربية الوطنية من أجل حذف هذا الشرط وترك باب الأمل مفتوحا لفئات واسعة من الشباب المغرب.
ونصت الشروط الجديدة لقبول ملف الترشيح لتوظيف من يعرفون بأساتذة التعاقد أو “أطر الأكاديميات الجهوية للتربية”، استعدادا للدخول التربوي الجديد، على تحديد السن الأقصى لاجتياز المباريات في ثلاثين عاما.
كما نصت الشروط الجديدة أيضا على العودة إلى نظام الانتقاء الذي يستند إلى الميزة أي العلامات التي حصل عليها المترشح في شهادتي البكالوريا والإجازة الجامعية.
ويحدد قانون التوظيف في المغرب، سن الدخول إلى الوظيفة العمومية بين 18 و40 عاما، وقد يصل في بعض الحالات إلى 45 عاما.
ويقول الرافضون إن هذه الشروط تشكل خرقا لما ينص عليه القانون والدستور، كما أنها تخالف ما جاء به النظام الأساسي لـ”أطر الأكاديميات”.
وقد نصت المادة الرابعة من النظام الأساسي لـ”أطر الأكاديميات”، ضمن الشروط، على أن لا يقل سن المترشح عن 18 سنة ولا يزيد عن 40 سنة، ويرفع الحد الأقصى لسن التوظيف إلى 45 سنة في بعض الحالات.
وقد أثار خفض سن التوظيف في التعليم مع إعادة الانتقاء، موجة رفض عارمة وغليانا في أوساط الشباب الراغبين في الالتحاق بمجال التدريس.
ولا يتمكن 40 في المئة من خريجي الجامعات من الحصول على وظائف نظرا لقلة المناصب المخصصة للتوظيف سنويا، وتنص الموازنة الجديدة على إحداث أزيد من 26 ألفا و800 مائة منصب مالي.
ومباشرة بعد إعلان القرارات الجديدة، انطلقت، مساء الجمعة، مظاهرة طلابية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس، وسط البلاد، بمشاركة عشرات الطلاب.
كما نظمت، السبت، مسيرات بعدد من المدن شارك فيها الطلاب وحاملو الشهادات من العاطلين عن العمل، ومن المنتظر أن تخرج مظاهرات جديدة، يوم الأحد.
في المقابل، تعتبر الوزارة الوصية، أن تشديد شروط انتقاء المدرسين يدخل في صلب إصلاح منظومة التدريس.
ويقف خلف هذا القرار، وزير التعليم، شكيب بنموسى، وهو مسؤول شغل عدة مناصب هامة في المغرب، كان آخرها رئاسة لجنة النموذج التنموي، التي كلفت بمهمة صياغة خارطة طريق لمغرب جديد.
ويراهن المغرب منذ سنوات طويلة على النهوض بقطاع التعليم الذي يعاني من اختلالات عديدة، غير أن السياسيات التي تمت صياغتها منذ عقود، لم تتمكن من بلوغ مدرسة حكومية في مستوى التطلعات وإخراج القطاع من الأزمة.
ودفعت الشروط التي وصفت بـ”التعجيزية” بالشباب الحاصلين على شهادات والعاطلين عن العمل، إلى الخروج في مظاهرات احتجاجية بعدد من مناطق المغرب، ومعظم هؤلاء الشباب ينتمون لما يسمى بـ”الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين” بالمغرب، والتي تضم خمسين فرعا على الصعيد المغربي.
ومباشرة بعد صدور قرار وزير التعليم، أصدرت الجمعية بلاغا ضمنته مجموعة من المطالب على رأسها إلغاء الشروط الجديدة، وهددت بالتصعيد، عبر اللجوء إلى الشارع، في حال عدم التجاوب مع مطالبها.
ويكشف محمد غلوط الكاتب العام للجمعية، أن الأخيرة تطالب بالإلغاء الفوري لهذه الشروط وفتح مباراة التدريس في وجه الجميع دون قيد أو شرط في إطار ما تضمنه الوظيفة العمومية.
وفي حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”، أوضح غلوط أن “جمعية المعطلين” تطالب كذلك بالإدماج المباشر في الوظيفة العمومية وإسقاط العمل بنظام التعاقد.
ويقصد المتحدث بنظام التعاقد، المدرسين الذين يشتغلون في القطاع بموجد عقود مؤقتة بدل التوظيف المباشر والدائم، ويعد من أبرز الملفات الشائكة التي خلفتها حكومة العدالة والتنمية.
وجاء قرار وزارة التربية الوطنية الجديد، فيما استأنف الوزير الوصي على القطاع شكيب بنموسى، جلسات الحوار الاجتماعي مع نقابات التعليم بعدما جمدت تلك الجلسات في عهد الحكومة السابقة.
وبينما رحبت النقابات بأجواء جولات الحوار، جاء ما يعكر صفو هذه الأجواء، حيث اعتبرت النقابات أن شرط خفض السن على وجه الخصوص، يتعارض مع قانون التوظيف ويضرب في الصميم حقا يكفله الدستور وهو الشغل.
وفي هذا الإطار، يرى محمد خفيفي، نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم، أن خطوة الوزارة الوصية، مفاجئة وتتعارض مع ما جاء به برنامج الحكومة الجديدة الذي يجعل من التشغيل أولوية لخفض نسبة البطالة في المغرب.
وسجلت نسبة البطالة في النصف الثاني من هذا العام 12.8 في المئة، حسب المندوبية السامية للتخطيط وهي مؤسسة حكومية معنية بالإحصاءات.
وفي تصريح سابق، يؤكد المسؤول بالمؤسسة التابعة للاتحاد المغربي للشغل، أكبر نقابة في المغرب، أن القرار كان متسرعا وقاسيا بالنسبة للشباب الذين تجاوزوا 30 عاما، مشددا على ضرورة الإبقاء على ما ينص عليه قانون الوظيفة العمومية.
وطالب خفيفي بالتراجع عن هذه الشروط، التي ستقف “عائقا” أمام عدد من الشباب من أجل الحصول على وظيفة في مجال التعليم، معتبرا أنه لا يمكن ربط تحسين جودة التعليم بخفض سن المدرسين.
وفي ردها على الجدل الكبير الذي خلقته الشروط الجديدة للتقدم لمباراة التدريس، أعلنت وزارة التربية الوطنية في بلاغ لها، أن الخطوة تتماشى مع الإصلاح الذي يهدف إلى “النهضة التربوية المنشودة”.
وأكدت الوزارة أن مباريات التعليم المبرمجة هذه السنة تندرج في صلب سياسة الارتقاء بالمنظومة التعليمية، والتي جعلها النموذج التنموي الجديد للمملكة والبرنامج الحكومي في صدارة الأوليات.
وتعليقا على تحديد السن الأقصى لاجتياز المباريات في 30 سنة، أكدت الوزارة أن الهدف من ذلك هو استقطاب شباب متميز ويتمتع بالكفاءة، حيث إن الولوج الباكر إلى المهنة سيمكن من الاستثمار في تدريب المدرسين بشكل أفضل.
وفي تصريحات صحفية، أكد وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، أنه لن يتم التراجع عن أي من الشروط الجديدة والتي قال إنها تساهم في بناء مستقبل التعليم وبداية الإصلاح الحقيقي.
وكان الوزير قد شدد في السابق، على أن جل المجهودات تنكب حاليا على بلوغ مدرسة عمومية ذات جودة، تضمن تعلم التلاميذ وتنمية قدراتهم وارتقائهم الاجتماعي.