رفض واسع للمثلية في المغرب… مجتمع يتمسك بهويته الدينية وسط عالم متحوّل

0
211

نشرت مؤسسة “أفروبارومتر” نتائج استطلاع حديث في المغرب، كشفت فيه عن معطيات تتقاطع عند تقلبات العالم المعاصر وتطلعات مجتمع مغربي يحاول التوفيق بين مرجعياته الثقافية وهواجس الحداثة. لكنها معطيات تستدعي أكثر من مجرد نقل رقمي؛ إنها تستوجب قراءة معمقة في توجهات الرأي العام المغربي، في ضوء التحولات الاجتماعية، والتجاذبات الإيديولوجية، والسياقات الدولية المشتعلة.

قضايا القيم: حين يواجه المجتمع المغربي سؤال “الهوية”

من بين أبرز ما كشفت عنه الدراسة هو الرفض الجذري للمثلية الجنسية، حيث عبّر قرابة 80% من المستجوبين عن “كره مطلق” للمثليين. هذا الموقف الحاد، الذي قد يبدو صادماً في السياق الغربي، ينسجم مع المرجعيات الدينية والاجتماعية الراسخة في المغرب. إلا أن هذا الرفض يطرح سؤالاً أعمق:

هل يعني ذلك أن المغرب يرفض النقاش حول الحريات الفردية أم أنه يُعيد تشكيله ضمن مرجعياته الخاصة؟

هذا المعطى يرافقه إعلان أكثر من 98% من المغاربة انتماءهم للدين الإسلامي، في تأكيد على أن التدين لا يزال مكونًا رئيسيًا للهوية الجماعية. في المقابل، لا تتجاوز نسبة المُلحدين 0.1%، ما يعكس محدودية تأثير الخطابات المعولمة في مجال القناعات العقائدية داخل المجتمع المغربي.

العدالة والعقوبة: هل لا تزال الدولة “القوية” مطلوبة؟

نتائج الاستطلاع كشفت كذلك عن تأييد واسع لعقوبة الإعدام (70.4%)، وهو رقم يكشف عن رغبة شرائح واسعة من المواطنين في الحفاظ على نموذج عدالة زاجرة رادعة، خاصة في جرائم القتل.

هل هذا التوجه مؤشر على فقدان الثقة في آليات إعادة الإدماج، أم هو تعبير عن الحنين إلى الدولة الصارمة في مواجهة تصاعد العنف؟

المثير أن هذا الموقف جاء موازياً لمستوى ثقة مرتفع في القضاء المغربي (68%)، وهو معطى إيجابي يعزز صورة المؤسسات القضائية في سياق متقلب إقليميًا، حيث تهتز صورة الدولة والقانون في العديد من البلدان.

الانخراط الرقمي والمالي: المغرب يصعد بهدوء

أكثر من 96% من المغاربة يمتلكون هواتف ذكية، وقرابة 80% منهم متصلون بالإنترنت. هذه الأرقام تعكس تحولاً رقمياً عميقاً في مجتمع شاب، لكنه لا يزال يواجه تحديات في توظيف هذا التحول في التحرر المعرفي والإبداع التكنولوجي.

هل تحول المغرب إلى مستهلك رقمي فقط أم إلى فاعل في الثورة التكنولوجية؟

على الجانب المالي، فإن توفر 58% من المواطنين على حسابات بنكية يشير إلى تقدم تدريجي في الشمول المالي، لكنّه يطرح أيضًا تحديات مرتبطة بالهشاشة الاقتصادية والولوج المحدود للطبقات الفقيرة للمنظومة المصرفية.

المغرب والعالم: الحياد كخيار استراتيجي؟

حوالي 60% من المغاربة يؤيدون حياد بلادهم في النزاع الروسي الأوكراني. في وقت ينقسم فيه العالم بين معسكرات سياسية وعسكرية، يبدو أن الرأي العام المغربي ينسجم مع المقاربة الدبلوماسية الرسمية للمملكة، والتي تقوم على مبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانخراط في الاستقطابات الصلبة.

هل يعكس هذا الموقف نضجًا سياسيًا شعبياً، أم فتوراً في الاهتمام بالقضايا الدولية؟

بالمقابل، لم تتجاوز نسبة المؤيدين لموسكو 5%، ما يعني أن مواقف المغاربة متباعدة عن التأثر بالآلة الدعائية الروسية، رغم انتشار محتوياتها على المنصات الاجتماعية.

الهجرة والإجهاض: مجتمع يبحث عن توازنه

في مفاجأة نسبية، أقرّ أكثر من 55% من المغاربة بأنهم لم يفكروا يومًا في الهجرة، رغم الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية. فهل هو إيمان بالمستقبل المحلي؟ أم مجرد قناعة بالإمكانات المحدودة للهجرة النظامية؟

أما في ما يخص الإجهاض، فإن الاستطلاع كشف عن انقسام مجتمعي:

  • حوالي 33.6% يبررون الإجهاض في حال وجود خطر على صحة الأم.

  • فيما يرفض أكثر من 56% الإجهاض بدافع العجز المالي.

هذا الجدل يكشف أن المجتمع المغربي لا يرفض النقاش حول قضايا القيم، بل يديره بطريقته، وبإيقاع لا ينسجم دائمًا مع ضغط المنظمات الدولية أو بعض الأجندات الغربية.

نحو أي نموذج اجتماعي يتجه المغرب؟

في النهاية، تقدم نتائج “أفروبارومتر” صورة مجتمع متمسك بهويته، محافظ في عمقه، لكنه منفتح تقنياً، وواعٍ بالتحولات من حوله.
الرهان الأساسي للمغرب اليوم لا يكمن فقط في تحقيق التوازن بين القيم والحداثة، بل في إنتاج نموذج اجتماعي مغربي مستقل، يدمج الأصالة بالتجديد، ويتفاعل مع العالم من موقع الفاعل لا التابع.

فهل نحن أمام مرحلة تبلور “خصوصية مغربية” في التعامل مع قضايا القيم، العدالة، والتحولات الدولية؟
وهل يستطيع صانع القرار المغربي تحويل هذه المؤشرات إلى سياسات عمومية نابعة من نبض المجتمع؟