في وقت متأخر من الليل، اهتزت الأرض تحت أقدام المغاربة مرة أخرى، حيث شهدت مناطق مختلفة من البلاد هزة أرضية جديدة أعادت إلى الأذهان الذكرى الأليمة لزلزال الأطلس الكبير في سبتمبر 2023. وبينما لم تسفر هذه الهزة عن خسائر بشرية أو مادية كبيرة، كان الخوف هو العنوان الأبرز في المشهد. فما الذي تغير منذ الزلزال الأخير؟ وهل تعلمنا من الماضي بما يكفي لمواجهة المستقبل؟
الخوف: الجرح الذي لم يندمل
عندما اهتزت الأرض، لم يكن رد فعل المغاربة مفاجئًا. العائلات خرجت إلى الشوارع مذعورة، تحمل أطفالها وبعض المتعلقات الشخصية، خوفًا من تكرار سيناريو الزلزال السابق. هذا الخوف ليس مجرد رد فعل عاطفي، بل هو نتاج تجربة مريرة لا تزال آثارها ماثلة في المناطق المتضررة. لكن السؤال الحقيقي هو: هل تحول هذا الخوف إلى وعي جماعي يستند إلى استعداد حقيقي، أم أنه مجرد لحظة رعب مؤقتة سرعان ما تُنسى؟
دور المعهد الوطني للجيوفيزياء: خطوة إلى الأمام، ولكن…
في هذه الهزة الأخيرة، برز دور المعهد الوطني للجيوفيزياء بشكل لافت. مديره، ناصر جبور، قدم معلومات دقيقة وشفافة، مما ساهم في تهدئة الرأي العام. كما أن الإعلام أظهر تحسنًا ملحوظًا مقارنة بزلزال سبتمبر 2023، حيث تم الاعتماد على مصادر علمية موثوقة بدلًا من البلاغات الإدارية المتأخرة. لكن هذا يطرح سؤالًا آخر: هل يكفي الاعتماد على التواصل الفعال بعد وقوع الكارثة، أم أننا بحاجة إلى استباقية أكبر من خلال أنظمة إنذار مبكر متطورة؟
أنظمة الإنذار المبكر: الغائب الأكبر
رغم التقدم الملحوظ في التعامل مع الأزمات، لا يزال المغرب يفتقر إلى نظام إنذار مبكر فعال. لماذا لا يتم تطوير تطبيق وطني يسمح للمواطنين بتتبع النشاط الزلزالي وتلقي إشعارات فورية؟ في ظل انتشار الأخبار الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن لمثل هذا النظام أن يكون أداة ضرورية لتجنب الهلع ونشر المعلومات الدقيقة.
التربية الوقائية: هل نعلم أطفالنا كيف يواجهون الكوارث؟
جانب آخر لا يقل أهمية هو التربية الوقائية. هل يتم تعليم الأطفال في المدارس كيفية التصرف أثناء الزلازل؟ في دول مثل اليابان، التربية الوقائية جزء لا يتجزأ من المناهج الدراسية. الأطفال هناك يتعلمون كيفية الاحتماء تحت الطاولات، تجنب النوافذ، والخروج الآمن من المباني. أما في المغرب، فلا تزال هذه الثقافة غائبة إلى حد كبير. هل حان الوقت لإدخال تدريبات دورية في المدارس والشركات لتعزيز الاستعداد المجتمعي؟
تجارب دولية: دروس يمكن أن نتعلمها
اليابان، التي تُعد واحدة من أكثر الدول عرضة للزلازل، طورت نظام إنذار مبكر يعتمد على شبكة واسعة من أجهزة الاستشعار، مما يمنح السكان ثوانٍ ثمينة للاستعداد. حتى المكسيك، التي تعاني من زلازل متكررة، لديها نظام مشابه يرسل تحذيرات عبر الهواتف المحمولة ووسائل الإعلام.
هل يمكن للمغرب الاستفادة من هذه التجارب لتطوير منظومة وقائية متكاملة؟
ما العمل الآن؟
من الواضح أن المغرب بحاجة إلى استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الزلازل تشمل:
-
تطوير نظام إنذار مبكر فعال يعتمد على التكنولوجيا الحديثة.
-
إدماج التربية الوقائية في المناهج الدراسية.
-
تعزيز التواصل بين الجهات العلمية والإعلام لضمان وصول المعلومات الدقيقة للمواطنين.
-
إجراء محاكاة دورية للكوارث الطبيعية لتدريب السكان على كيفية التصرف في حالة وقوع زلزال.