تشكل زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي، للأقاليم الجنوبية للمملكة محطة بارزة في مسار العلاقات المغربية الفرنسية، إذ تأتي في سياق تعزيز التعاون الثنائي وتجديد الموقف الفرنسي الداعم لمغربية الصحراء.
هذه الزيارة تحمل في طياتها دلالات سياسية وثقافية، تعكس التزام باريس بموقفها الواضح تجاه النزاع المفتعل، وتؤكد انخراطها في الدينامية الجديدة التي يقودها المغرب لتنمية مناطقه الجنوبية.
البعد السياسي للزيارة: تأكيد الموقف الفرنسي لا يمكن قراءة زيارة داتي بعيدًا عن السياق السياسي الذي يميز العلاقات بين الرباط وباريس. فمنذ إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، تعزز موقف فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي كمؤيد رئيسي لموقف المغرب. هذه الزيارة، التي شملت مدينة طرفاية، تأتي كتأكيد عملي لهذا الالتزام، خاصة وأنها تأتي بعد إعلان الإليزيه دعم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي والوحيد لإنهاء النزاع.
لكن، إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا الدعم الفرنسي ثابتًا؟ وهل سيستمر بنفس الوتيرة في ظل الضغوط الجزائرية على باريس؟
زيارة طرفاية: دلالات رمزية وتاريخية اختيار مدينة طرفاية كمحطة رئيسية في زيارة الوزيرة الفرنسية لم يكن عبثيًا، بل يحمل رمزية تاريخية مرتبطة بمسيرة استعادة السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية عام 1975. المدينة التي شكلت إحدى النقاط الاستراتيجية في مسيرة التحرير، أصبحت اليوم واجهة للتنمية والاستثمارات المغربية.
فهل تسعى فرنسا من خلال هذه الزيارة إلى إرسال رسالة واضحة بأن الأقاليم الجنوبية جزء لا يتجزأ من التراب المغربي؟ وما تأثير ذلك على التوازنات الإقليمية، خاصة في ظل مواقف الجزائر الداعمة للبوليساريو؟
البعد الثقافي والاقتصادي: شراكة متجددة إلى جانب البعد السياسي، تبرز الأبعاد الثقافية والاقتصادية لهذه الزيارة، حيث افتتحت داتي مركزًا ثقافيًا فرنسيًا، في خطوة تهدف إلى تعزيز الروابط الثقافية بين البلدين. كما أن توقيع اتفاقيات تعاون ثقافي وتجاري خلال زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة، بقيمة تتجاوز 10 مليارات دولار، يعكس رغبة باريس في تعزيز وجودها الاقتصادي بالمغرب، خصوصًا في الأقاليم الجنوبية التي باتت تشكل بوابة للاستثمارات الأوروبية في إفريقيا.
لكن، هل يمكن لهذه الاستثمارات أن تُترجم إلى التزام دائم بمغربية الصحراء، أم أن المصالح الاقتصادية ستظل العامل الحاسم في توجهات باريس؟
تأثير الزيارة على العلاقات المغربية الفرنسية شهدت العلاقات بين الرباط وباريس خلال السنوات الأخيرة بعض التوترات بسبب ملفات خلافية، إلا أن زيارة داتي تأتي في إطار مسار جديد من التقارب، حيث سعت فرنسا إلى ترميم علاقاتها بالمغرب وإعادة الدفء إليها.
فهل ستشكل هذه الزيارة بداية لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين البلدين؟ أم أن العلاقة بين الطرفين ستظل محكومة بتوازنات إقليمية ودولية متغيرة؟
خاتمة في ظل التحولات الإقليمية والدولية، تبدو زيارة رشيدة داتي للأقاليم الجنوبية للمملكة بمثابة رسالة دعم واضحة لمغربية الصحراء، لكنها تطرح أيضًا تساؤلات حول مدى استدامة هذا الدعم في مواجهة الضغوط والمصالح المتشابكة. المغرب من جهته مستمر في تطوير وتنمية أقاليمه الجنوبية، معتمدًا على رؤية استراتيجية قائمة على تعزيز الاستثمارات والبنية التحتية، مما يجعل مغربية الصحراء واقعًا غير قابل للتشكيك.
فهل تمثل هذه الزيارة خطوة جديدة في مسار الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، أم أنها مجرد محطة عابرة في لعبة التوازنات الدبلوماسية؟