في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتراجع نفوذ الجزائر عربياً ودولياً، تأتي زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق إلى الجزائر، المقررة يوم الأحد، كمحطة دبلوماسية تحمل رسائل متعددة. ورغم ما يُعلن عن رغبة مشتركة في تعزيز التعاون الثنائي، فإن الزيارة تتم في ظل موقف عُماني واضح وثابت من قضية الصحراء المغربية، ما يضفي على الحدث أبعاداً تتجاوز الطابع البروتوكولي.
بين الرغبة الجزائرية في الانفتاح والحذر الخليجي المستمر
الزيارة تأتي بدعوة من الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يسعى – وفق مراقبين – إلى كسر العزلة التي تعيشها بلاده، لا سيما بعد توتر علاقاتها مع عدة عواصم خليجية وغربية. وإذا كانت الجزائر تراهن على بوابة مسقط لبناء قنوات تواصل جديدة مع الخليج، فإن الرهان يبدو محفوفاً بالحذر، في ظل اختلافات جوهرية حول قضايا إقليمية حساسة، في مقدمتها ملف الصحراء المغربية.
الصحراء… الملف الذي يفرض نفسه رغم التجاهل الرسمي
من غير المرجح أن تُثار قضية الصحراء بشكل مباشر خلال الزيارة، لكن من المؤكد أن حضورها سيكون ضمنيًّا في خلفية المشهد. فسلطنة عُمان، على غرار باقي دول مجلس التعاون الخليجي، تؤكد بشكل واضح دعمها لمغربية الصحراء ووحدة أراضي المملكة المغربية، وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلاً واقعياً وجدياً للنزاع المفتعل.
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل تراهن الجزائر على صمت عماني مؤقت مقابل مكاسب اقتصادية أو سياسية؟ أم أن مواقف السلطنة التاريخية والمبدئية ستحدّ من قدرة الجزائر على استثمار الزيارة دبلوماسياً؟
خليج الصحراء: توافق مستقر أم توتر كامن؟
العلاقات الجزائرية الخليجية لطالما شهدت تقلبات بين التقارب والفتور، وسط تباينات في الرؤى حول ملفات متعددة: من الصحراء المغربية إلى الأزمة الليبية، مروراً بالموقف من إسرائيل واتفاقيات أبراهام. فقد دعمت دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات، موقف المغرب في نزاع الصحراء وافتتحت قنصليات في العيون والداخلة، في خطوات أثارت حفيظة الجزائر.
في المقابل، عارضت الجزائر استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية، ووجهت انتقادات علنية لبعض الاتفاقيات الخليجية مع تل أبيب. كما دعمت أطرافاً مختلفة عن الخليج في الأزمة الليبية، ما ساهم في اتساع الهوة بين الطرفين.
عُمان والموقف الثابت: دعم تاريخي يتجدد
على خلاف الحياد الذي تلجأ إليه أحياناً، لم تتردد مسقط في التعبير عن موقفها الداعم للوحدة الترابية للمغرب. فقد أيدت المسيرة الخضراء عام 1975، وواصلت إعلان تأييدها الصريح لمغربية الصحراء، مشيدة بمبادرة الحكم الذاتي، ومعتبرة إياها حلاً عملياً يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية.
كما أعربت السلطنة عن تقديرها لحكمة القيادة المغربية، ودورها في السلم الإقليمي، خاصة في أفريقيا، وهو ما تؤكده البيانات المشتركة عقب اجتماعات اللجان الثنائية والتصريحات المتكررة للمسؤولين العمانيين.
السياق الإقليمي: هل تنجح الجزائر في كسر العزلة؟
زيارة سلطان عُمان تأتي في لحظة دقيقة بالنسبة للجزائر، التي تبحث عن تنويع شراكاتها بعد سلسلة من الانتكاسات الدبلوماسية. لكن، في ظل تصلب المواقف الخليجية، وتنامي التنسيق بين الرباط وعواصم الخليج، تُطرح أسئلة مشروعة:
-
هل تستطيع الجزائر تطبيع علاقاتها مع الخليج دون إعادة النظر في موقفها من قضية الصحراء؟
-
وهل تكفي الزيارات الرمزية لتجاوز فجوات عميقة في الثقة والتفاهم السياسي؟