بعد رواية ربيع قرطبة التي صدرت سابقا يواصل المبدع حسن أوريد التجوال بنا في عوالم الأندلس موقعا على عمل جديد عنونه بزينة الدنيا (أي الأندلس ) مستوحيا إياه من الكتاب الرائع للباحث الإسبانية مريا التي أصدرت كتابا بنفس العنوان تتناول فيه فلسفة العيش المشترك بين المسلمين و اليهود والمسيحيين في زمن كانت ثقافة الاقتتال بين الطوائف الدينة في الغرب لغة مألوفة و محمودة. زينة الدنيا قصة حضارة ازدهرت في الأندلس موقعة على عصر ذهبي في الوقت الذي كان العصر الوسيط ولازال يعني في الثقافة الغربية عصر الظلمات.
ووعيا منه بأهمية هذه المرحلة الزاهية في تاريخ الحضارة الإسلامية، ووعيا منه بأهمية العمل الإبداعي في صقل الذوق الجمالي لدى الإنسان و الرقي به خصص حسن أوريد عمله زينة الدنيا للحفر في العوالم المشرقة في هذه الحضارة التي جمعت المسيحي باليهودي، والعربي ،والأمازيغي، و المسلم بل وبالدهري راسما لوحة جميلة تعكس ثقافة التعايش التي ميزت “زينة الدنيا” متعالية على كل أشكال الصراعات الدينة والعرقية و الثقافية. وهذا ما سيلمسه القارئ في العدد من المقاطع التي يتجلى فيها هذا التعايش ؛أي في المعمار، والحي ،ومدينة، والمقبرة ، والعائلة ، والاختلاط في الزواج والنقاش في حلاقات الدرس بالجامع الكبير، و في السمر و قرض الشعر ،وفي الخمارات و الحفلات والأعياد. بل حتى في الأسماء.
زينة الدنيا رواية تثقف بأسلوب سردي متماسك يستحضر فيه الشعر و المحسنات البديعية و الأحداث السياسية والثقافية، والإحالات إلى السجالات الفكرية و الفقهية و الفلسفية والكلامية التي كانت تدور في الأندلس زمن الحكم المطلق للحاجب ابن عامر الذي بالرغم من تسلطه السياسي لم يمنع الناس من التعايش فيما بينهم نظرا لتجذر هذه الثقافة قبل سيطرته على دواليب السلطة لدرجة أنه أسس دولة داخل الدولة.
رهانات الرواية اليوم
لا يمكن لقارئ رواية زينة الدنيا إلا أن يشده الحنين لزمن ولى، لكن استعادته في المغرب الأقصى ليس بالأمر المستحيل لتجاوز كل أشكال التعصب المذهبي والعرقي الذي يهدد التماسك الاجتماعي و الاستقرار السياسي بمغربنا الكبير. زينة الدنيا تؤسس لمغرب كبير يتسع للجميع لا فرق فيه بين عربي وأمازيغي ومسلم ومسيحي و يهودي وحتى لغير المتدين. زينة الدنيا باستدعائها عوالم الأندلس فهي تؤسس للحلم الممكن بحكم توفر الإمكانات لتجسيده على الواقع شريطة الإيمان بالإنسان و كرامته كمدخل لتحديد هويته بدل الاستناد إلى مرجعيات مذهبية أو طائفية أو عرقية لتحديد ها. زينة الدنيا عمل يؤسس للعيش المشترك المبني على ثقافة النسبية والتعدد والتنوع و الحق في الاختلاف و التسامح لا على التعصب و الفكر الواحد و الثقافة المطلقة. زينة الدنيا تؤسس لثقافة التواضع المعرفي الذي يستلهم منطلقاته من الحكمة الرواقية الداعية إلى الإقبال على الحياة دون تجبر على الآخر. زينة الدنيا رواية التفكير و العيش مع الآخر باعتباره ذاتا لا باعتباره موضوعا يمكن تشيءه. إنها رواية تؤسس للوجود مع بلغة هيدغرMitsein.
زينة الدنيا و على لسان الشخصية الرئسية زيري سيكتشف القارئ مجمل التقلبات التي عرفتها الاندلس في زمن حكم المنصور الذي تولى إدارة الخلافة الإسلامية نيابة عن الخليفة هشام الذي كان وجوده صوريا.