سبتة.. بين الترحيل وضغط المهاجرين: حين تتحول قصص الأفراد إلى مرآة لأزمات جماعية

0
182

شهدت مدينة سبتة صباح أمس الخميس  عملية ترحيل جديدة شملت 24 مهاجرا غير نظامي نحو شبه الجزيرة الإيبيرية. للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر إجراءً عاديا ضمن سلسلة الترحيلات التي تشهدها المدينة بشكل متكرر، غير أن التمعن في تفاصيله يكشف عن أبعاد أوسع تتجاوز مجرد نقل مجموعة من الشباب بين ضفتين.

هؤلاء المرحّلون، الذين تراوحت أعمارهم بين العشرين والأربعين عاما، ينحدر معظمهم من الجزائر والسودان وغينيا كوناكري. قصتهم تعكس مرة أخرى مأساة جيلاً يبحث عن الأمل خلف الحدود. من بينهم برزت حالة خاصة لشاب جزائري، محامٍ في بداية عقده الثالث وحاصل على ماجستير في القانون والعلوم السياسية، فضّل أن يُعرّف عن نفسه بحرف “أ.” فقط. شهاداته ومؤهلاته لم تكن كافية لتأمين مستقبل كريم في بلاده، فاختار ركوب مغامرة الهجرة. في تصريح لوكالة أوروبا بريس، قال إنه غادر بعدما “انسدت أمامه سبل العمل الكريم”، مضيفا أن الأوضاع في بلده “تحرم الشباب من فرصة الازدهار والحصول على حياة أفضل”.

بين الفردي والجماعي

قصة هذا الشاب ليست استثناءً، بل هي صورة مكثفة لأزمة أوسع يعيشها شباب المنطقة: انسداد الآفاق، غياب سياسات إدماج حقيقية، وتآكل الثقة في المستقبل. كيف يُعقل أن شابا بثلاث لغات حية، وطموح فني يربطه بالموسيقى والفلامنكو، لا يجد فضاءً رحباً لطاقته إلا خارج الحدود؟ أليست هذه خسارة مزدوجة، للفرد وللوطن على السواء؟

ضغوط متزايدة ومقاربات محدودة

في المقابل، يعيش مركز الإقامة المؤقتة بسبتة تحت ضغط متزايد. تقارير حقوقية أكدت أن طاقته الاستيعابية تجاوزت الحد المسموح به، ما دفع السلطات إلى تحويل قاعات دراسية وفضاءات عامة إلى مراكز إيواء بديلة. هذه الوضعية لا تطرح فقط إشكالية إنسانية، بل تسائل أيضا السياسة الأوروبية في تدبير ملف الهجرة: هل يظل التعامل تقنيا محصورا في الترحيل والتوزيع؟ أم أن الأمر يحتاج إلى رؤية شمولية تراعي الجذور العميقة للظاهرة في دول المصدر؟

ما وراء الحدث

عملية الترحيل الأخيرة تفتح الباب أمام أسئلة أوسع:

  • هل يمكن معالجة الهجرة عبر المقاربة الأمنية وحدها؟

  • كيف يمكن تحويل طاقات المهاجرين، ومن بينهم خريجون وأصحاب كفاءات، إلى قيمة مضافة بدل أن تُهدر على الحدود؟

  • وما الذي يدفع شبابا مؤهلا، مثل الشاب الجزائري “أ.”، إلى البحث عن مستقبل في الضفة الأخرى بدل الإسهام في تنمية بلده؟

نحو أفق جديد؟

المسألة تتجاوز الحدود الإسبانية – المغربية، لتضع أوروبا والمغرب ودول إفريقيا أمام معادلة معقدة: إما الإبقاء على السياسات الحالية بما تحمله من هشاشة، أو التفكير في حلول بديلة تستثمر في الإنسان قبل أن يضطر للهروب من وطنه. فالهجرة، في نهاية المطاف، ليست فقط أرقاما وجوازات سفر مؤقتة، بل هي قصص بشرية تختزن طموحات مهدورة، وأحلاما تبحث عن أفق لا يضيق.