سعيد الناصري يفرّق بين الجمهور والصناعات: «الشلاهبية» كنقطة تحول أم تجربة طفيفة؟

0
107

في لحظة تبدو بسيطة على شاشاتنا الصغيرة لكنها عميقة في أبعادها، قرر المخرج والفنان سعيد الناصري أن يخرج بالجديد عن نمط العرض التقليدي: عرض فيلمه «الشلاهبية» على قناته الرسمية في يوتيوب — بمقابل رمزي — بعد أسبوعين فقط من دور العرض. ليس خبرًا عن جدول مواعيد فحسب، بل عن اقتراح علني لطريقة جديدة في علاقة السينما بجمهورها، وعن اختبار لمعادلة اقتصادية واجتماعية تراهن على التضامن بدل الاحتكار.

المبادرة لدى الناصري تحمل وجهًا إنسانيًا واضحًا: إيصال العمل إلى المدن والقرى التي تفتقد قاعات سينما، تخفيف العبء المالي عن العائلات، وتمكين الجالية بالخارج من مشاهدة الفيلم فورًا. هذه الحجج ليست تافهة؛ فهي تلامس مشكلة حقيقية في المشهد الثقافي المغربي — تفاوت في الوصول إلى الثقافة ينسحب على جودة التجربة وحرية المشاهدة. عندما يقول الناصري إن 20 درهمًا تتيح لرب أسرة مشاهدة محفوظة أو لرب مقهى عرضها، فإنه يقترح شكلًا من أشكال «الاقتصاد المحلي» للثقافة، حيث تتحول المشاركة المباشرة إلى مورد مباشر.

لكن خارج النوايا الطيبة تبرز أسئلة مهنية واستراتيجية لا يمكن تجاهلها. هل يمكن أن يكون هذا النموذج بديلاً مستدامًا عن القاعات التقليدية أو عن الاتفاقات مع المنصات والتلفزيون؟ أم أنه محاولة سريعة لتمرير رسالة اجتماعية على حساب بنيات توزيع وتعويضات مبنية على عقود واتفاقيات؟ وتجدر الإشارة إلى أن نجاح الفكرة يتوقف على قدرة الناصري والمنتجين على حماية حقوق الملكية الرقمية من القرصنة والتداول غير القانوني — وهو أمر اعترف به الناصري نفسه وناشد الجمهور بعدم مشاركة الروابط — لكن النصح وحده لا يكفي أمام آلية نسخ ومشاركة سريعة وواسعة.

اقتصاديًا، جعل المبلغ رمزيًا وموحّدًا (20 درهمًا) يحمل أبعادًا مزدوجة: من جهة يوسّع الشريحة الممكنة من المشاهدين ويعكس مقاربة تضامنية، ومن جهة ثانية قد يضعف قدرة المنتجين على استرداد تكاليف الإنتاج إذا لم يصاحب ذلك عدد كبير من المشاهدات المدفوعة واستراتيجيات تسويق فعّالة. ولذلك فإن نجاح التجربة لن يكون قياسًا أخلاقيًا فقط، بل حسابيًا — عدد المشتركين، معدل الاحتفاظ (هل سيشاهد الجمهور فعلاً؟)، ومعدل الاستخدام في المقاهي والأماكن العامة.

على مستوى المشهد السينمائي المغربي والدولي، تحمل هذه المبادرة بعدًا تجريبيًا مغريًا: إذا نجحت قد تشجع المنتجين على اعتماد قنوات مباشرة للوصول إلى الجمهور، خاصة لأعمال ذات طابع اجتماعي وسياسي يصعب تسويقها عبر المنصات الكبرى أو ينتظرها وقت طويل في القنوات التقليدية. لكن نجاحها يعتمد أيضًا على استجابة الجمهور — مدى التزامه بعدم نشر الفيلم مجانًا، ومدى ثقته في جودة التجربة الرقمية، وكذلك على قدرة منظومات القاعات والمسارح والهيئات المعنية على التكيّف مع نمط عرض متزامن قد يغيّر شروط التوزيع والتعويضات.

سياسيًا واجتماعيًا، الخطوة تتجاوز مجرد تجربة تسويق؛ إنها إقرار بأن الثقافة ليست رفاهية محجوزة للحضر أو للطبقات القادرة، وأن المنتجين يمكنهم — إن أرادوا — أن يختاروا طريقًا يضع الجمهور في مركز الحسابات. هذا الطرح يتقاطع مع نقاشات أكبر حول السياسات الثقافية: هل تراجع دور الدولة في تمويل وتسهيل الوصول إلى السينما؟ وهل يمكن للقطاع الخاص وصناع المحتوى أن يعوّضا جزءًا من هذه المسؤولية عبر مبادرات تضامنية مماثلة؟

مخاطر قانونية وتنظيمية لا بد من أخذها بعين الاعتبار: عقود العرض مع دور السينما، حقوق الفنانين والمساهمين، واتفاقيات التوزيع مع الشركاء — كلها عناصر قد تتأثر بعرض رقمي متزامن حتى لو كان بمقابل رمزي. هنا يتطلب الأمر حوارًا سريعًا وواضحًا بين المنتجين، الروابط المهنية (نقابات الممثلين والمخرجين)، ودور السينما، لتفادي نزاعات مستقبلية قد تُقوّض ما يمكن أن يصبح تجربة قابلة للتوسع.

في خاتمة القراءة النقدية: مبادرة سعيد الناصري شجاعة لأنها تضع الجمهور في بؤرة الفعل وتطرح نموذجًا بديلًا قد يوسع دائرة المشاهدة وينتج دخلاً مباشرًا للمنتجين. لكنها محفوفة بالتحديات الاقتصادية والقانونية التي تتطلب تصميماً مؤسسيًا أكثر من قرار فردي. إذا كانت «الشلاهبية» نقطة انطلاق، فالاختبار الحقيقي سيكون في ما إذا استطاع الناصري وشركاؤه تحويل المبادرة إلى بروتوكول يمكن نسخه—مع حماية حقوق الملكية وتشبيك واضح مع القاعات—أم أنها ستبقى تجربة أحادية تعكس حسًّا إنسانيًا جميلًا من دون أن تغيّر بنية السوق.

توصيات سريعة للفاعلين (مختصرة وتطبيقية):

  • وضع إطار تعاقدي واضح لعرض متزامن يضمن حقوق دور العرض والمنتجين.

  • اعتماد آليات حماية رقمية فعّالة وخطط لخفض معدلات القرصنة (DRM مع مراعاة سهولة الاستخدام).

  • حملة توعيفية موجهة للجمهور توضح أسباب التعويض الرمزي وأهمية الحفاظ على حقوق المنتجين.

  • تجربة مرنة لنماذج تسعير متفاوتة (عائلي، فردي، صالونات)، مع تحليل بيانات المشاهدة سريعًا لتعديل الاستراتيجية.

السينما ليست مجرد تحصيل لمشهد بصري؛ إنها شبكة علاقات — مع الجمهور، مع السوق، مع القوانين. بخطوته، يفتح سعيد الناصري نافذة للنقاش: هل سنبني من خلالها معايير جديدة أم سنرى تجربة ثم تختفي؟ الزمن والتفاعل الجماهيري سيقولا كلمتهما.