شباب بلا أفق… وهاوية مفتوحة: لماذا تنجح التنظيمات المتشددة في اختراقهم؟

0
187
صورة من الأرشيف

عاد موضوع استقطاب الشباب مجدداً إلى الطاولة، ولكن هذه المرة بثقل مضاعف. فاعتقال شاب في السادسة والعشرين من عمره بمدينة تطوان، بعد الاشتباه في ولائه لتنظيم “داعش” واستعداده لتنفيذ مخطط إرهابي وشيك، لم يعُد مجرد خبر أمني عابر؛ بل ناقوس إنذار يُفتح على سؤال أكبر: ماذا يحدث في العمق؟ وكيف وصل شباب فقدوا الأمل في التعليم والعمل والاندماج إلى حافة التطرف؟

هذا ليس حدثاً معزولاً. إنه مرآة لواقع اجتماعي يتآكل ببطء، حيث تتراجع الأحلام، وتضيق مساحات الأمل، وتتعاظم الفجوة بين جيل يبحث عن معنى، ومؤسسات عاجزة عن توفير هذا المعنى.

جيل بلا أفق؟

حين يقول علماء الاجتماع إن الشباب هم الأكثر هشاشة، فإنهم لا يشيرون فقط إلى الاندفاع الطبيعي لسنّ ما قبل النضج، بل إلى واقع جديد تُعيد صياغته التكنولوجيا والتوترات الجيوسياسية والفجوات الاجتماعية. اليوم، يعيش الشباب ما يشبه الفراغ الوجودي: مدارس لا تقنع، سوق شغل لا يستوعب، سياسات لا تلامس حاجاتهم، وفضاء رقمي مفتوح يتحول إلى أرض خصبة لكل أنواع الخطاب المتطرف.

هنا تتدخل التنظيمات المتشددة كمن “وجد ضالته”: شباب يفتش عن هوية. عن مكان. عن صوت.

الإنترنت.. “الملاذ” الأخطر

الباحث مولاي أحمد صابر يضع إصبعه على الجرح: الإنترنت لم يعد مجرد وسيلة تواصل، بل أكبر مختبر لإعادة تشكيل الوعي. التنظيمات الإرهابية فهمت اللعبة منذ زمن، واشتغلت بصبر على بناء شبكات متشعبة تتسلل إلى كل بيت، وكل هاتف، وكل غرفة مغلقة.

وفي المراهقة بالذات، تصبح الأسئلة الكبرى – الانتماء، الدين، العدالة، الظلم – مثل شرارات صغيرة تنتظر من ينفخ فيها. وفي غياب التوجيه الأسري، وضعف التأطير المدرسي، وانهيار الثقة في المؤسسات، يتحول الشاب إلى أرض رخوة، قابلة للاختراق.

الإغراء بسيط:
خطاب حاد، لكنه واضح.
هوية صلبة، حتى لو كانت زائفة.
وهم البطولة السريعة، في عالم يشعر فيه المراهق بالهامشية.

الاضطراب النفسي.. الطيش الهادئ الذي يغذي العنف

يشير صابر أيضاً إلى العنف الداخلي الهادئ الذي يرافق مرحلة اليفوع. إنها تلك الارتجاجات النفسية التي لا تُرى، لكنها تُوجّه السلوك دون وعي. يبحث اليافع عن “شيء يفسّر له العالم”، عن إجابة جاهزة تريح عقله. وهنا يتسلل التطرف كبديل سهل، كمعنى مُعلّب.

وتلعب الألعاب الإلكترونية، كما يقول صابر، دوراً لا يُستهان به. ليس لأنها تصنع إرهابيين، بل لأنها قد تطبع العنف كحلّ، وتجعل “القتل الافتراضي” جزءاً من المتعة اليومية، ما يمهّد نفسياً لقبول فكرة العنف الحقيقي، إذا وُضع في قالب ديني أو أيديولوجي.

“الذئاب المنفردة”.. شباب بدون بوصلة

الباحث إدريس الكنبوري يذهب أبعد. يعتبر أن هذه الفئة – الذئاب المنفردة – ليست سوى نتيجة حتمية لسيولة رقمية وفقر معرفي. شباب يواجهون سيل الأخبار والصور من غزة والسودان وسوريا… دون قدرة على التحليل ولا على بناء مسافة نقدية.

العاطفة تتغلب. الغضب يكبر. والفراغ الفكري يتمدد.
وفي غياب التأطير، يتحول كل هذا الخليط إلى قنبلة موقوتة.

التطرف ليس مشكلة دينية.. بل معادلة عالمية

الكنبوري يذكّر بحقيقة أساسية: التطرف ليس حكراً على دين دون آخر. ما يحدث في غزة مثال صارخ على تطرف يجد جذوره في خطاب ديني يهودي متشدد. والمسيحية ليست بعيدة عنه أيضاً.
بمعنى آخر: نحن داخل موجة عالمية من الصراع الحضاري المغلف بالدين. والمغرب، مهما بدت مسافته آمنة، لا يعيش خارج الزمن.

هل الحل أمني؟

الأجهزة الأمنية تؤدي دوراً محورياً، لا نقاش في ذلك. هي السدّ الأول. لكنها ليست العلاج.
لأن التطرف – كما يقول الكنبوري – نتاج ظروف سياسية واجتماعية وثقافية لم تُحلّ بعد.

لا يمكن القضاء على التطرف بينما يعيش الشباب:

  • بطالة طويلة الأمد،

  • فقر إحساس بالعدالة،

  • فقدان ثقة في المستقبل،

  • هشاشة نفسية،

  • وتشرذم في الهوية.

الأمن قادر على الحد من الخطر، لكنه لا يعالج الجذور.

الحقيقة المقلقة

حتى لو وضعنا أفضل الاستراتيجيات، فإنها ستعالج فقط 10% من المشكلة.
أما 90% المتبقية فمرتبطة بعالم يغلي، وبشباب يشعر أنه يعبر مرحلة بلا أفق، بلا حماية، وبلا مشروع يضعه على سكة الحياة.

خلاصة تحليلية

القضية ليست حادثاً أمنياً. ولا شاباً انخدع.
إنها مرآة مجتمع يحاول أن يحافظ على توازنه، بينما جيله الأصغر يكسر هذا التوازن بصمت… أو بانفجارات مفاجئة.

والسؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح الآن هو:
كيف نعيد الأمل إلى شباب فقدوا بوصلتهم؟ وكيف نسترجع الثقة في زمن تتراجع فيه كل المعاني؟