شبهات محاباة في صفقات عمومية تُفجّر تساؤلات عن النزاهة والحكامة في الجماعات الترابية

0
165

في الوقت الذي تواجه فيه المقاولات الصغرى والمتوسطة صعوبات مستمرة في ولوج السوق العمومية، وتشتكي من عراقيل بيروقراطية وتمييز غير معلن، عادت إلى الواجهة معطيات مثيرة بشأن تدبير المال العام على المستوى المحلي، بعدما كشفت تقارير تفتيش مركزية عن شبهات قوية حول اختلالات في تدبير عشرات الصفقات العمومية داخل جماعات ترابية تابعة لجهات الدار البيضاء-سطات، مراكش-آسفي، وفاس-مكناس.

وبحسب المعلومات التي نشرها موقع “هسبريس” المغربي، فإن عدداً من العمال رفضوا التأشير على صفقات مدرجة في دورات جماعية، مستندين إلى تقارير تفتيش أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية، رصدت اختلالات واضحة في طريقة إرساء الصفقات، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن المحلي.

ثلاث شركات تهيمن على عشرات الصفقات

المعطيات المنشورة تؤكد أن أكثر من 23 جماعة ترابية أبرمت صفقات مع ثلاث شركات فقط، في مجالات مرتبطة بالتجهيز بمعدات معلوماتية، ونظم حضور، وكاميرات مراقبة، في ظروف تشير إلى وجود شبهات محاباة وتبادل مصالح بين بعض المسؤولين المحليين وممثلي الشركات المعنية. وقد تجاوزت القيمة الإجمالية لهذه الصفقات 15 مليون درهم، بينما تتحدث الشكايات التي توصلت بها المفتشية العامة عن إقصاء مقاولات ناشئة رغم استيفائها للشروط القانونية والتقنية.

دفاتر شروط مفصّلة على المقاس؟

بحسب ما ورد في تقرير “هسبريس”، فإن دفاتر التحملات الخاصة بهذه الصفقات تضمّنت بنوداً إقصائية صريحة حالت دون مشاركة منافسين جدد، ما يعزز فرضية وجود نية مبيتة لتوجيه نتائج الصفقات. وتورد التقارير أن عدداً من هذه الشركات الفائزة تربطها علاقات شخصية مباشرة مع بعض المسؤولين المحليين، وهو ما يوحي بوجود تعارض مصالح غير مصرح به، يستدعي التحقيق والتدقيق.

مقايضة النفوذ والصفقات بين مسؤولين

وتشير نفس المعطيات إلى ما يشبه “مقايضة داخلية” بين مسؤولين ترابيين، تقوم على مبدأ: “أمنح شركتك صفقة في جماعتي، مقابل أن تفعل الشيء نفسه في نفوذك”، مما يُعد ضرباً لمبادئ تكافؤ الفرص والنزاهة في تدبير الصفقات العمومية، ويطرح علامات استفهام حول حدود الرقابة المفروضة على تدبير المال العام.

تعليمات وزارية ومحاولات للإصلاح

في تفاعل مع هذا الواقع، عمّم وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، تعليمات على الولاة والعمال من خلال المديرية العامة للجماعات الترابية، طالباً منهم موافاة الوزارة بجميع الصعوبات التي تعيق تفعيل مرسوم الصفقات العمومية رقم 2.22.431 الصادر في مارس 2023. كما تم تشجيع المنتخبين والموظفين على تقديم اقتراحات وحلول، في محاولة لإصلاح الاختلالات البنيوية التي تعاني منها منظومة الصفقات.

رغم هذه الخطوات، لا تزال المخاوف قائمة بشأن مدى فعالية الرقابة على مستوى الجماعات، خصوصاً أن بعض الملفات التي توصل بها مفتشو الوزارة كانت مرفقة بوثائق تدعم اتهامات بالمحاباة، كما أن التحقيقات شملت الاستماع إلى المسؤولين المعنيين.

خلاصة أولية: المقاولات الناشئة تدفع ثمن زبونية مُقنّعة

في ظل غياب الحزم والشفافية، تبقى المقاولات الناشئة، خصوصاً تلك المتخصصة في التكنولوجيا، الخاسر الأكبر من استمرار هذه الممارسات. إذ يُفترض أن تشكل الصفقات العمومية إحدى روافد تحفيز الاقتصاد المحلي، إلا أن منطق الزبونية والمحسوبية يعيق هذا الدور، ويقوض مبدأ العدالة الاقتصادية وتكافؤ الفرص.

هذا التحقيق يعتمد في معطياته وتحليله على ما نشره موقع “هسبريس”، ويهدف إلى مساءلة السياسات والممارسات المرتبطة بتدبير الصفقات العمومية، وفق مقاربة مهنية ملتزمة بأخلاقيات الصحافة وتحترم حق المواطن في المعرفة.

 

للتواصل مع هيئة التحرير: maghrebalaan@gmail.com