شرعية الشارع في مواجهة شرعية التعيين: فرنسا بين لوكورنو و”لنشلّ كل شيء”

0
133

لم يكن تعيين سيباستيان لوكورنو رئيساً جديداً للحكومة الفرنسية مجرد إجراء دستوري عادي بعد سقوط حكومة فرنسوا بايرو، بل جاء في قلب عاصفة سياسية واجتماعية تكشف أزمة عميقة في النظام الفرنسي. ففي اليوم نفسه الذي بدأ فيه لوكورنو مهامه، خرجت احتجاجات في مدن مختلفة تحت شعار لافت: “لنشلّ كل شيء”، في مشهد يذكّر الفرنسيين بأيام “السترات الصفراء”.

حكومة جديدة.. ومأزق قديم

إيمانويل ماكرون اختار حليفاً وفياً له (لوكورنو، 39 عاماً) ليعيد بعض التوازن إلى المشهد السياسي بعد سقوط بايرو. لكن هذا التعيين اعتُبر من طرف كثيرين “صفعة على الوجه”، كما عبّر أحد المتظاهرين في ليون. فالبرلمان منقسم من دون أغلبية صريحة، والثقة الشعبية مهزوزة، ما يجعل مهمة لوكورنو أقرب إلى المستحيلة: كيف يبني جسور توافق بينما يشعر الشارع بأن اللعبة السياسية مغلقة بوجهه؟

غضب بلا قيادة

في باريس وليون ونانت وتولوز، تنوعت مشاهد الاحتجاج بين إغلاق طرق سريعة وإشعال حاويات ورشق الشرطة بالقمامة. ومع ذلك، يظل هذا الحراك بلا قيادة واضحة، وهو ما يمنحه طابعاً مبعثراً، لكنه في الوقت نفسه يفضح حجم الهوة بين الطبقات العاملة والحكومة. فالشعارات لم تخرج فقط ضد شخص لوكورنو، بل ضد سياسة تقشفية تعتبر أن “الطبقة العاملة هي من يدفع الثمن”.

الاقتصاد في قلب المعركة

جوهر الأزمة اقتصادي بامتياز: حكومة بايرو سقطت بسبب مشروع ميزانية تقشفية تهدف إلى خفض 44 مليار يورو، في بلد بلغت مديونيته 114% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن كل خفض في الإنفاق العام يعني تراجعاً في الخدمات الاجتماعية والحقوق العمالية، وهو ما فجّر الغضب من جديد. بالنسبة للمتظاهرين، ماكرون يكرر النهج نفسه: تغيير الوجوه مع الحفاظ على السياسات ذاتها.

بين “الجمهورية الخامسة” وشارع يرفض الصمت

فرنسا عُرفت منذ 1958 باستقرار مؤسسات الجمهورية الخامسة، لكن السنوات الأخيرة تكشف العكس: خمسة رؤساء حكومات في أقل من ثلاث سنوات من ولاية ماكرون الثانية، وشارع يرفض الاستكانة. المقارنة مع “السترات الصفراء” ليست عابرة، فالمسألة تتعلق بشرعية القرار السياسي أمام شرعية الاحتجاج الاجتماعي.

أسئلة مفتوحة

هل ينجح لوكورنو في بناء توافقات برلمانية وتسكين غضب الشارع، أم أنه سيكون مجرد “كبش فداء” جديد يضاف إلى قائمة الضحايا السياسيين في عهد ماكرون؟

وهل يتحول شعار “لنشلّ كل شيء” إلى دينامية احتجاجية واسعة تُعيد خلط الأوراق، أم أن غياب قيادة واضحة سيجعلها مجرد موجة عابرة؟

الجواب لن يتأخر كثيراً، لكن المؤكد أن فرنسا تدخل مرحلة جديدة من الاضطراب، حيث لم يعد التغيير الحكومي كافياً لاحتواء أزمة أعمق: أزمة ثقة بين الشعب ومؤسساته.