صادرات الصناعات الدوائية الأجنبية بالمغرب تتجاوز 98 مليارا نزيف من العملة الصعبة ويعرقل مشروع التغطية الصحية الشاملة

0
414

“الأسعار الباهظة للدواء في المغرب تستفيد منها الشركات متعددة الجنسيات، وهو ما يعمق نزيف احتياطاتنا من العملة الصعبة ويعرقل مسيرتنا نحو التغطية الصحية الشاملة”.

الرباط – أظهرت صادرات الصناعات الدوائية بالمغرب تطورا مهما حتى نهاية يوليوز الماضي، إذ ارتفعت قيمة صادرات هذا القطاع بزائد 18.2 %، أي بـ 152 مليون درهم، (15.2 مليار سنتيم).

وأفادت إحصائيات مكتب الصرف، تطور صادرات المغرب من الصناعات الدوائية في اتجاه الأسواق الخارجية حتى متم يوليوز الماضي، إلى 985 مليون درهم، أي حوالي 98.5 مليار سنتيم، مقابل 833 مليون درهم، خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية.

وتحتضن المملكة 53 شركة دوائية، تتوفر 47 منها على مصنع للإنتاج، فيما تساهم هذه الصناعة في توفير 55 ألف فرصة عمل، منها 13 ألف فرصة عمل مباشرة، كما أن 99% من الأطر في هذه الشركات مغاربة.

يشار إلى أن الصناعة الدوائية تساهم بنسبة 1.5% في الناتج المحلي الإجمالي، و5.2% في الناتج الداخلي الخام الصناعي، فيما يعمل القطاع على سد الحاجة على الصعيد الوطني من خلال تصنيع الأدوية محليا بنسـبة تبلـغ 70% من حيـث الحجم، و54% من حيث القيمة.

يأخذ الاتحاد الوطني لصيادلة المغرب والنقابة الوطنية لصيادلة المغرب، على الحكومة، تحديد الأثمنة عبر تعديل مرسوم وزاري، دون استشارة ممثلي الصيادلة، معتبرين أنه تم الاقتصار على جلسات استماع وصفوها بـ”الصورية”، حيث تنتهي دون خلاصات أو توصيات.




ويشير مجلس المنافسة في تقرير له إلى أن سوق الأدوية ضيقة في المغرب، حيث لا يتعدى معدل الاستهلاك للفرد الواحد 45 دولارا سنويا، بينما يصل ذلك المعدل إلى 300 دولار في العام على المستوى الأوروبي.

ولاحظ مجلس المنافسة أن مستوى الاستهلاك الضعيف يدل على “العجز الكبير في دخول سكان المغرب للدواء، وهو عجز يتفاقم مع المستوى المرتفع لمساهمة الأسر في نفقات الصحة، والتي تناهز حوالي 48 في المائة، في الوقت الذي يبلغ فيه المتوسط العالمي 25 في المائة.

من جهته،قال عبد العزيز عدنان، في تصريح سابق، إن “جنة الأسعار الباهظة للدواء تستفيد منها الشركات متعددة الجنسيات، وهو ما يعمق نزيف احتياطاتنا من العملة الصعبة ويعرقل مسيرتنا نحو التغطية الصحية الشاملة”.

والواقع أن تنبيهات الفاعلين في مجال الصحة والدواء، سواء الحكوميين أو غيرهم، تواصلت بشكل لافت بشأن تحكم لوبيات شركات الأدوية بالمغرب في نظام أسعار الدواء في المملكة بشكل كبير.

وأفاد رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة (غير حكومية)، علي لطفي، أنه “نتيجة السياسة الصحية والدوائية المتبعة، هناك تغوّل لبعض شركات الأدوية التي تفرض سيطرتها على السوق من خلال الاحتكار، خاصة تلك المُستورِدة للأدوية من الخارج”.

وأضاف لطفي: “كثيراً ما نبهنا إلى خطورة تحكم لوبيات شركات الأدوية بالمغرب في نظام الأسعار؛ إذ إنه رغم المرسوم المتعلق بشروط وكيفيات تحديد سعر بيع الأدوية للعموم، فإن بعض الشركات تفرض أسعاراً خيالية لا علاقة لها بتكلفة ولا بأسعار المواد الأولية التي تُجلب من الهند أو الصين أو مصر بأسعار أقل، ويظل مع ذلك الثمن العمومي للدواء مرتفعاً ثلاثاً إلى خمس مرات مقارنة مع دول مغاربية أو أوروبية”.

أبعد من هذا، يرى المدافع عن الحق في الصحة، أن “هناك تدخلات سياسية أيضاً كانت حاسمة في تحديد أسعار الدواء، وتؤثر في هذا المجال لفائدة الشركات متعددة الجنسية بجانب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وارتباط العملية بالقروض من هذه المؤسسات المالية التي تتحكم فيها الشركات متعددة الجنسية”.

وبذلك يعد “مجال الأدوية في المغرب عالماً غير صحي يسود فيه الاحتكار والريع والجشع، وغياب الشفافية في مراقبة أرباح الشركات، ومراقبة جودة المواد الأولية المستوردة التي تستخدم في صناعة الدواء الأصلي أو الجنيس، ومراقبة علمية لجودة المنتوج الصحي والدوائي”، يردف نفس المصدر.




بدوره ، أكد الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية، الطيب حمضي ، أن استمرار ارتفاع ثمن الدواء يؤثر بشكل كبير على الأفراد والأسر وعلى صحتهم، ويُهدد المنظومة الصحية بأكملها؛ إذ ، أن “غلاء الدواء في المغرب عائق مزدوج كبير أمام ولوج المواطن إلى العلاج، ويثقل كاهل الأسر المغربية، وكذلك يضر بصناديق التأمين وبميزانية وزارة الصحة”.

وبلغة الأرقام، بيّن حمضي لـ”عربي بوست”، أن “مصاريف الصحة في المملكة تبلغ تقريباً 180 دولاراً سنوياً لكل نسمة وهو رقم ضعيف بالمقارنة مع دول أخرى”، لكن “30% من هذه المصاريف الصحية تتجه إلى التغطية الصحية كتكاليف للدواء، وهو رقم كبير جداً كنسبة، خصوصاً أنه في دول أخرى لا تتجاوز فيها نسبة تكاليف الدواء 10% إلى 15%”.

لهذا، “فمصاريف المواطن على ضعفها تلتهمها الأدوية وهو مشكل كبير، علماً أن 180 دولاراً من مصاريف الصحة يساهم فيها المغربي بما يقارب 60%؛ جزء يقدر بـ45% كمساهمات مباشرة، و12% عن طريق الاشتراك في صناديق التأمين، بينما تفرض المعايير الدولية ألا تتجاوز مساهمة الأسر 25%”، يوضح المصدر ذاته.

ويطالب الباحث في السياسات والنظم الصحية “بتشجيع الصناعة الدوائية الوطنية؛ لأنه كلما كانت هناك صناعة وطنية قوية كان هناك دواء أرخص، علاوة على تشجيع استعمال الأدوية الجنيسة في المملكة (نستهلك 40% جنيس و60% الأصلي غالي الثمن)، وهذا مشكل مرتبط باستراتيجية الوزارة، ومرتبط بالقوانين واتفاقيات مع الأطباء والصيادلة وغيرهم”.

كما دعا الباحث نفسه إلى “مراجعة شبكة توزيع الأدوية التقليدية، والقوانين المنظمة لبيع الدواء في الصيدليات”، مشيراً إلى أن “كلفة سلة الدواء تقضم ميزانية المصاريف الصحية المُخصصة للعلاج”.