صبراتة تشتعل في العيد: هل تتحول “عاصمة تهريب البشر” إلى بؤرة انفجار إقليمي في ظل صمت دولي وعجز ليبي؟

0
94

بينما كانت مكبرات الصوت في مساجد مدينة صبراتة تردد تكبيرات عيد الأضحى، جاء دوي قذائف الـ«آر بي جي» ليخرق فرحة الأهالي ويعيد المدينة إلى مشهدها المعتاد: اشتباكات بين ميليشيات تتقاسم النفوذ والولاء والمصالح في منطقة تُوصف منذ سنوات بـ«المعبر الأخطر نحو أوروبا».

ما وقع مساء الخميس وحتى فجر الجمعة في صبراتة، المدينة الواقعة على بعد 70 كلم غرب العاصمة الليبية طرابلس، لم يكن مجرد تبادل نار بين مسلحين، بل هو امتداد لصراع أعمق يعكس هشاشة الدولة الليبية، وتواطؤ شبكات محلية وإقليمية ودولية في اقتصاد الحرب وتهريب البشر.

الميليشيات المتورطة، من بينها مجموعة «العمو» (أحمد الدباشي)، لم تعد مجرد عصابات منفلتة، بل باتت تملك سلطات واقعية، وتُتهم من قبل منظمات دولية، كمنظمة الهجرة الدولية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بأنها تدير جزءاً من شبكة دولية لتسهيل العبور غير الشرعي نحو أوروبا، عبر ما يسمى «الممر الليبي».

لكن السؤال الأهم: لماذا تستمر هذه البؤر في الانتعاش؟ ولماذا لم يُعالج الملف جذرياً رغم توالي التقارير الحقوقية، الأممية والإقليمية، منذ سنوات؟

تشير تقارير دولية، من بينها تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، إلى أن العديد من الميليشيات المتهمة بتهريب البشر ترتبط بعلاقات غير معلنة مع جهات أمنية أو سياسية داخل ليبيا، وتستفيد أحياناً من غضّ الطرف من قبل بعض الدول الأوروبية، في إطار مقايضة غير أخلاقية هدفها “منع تدفق المهاجرين”، ولو على حساب الكرامة والإنسانية.

وما علاقة المغرب بكل هذا؟

الربط بالسياق المغربي ضروري، لأن مئات الشباب المغاربة يمرّون عبر ليبيا في طريقهم إلى الحلم الأوروبي. شهادات كثيرة وثقتها منظمات مغربية ودولية، منها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، تؤكد تعرض مهاجرين مغاربة للاحتجاز والتعذيب في مراكز يديرها مهربو البشر غرب ليبيا، لا سيما في صبراتة والزاوية وزوارة.

بل إن بعض العائدين من هناك تحدثوا عن تعاون غير مباشر بين شبكات مغربية وليبية تنسق عمليات التهريب، مستغلة الفقر واليأس في الأوساط الهشة بالمغرب، دون أن تفتح السلطات المغربية أو الليبية تحقيقات معلنة حول هذه المزاعم الخطيرة.

الأسئلة التي يجب ألا تغيب:

  • من يموّل هذه الميليشيات؟ وهل تتلقى دعمًا أو تغطية من جهات رسمية؟

  • ما موقف السلطات الليبية مما يحدث؟ وهل هي عاجزة أم متواطئة؟

  • هل تتقاطع مصالح بعض القوى الغربية مع استمرار هذه الشبكات من أجل ضبط “صنبور الهجرة” نحو أوروبا؟

  • لماذا لم يُفتح تحقيق دولي شفاف في اتهامات الاتجار بالبشر عبر ليبيا؟

  • وأين دور المغرب في حماية مواطنيه من هذه الرحلات القاتلة؟

نداء للأمم المتحدة… ولكن!

رغم مناشدة مبعوثة الأمم المتحدة هانا تيتيه الحفاظ على «الهدنة الهشة» والاحتكام إلى الحوار، تبدو هذه الدعوات، في ظل استمرار الاقتصاد الموازي للحرب، أشبه بمحاولات لتجميل واقع منهار. كما أن تصريحات المسؤولين الليبيين، المدنيين والعسكريين، لم تتطرق بشكل واضح إلى محاسبة الميليشيات المتورطة.

خاتمة:

إن ما يحدث في صبراتة ليس حادثًا عابرًا، بل هو مشهد من مسرحية مأساوية تُدار على أنقاض دولة مدمرة، وشباب مغاربي تائه بين فشل الداخل ووهم الخارج. تحتاج ليبيا إلى أكثر من تهاني العيد، وتحتاج المنطقة برمتها إلى سياسة إنسانية صارمة ضد شبكات الموت… لا مجرد بيانات دبلوماسية ناعمة.