دخل الصراع الدائر داخل حزب “العدالة والتنمية”، أكبر حزب في الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، منعطفاً حاسماً، بعد أن أعلن رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران الخميس تجميد عضويته في حزب “العدالة والتنمية” و( ليس الإستقالة)، احتجاجاً على تبني الحكومة التي يرأسها حزبه بقيادة سعد الدين العثماني مشروع تقنين زراعة القنب الهندي.
كما أعلن القطيعة مع العثماني وعدد من قيادي الحزب. فهل هي بداية في تصدع الحزب الإسلامي الذي قاد الحكومة في المملكة لولايتين متاليتين؟
وكان الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني قد زار يوم الثلاثاء الماضي بيت بنكيران من أجل شرح موقف الأمانة العامة من مشروع القانون، في محاولة منه لتجنيب الحزب أزمة داخلية.
وسبق لرئيس المجلس الوطني للحزب ادريس الأزمي الإدريس أن قدم استقالته من مهامه الحزبية، بعد الإعلان عن مناقشة مشروع القانون في المجلس الحكومي.
وقال بنكيران، رئيس الحكومة السابق (2012 – 2017)، الاثنين الماضي إنه يعتزم الانسحاب من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي، إذا وافق نواب الحزب في البرلمان على مشروع قانون أعدته الحكومة لتقنين القنب الهندي (الحشيش).
وأضاف بنكيران في وثيقة نشرها موقع محلي خاص “بصفتي عضوا في المجلس الوطني للحزب (مجلس شورى الحزب)، أعلن أنه في حالة ما إذا وافقت الأمانة العامة للحزب على تبني القانون المتعلق بالقنب الهندي، فإنني سأجمد عضويتي في الحزب”.
وقد أعلن حزب العدالة والتنمية، السبت الماضي، في بيان عن عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني يومي 20 و21 مارس الجاري، أنه سيتم خلال هذه الدورة “عرض ومناقشة طلب استقالة رئيس المجلس الوطني والتصويت عليها” و”مناقشة آخر المستجدات السياسية واتخاذ المواقف اللازمة بشأنها”.
ومشروع القانون الذي أجلت الحكومة المغربية درسه في أكثر من مناسبة بعدما أدى طرحه الى تجاذبات، بخاصة داخل حزب “العدالة والتنمية” الذي يقود الحكومة منذ ولايتين، تم تمريره بالإجماع بعدما اخذت بالاعتبار التعديلات التي تقدم بها مسؤولون في الحكومة المغربية.
ويأتي هذا المشروع انسجاماً مع توصيات منظمة الصحة العالمية بشأن إعادة تصنيف نبتة القنب الهندي، وذلك بالشكل الذي يتلاءم مع المستجدات العلمية التي أظهرت أنها تتوافر على مزايا طبية وعلاجية.
وأشارت المذكرة التقديمية الى أن المغرب يمكنه أن يستثمر الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع، بالنظر الى المؤهلات البشرية والبيئية التي يتمتع بها، علاوة على موقعه الاستراتيجي القريب من أوروبا التي تعد الأكثر اقبالاً على منتوجات القنب الهندي.
واعتبرت وزارة الداخلية التي أعدت مشروع القانون أن تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات، وسيحد لا محالة من الانعكاسات السلبية التي يفرزها انتشار الزراعات غير المشروعة على الصحة والبيئة.
ويطمح المغرب الذي يعدّ أول منتج لمخدر الحشيشة في العالم إلى الاستفادة من زراعة القنب الهندي في الاستعمالات الطبية والصناعية، بعد أن صادقت الحكومة الخميس على مشروع تقنين هذه الزراعة المدرة لثروة يحتكرها حاليا مهربو المخدرات.
يراهن المشروع على استغلال “الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع”، و”استقطاب الشركات العالمية المتخصصة في هذا الميدان”. بينما يظل استعمالها لأغراض “ترفيهية” محظورا.
كما يسعى إلى “تحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات”.
ويقول عالم الاجتماع خالد مونا إن تبني هذا المشروع “نهاية محظور سياسي وتتويج لحركية أطلقت قبل 15 عاما من أعلى هرم الدولة”.
هذه أول مرة تتبنى فيها السلطات رسميا مشروعا لتقنين زراعة القنب الهندي لاستعمالات مشروعة، بعدما ظل الموضوع يثير جدلا واسعا منذ سنوات. وهو صار الآن في انتظار تبنيه من طرف البرلمان.
ظلت زراعة هذه النبتة شائعة في عدة مناطق مغربية، وتحوّل أوراقها إلى مخدر “الكيف” التقليدي. لكنها منعت العام 1954 دون أن تختفي عمليا حيث بقيت تزرع بشكل غير قانوني في المناطق الشمالية، ليستخرج منها مخدر الحشيشة الذي يتولى المهرّبون نقله إلى أوروبا أساسا.
وصنف التقرير السنوي لمكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة العام الماضي المغرب أول منتج لهذا المخدر في العالم.
أما المساحة التي تغطيها هذه الزراعة فقدرت العام 2019 بحوالي 55 ألف هكتار، وفق ما أوردت وكالة الأنباء المغربية في ملف حول الموضوع الذي يثير اهتماما إعلاميا واسعا. وهو ما يفوق تقديرات الأمم المتحدة للعام 2018 (نحو 47 ألف هكتار).
يُذكر أن الملك المفدى محمد السادس حفظه الله ورعاه عين حكومة جديدة برئاسة العثماني بعد حوالي ستة أشهر على الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2016، وحصل فيها حزب العدالة والتنمية على 125 مقعدا من أصل 395 مقعدا بمجلس النواب.
وتعذر تشكيل الحكومة برئاسة بنكيران رئيس الحكومة السابق، نتيجة خلافات بين الأحزاب المشاركة في الائتلاف.