صفقات الأدوية بين خطاب الحكومة وأسئلة المعارضة… هل نحن أمام أزمة حكامة أم شبكة مصالح تتداخل مع القرار العمومي؟

0
115
صورة : موع العدالة والتنمية

في جلسة برلمانية اتسمت بالتوتر والحدة، أعاد عبد الله بوانو، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، فتح ملف صفقات الأدوية، مُطلقاً قذائف سياسية وفنية في آن واحد، وهو يلمّح—دون تسمية مباشرة—إلى وجود تنازع مصالح داخل الحكومة، وإلى اختلالات قد تمس جوهر منظومة الدواء، من الترخيص إلى المشتريات، مروراً بوفرة الأدوية الأساسية التي يعرف بعضها خصاصاً مزمنًا.

ورغم طول مداخلته وتشتت تفاصيلها، إلا أن الرسالة المركزية واضحة: هناك شيء غير مفهوم في الكيفية التي تُدبّر بها منظومة الأدوية في المغرب، وهناك أسئلة لم تقدّم الحكومة جواباً مقنعاً عنها.

معالم أزمة بنيوية… وليست حادثاً طارئاً

منذ بداية حديثه، بدا بوانو حريصاً على التأكيد أن الموضوع أكبر من “سعر دواء” أو “صفقة مشكوك فيها”. الرجل يتحدث عن بنية حكامة لا تعمل بشفافية كافية، وعن مؤسسات تعرف مسبقاً ندرة بعض الأدوية ستة أشهر قبل حدوثها، ومع ذلك لا تتحرك.

يطرح بوانو هنا سؤالاً جوهرياً:

كيف يمكن لقطاع يضم وزارة، ومديريات مركزية، ووكالة وطنية للدواء، أن يعرف مسبقاً بوجود خصاص في أدوية حيوية، ولا يتخذ الإجراءات؟
هل نحن أمام عطب إداري… أم أمام انتقاء مقصود يفسح المجال لنوع من التحكم في السوق؟

 الصفقات العمومية… هل أصبحت بوابة للالتفاف على قواعد المنافسة؟

استند بوانو إلى معطيات رسمية—كما قال—مفادها أن 50% من طلبات العروض المفتوحة لسنة 2025 خرجت “غير مجدية”.
وهذه نقطة شديدة الحساسية، لأن فشل طلبات العروض يفتح عملياً الباب أمام اللجوء إلى الترخيص الاستثنائي والتفاوض المباشر، وهو ما ينتقده بوانو باعتباره قناة محتملة لتضارب المصالح.

ويذهب أبعد من ذلك حين يشير إلى:

  • شروط تقنية ومالية “مجحفة” تُقصي عدداً من الشركات،

  • ثم يتم اللجوء بعدها إلى صفقات بديلة أو استثنائية،

  • وهو ما يثير السؤال:
    هل الشروط صُمّمت لضمان الجودة… أم لإخراج المنافسين؟

هنا ينتقل بوانو من النقد السياسي إلى ضرب قلب المنظومة التقنية.

تساؤلات حول الوكالة الوطنية للدواء… وملفات “لا أحد يعرف أين توجد”

ربما كان هذا الجزء الأكثر حساسية في مداخلة بوانو.
الرجل تحدث عن ملفات دواء “لا يعرف أحد أين توجد”، واتهم الوكالة الوطنية للدواء بأنها تحتفظ بمعلومات دقيقة حول الأدوية التي ستشهد خصاصاً دون أن تُترجم تلك المعرفة إلى قرارات استباقية.

ويُلمح ضمناً إلى احتمال أن:

  • المعلومة تتحول إلى سلطة،

  • والسلطة تتحول إلى امتياز،

  • والامتياز قد يُفضي إلى تنازع مصالح.

هذه معادلة يعرف المغاربة وقعها في قطاعات أخرى… ويخشون أن تمتد للدواء.

الرسائل السياسية لبوانو… ومعضلة 133

يتحدث بوانو عن “مفاجأته” لاستعمال الحكومة للمادة 133 لإغلاق النقاش حول بعض الملفات، معتبراً أن هذا الإجراء، وإن كان قانونياً، “يضع غطاءً سياسياً على ملف يستحق فتحه لا إغلاقه”. ويعترف بكونه داخل حزبه طلب مرات عدة فتح مسطرة “تقسي الحقائق”، لكن الأمانة العامة فضّلت انتظار جواب الحكومة.

وبعد الاستماع إلى الوزراء، يقول بوانو:

“لم نسمع شيئاً جديداً”.

هنا يطرح السؤال الأوسع:

هل البرلمان المغربي قادر فعلاً على ممارسة الرقابة عندما يتعلق الأمر بقطاع حساس كالأدوية؟ أم أن حدود الرقابة تُرسم سياسياً قبل أن تُحدَّد قانونياً؟ هل نحن أمام تضارب مصالح… أم سوء تدبير؟

بين السطور، بوانو لا يتهم شخصاً ولا حزباً، لكنه يقدّم “معطيات” يدعو إلى التحقيق فيها:

  • صفقات يتكرر فشلها،

  • شروط تمنع المنافسة،

  • ملفات لا يُعرف موقعها،

  • أدوية تعرف الخصاصة مسبقاً،

  • وترخيصات استثنائية تُفتح ثم تُغلق دون تفسير واضح.

السؤال المركزي الذي يبقى معلقاً:

**هل نحن أمام تنازع مصالح فعلي داخل الحكومة؟

أم أمام منظومة تدبير مترهلة تحتاج لإعادة بناء شاملة؟**

خلاصة تحليلية

مداخلة بوانو، رغم طولها وتداخل خيوطها، تُعيد طرح سؤال يُحرج الحكومة:

من يحمي السيادة الدوائية للمغرب؟

هل المؤسسات التنظيمية قادرة على اتخاذ قرار مستقل بعيداً عن ضغط السوق؟ وهل تشتغل آليات الشفافية والمنافسة بشكل طبيعي أم أنها تحتاج إلى فتح ملفات قد تكون محرجة لكنها ضرورية لإعادة الثقة؟

إن المعركة الحقيقية ليست بين الأغلبية والمعارضة. المعركة بين مواطن يحتاج دواءه في الوقت المناسب، وبين منظومة تزداد ضبابية حين يتعلق الأمر بالصفقات والامتيازات.

والسؤال الذي لم يُجب عنه أحد بعد هو: من يستفيد من هذه الضبابية؟