صفقات وهمية، أبناء وزوجات، وخروقات بالجملة: ماذا يحدث خلف أبواب مجالس الجماعات المغربية؟

0
215
صورة: و.م.ع

في صمت رسمي وملفات تُحجب عن الأنظار، تكشف تقارير سرية للجنة الحسابات جهات كبرى بالمغرب عن شبكة من الخروقات المالية المذهلة، التي يبدو أن بعض المجالس الجماعية أصبحت ملعبًا لمصالح خاصة وأعمال تجارية مشبوهة. الدار البيضاء-سطات، مراكش-آسفي، وفاس-مكناس، ثلاث جهات تكاد تتشابه قصصها: صفقات عمومية تمنح لشركات وهمية أو لشركات أنشأها أبناء وأزواج المنتخبين لتجاوز القوانين.

الشركات الوهمية: بين التوقيعات المزدوجة والتحويلات المشبوهة

مصادر مطلعة تؤكد أن القضاة المكلفين بالحسابات رصدوا خلال عمليات التفتيش معاملات مالية مثيرة للريبة. توقيعات المديرين المسيرين تتداخل مع الملاك الأصليين، وتحويلات مالية تُسجل في حسابات مصرفية بطريقة مخالفة للقوانين المعمول بها، خصوصًا في التعامل بين البنوك والشركات.

تقرير مصغر: في جماعة بإحدى جهات الدار البيضاء، تبين أن شركة واحدة حصلت على عدة عقود متتالية، رغم عدم توفرها على أبسط مقومات الشخصية الاعتبارية، بينما أشرف رئيس المجلس على تأسيس شركات باسم أبنائه وأزواجه لتجاوز قيود تضارب المصالح.

التغاضي عن التأهيل القانوني: طريق مفتوح للشركات الوهمية

أظهرت التقارير أن بعض المجالس تغاضت عن فرض شهادة التأهيل، المقررة من قسم المالية المحلية، ما سمح لشركات بلا ضمانات قانونية بالمشاركة في صفقات حساسة. مشاريع هيكلية مهمة، تدخل في إطار المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة والمستدامة، مثل تأهيل الشبكة الطرقية، أصبحت محل شكوك حول نزاهة تنفيذها.

تقرير مصغر: إحدى الجماعات في جهة مراكش-آسفي أبرمت صفقات بملايين الدراهم لشركات لم تقدم أي دليل على قدرتها الفنية، بينما تم رفض التأشير على صفقات أخرى لارتفاع تكلفتها مقارنة بالخدمات المقدمة.

الميزانيات تحت النار: نفقات فلكية في زمن التقشف

أثارت التقارير تساؤلات حول تجاوزات في مصاريف التسيير والتجهيز، صفقات الدراسات، شراء العتاد، فواتير الوقود، صيانة الحظائر، خدمات الاتصالات والماء والكهرباء، وصفقات النظافة، رغم أن وزارة الداخلية كانت قد دعت إلى التقشف وإعطاء الأولوية للنفقات الإجبارية مثل الرواتب، مستحقات الماء والكهرباء، الكراء، والقروض.

تقرير مصغر: جماعة بإحدى جهات فاس-مكناس خصصت ملايين الدراهم لإصلاح سيارات ومعدات بينما كانت مشاريع البنية التحتية الأساسية تتأخر لسنوات.

تضارب المصالح: القانون واضح، لكن هل يُنفذ؟

عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، وجّه مراسلة للولاة والعمال لتفعيل مسطرة العزل في حالات “تضارب المصالح”. المادة 65 من القانون التنظيمي 113.14 واضحة: لا يجوز لأي عضو في مجلس جماعي ربط مصالحه الخاصة مع الجماعة أو شركات التنمية التابعة، أو المشاركة في صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات.

لكن الواقع يطرح سؤالًا حارقًا: إذا كان القانون واضحًا، لماذا تستمر هذه التجاوزات؟ هل هي ضعف في الرقابة، غياب إرادة سياسية، أم أن اللعبة المالية والسياسية أكبر من أي قانون؟

أسئلة مفتوحة: من يجرؤ على المحاسبة؟

التقارير جاهزة، ملفات الخروقات مُسجلة، لكن المواطن العادي يبقى أمام حقيقة صعبة: هل يمكن الوثوق بمسار التنمية المحلية في ظل هذه الشبكات المشبوهة؟ هل ستتحرك السلطات بشكل فعلي لمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات؟

الرقابة القانونية موجودة، لكن القدرة على تطبيقها والتأكد من نزاهة الصفقات تبقى محل شك كبير. ووسط هذا الواقع، يطرح السؤال الأكبر: من سيوقف هذه الممارسات قبل أن تتحول القوانين إلى حبر على ورق؟