صلاحيات ممثلي الأجراء في ضوء التشريع الوطني والدولي والعمل القضائي

0
421

مقدمة:

بحكم تجربتي واهتمامي بالاشتغال والبحث في مجال المؤسسات التمثيلية للأجراء، لما يزيد عن ربع قرن، سيما في القطاع العمومي، في إطار اللجان المتساوية الأعضاء، أو في القطاع الخاص، حيث مارسنا خلالها مهمة مندوب الأجراء ومسؤول نقابي، والعضوية في كل من لجنة الحوار الاجتماعي ولجنة المقاولة ولجنة صياغة النظام الداخلي، ومجموعة من اللجان الوظيفية الاجتماعية، وبالنظر لاهتمامي المستمر بتشريع الشغل والقانون الاجتماعي عامة، وتتويجا لمساهماتي العلمية المختلفة في المجال، سواء من خلال الأبحاث القانونية المتعددة، أو المقالات الموضوعتية وبرامج التوعية والاستشارة القانونية، أو من خلال المساهمة في تأطير ندوات وطنية ودولية ذات الصلة بموضوع التشريعات الاجتماعية، فقد استوقفني موضوع ممثلي الأجراء، كل من مؤسسة مندوب الأجراء ومؤسسة ممثل النقابي، على اعتبارهما آلية لتحقيق استقرار الاجتماعي والنهوض بتنافسية المقاولة()، أمام الاستعدادات الجارية لانتخابات مندوبي الأجراء() بالمقاولات أو المؤسسات، على الصعيد الوطني، والتي تهم القطاعات التي تسري عليها أحكام مدونة الشغل، والتي تجرى هذه الانتخابات وفق التواريخ، والإجراءات التي تحددها السلطة الحكومية المكلفة بالشغل()))، وهذه الانتخابات التي ستجري وفق التواريخ، والإجراءات التي حددتها السلطة الحكومية المكلفة بالشغل()، تعتبر أولى محطات مسلسل الاستحقاقات التي تستعد لها بلادنا تنظيمها خلال الفترة الممتدة بين 10 و20 يونيو 2021 بمقتضى قرار لوزير الشغل والإدماج المهني رقم 955.21 صادر بتاريخ 6 أبريل 2021()، خاصة وأن هذه الانتخابات ستجري في ظروف استثنائية، تتجلى أساسا في مواجهة المقاولة لتداعيات جائحة فيروس كورونا-كوفيد 19، وفي ظل ما يعرف بالموجة الثالثة والطفرات المتحورة لهذا الفيروس، الشيء الذي يستلزم على المشغل الاستمرار في احترام كافة التدابير الاحترازية التي أوصت بها السلطات المختصة، قصد الحفاظ على صحة وسلامة الأجراء، وضمان حسن سير العملية الانتخابية التي تسهر عليها وزارة الشغل والادماج المهني.

وتكتسي هذه الانتخابات أهمية كبرى، والتي تبرز على عدة مستويات، من جهة، أن المنظمات النقابية، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، تساهم في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها، وهو ما يقضي به الدستور()بمقتضى الفصل 8 منه()، ومن جهة أخرى، أن اكتساب شرعية التمثيل يمر وجوبا عبر الانتخابات الحرة والنزيهة والمنتظمة، كما تؤكده مقتضيات الفصل الثاني من الدستور().

كما أن أهمية هذه الانتخابات تكمن في كونها تعتبر الوسيلة الوحيدة لتفعيل المعيار القانوني الأساسي لتحديد المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا على مستوى المقاولات أو المؤسسات وعلى الصعيد الوطني، مع ما يترتب عن ذلك من حقوق  وصلاحيات يخولها القانون لهذه المنظمات في مجال تمثيل الأجراء بمجلس المستشارين، وتأطيرهم والمشاركة في المفاوضة الجماعية والحوار الاجتماعي، وتوقيع اتفاقيات الشغل الجماعية، والمساهمة في تطوير القانون التعاقدي للشغل، ناهيك عن الحقوق والصلاحيات المخولة لمندوبي الاجراء بهذه الصفة كممثلين داخل الهيئات التمثيلية للأجراء على مستوى المقاولة والمؤسسة، من تقديم شكايات الأجراء للمشغل ذات علاقة بظروف الشغل أو احالتها على العون المكلف بتفتيش او تقديم المشورة في عدة مواضيع ذات علاقة بتنظيم الشغل، ومشاركتهم الالزامية في لجان استشارية، كلجنة المقاولة ولجنة السلامة وحفظ الصحة، وما إلى ذلك. 

 وفي ظل تطور مفهوم المقاولة واتساع نشاطها وازدياد عدد أجرئها، فقد تحتم على المشرع المغربي العودة الى تنظيم ممثلي الاجراء وتطويره وفق المتطلبات الحديثة، كجهاز للتواصل بين أجراء المقاولة والمشغل، تبقى الاشكالية المطروحة، أنه مع توسيع مهام ممثلي الأجراء بمقتضى أحكام مدونة الشغل، والتي تتضمن مقتضيات حمائية تسري على هده الفئة من الأجراء، من جهة، ومصادقة المغرب على اتفاقيات دولية بشأن توفير الحماية والتسهيلات لهذه الفئة من الأجراء والتشجيع على مفاوضة الجماعية، وعلى اعتبار أت اتفاقية الدولية بعد المصادقة عليها تسمو فور نشرها بمقتضى الدستور المغربي، من جهة أخرى، فإلى أي حد عمل المشغل على احترام وتفعيل هذه المقتضيات التشريعية الوطنية والدولية؟

ولذلك ارتأينا المشاركة بهذا الموضوع، الذي نسعى من ورائه أن يكون “دليل عملي” وكخريطة الطريق من الناحية القانونية، ولو بشكل موجز، نساهم من خلاله تقريب الطرفين، كل من ممثلي الأجراء، والمشغلين، وبالخصوص المسؤولين عن المصالح المكلفة بشؤون الأجراء، أو ما يصطلح عليه بمصلحة الموارد البشرية، من المهام القانونية المخولة لممثلي الأجراء بمقتضى التشريع الوطني، من خلال مقتضيات مدونة الشغل والمراسيم والقرارات، والتشريع الدولي، من خلال الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية وفق ما يقضي به الدستور()، إلى جانب العمل القضائي، من خلال بعض قرارات محكمة النقض ذات علاقة بالموضوع. وهذا لا يمنع كذلك، على الأجراء بصفة عامة والباحثين من تقريبهم باختصاصات ممثلي الأجراء في ضوء التشريع الوطني والدولي والعمل القضائي، الذي هو موضوعنا. 

وعليه، سنعمل على تقسيم موضوعنا لثلاثة محاور أساسية:

المحور الأول : نطاق تطبيق نظام مندوبي الأجراء في ضوء مدونة الشغل

المحور الثاني: مجال تدخل مؤسستي ممثلي الأجراء في ضوء التشريع الوطني والدولي 

المحور الثالث: الضمانات القانونية المتصلة بممارسة مهام مندوبي الأجراء

المحور الرابع: ممثلي الأجراء بين الحماية التشريعية والقضائية

المحور الأول

نطاق تطبيق نظام مندوبي الأجراء في ضوء مدونة الشغل

حدد المشرع المغربي نطاق تطبيق نظام مندوبي الأجراء بمقتضى المادة 430 من مدونة الشغل، على المؤسسات التي تشغل اعتياديا ما لا يقل على 10 أجراء دائمين، تقضي هذه المادة على أنه ((يجب أن ينتخب، بالشروط المنصوص عليها في هذا القانون، مندوبون عن الأجراء، في جميع المؤسسات التي تشغل اعتياديا ما لا يقل عن عشرة أجراء دائمين)). وانطلاقا من مضمون نص المادة نجد أن المشرع قد أقر تطبيق هذا النظام على جميع المؤسسات وبشكل إلزامي، وليس بشكل اختياري، ما دام أن النص جاء يصيغة الوجوب “يجب” وليس بصيغة الممكن، “يمكن”.

كما أن نطاق تطبيق المادة 430 من مدونة الشغل جاء بصيغة المطلق” جميع المؤسسات”، ولذلك لا مجال لاستثناء أي مقاولة أو مؤسسة تطبق عليها أحكام مدونة الشغل من نظام مندوبي الأجراء. 

إذا، ماهي المؤسسات التي يشملها نظام مندوبي الأجراء في ظل مدونة الشغل؟ ثم كيف يتم تحديد مقاعد مندوبي الأجراء لكل هيئة داخل المؤسسة.   

أولا: المؤسسات التي يشملها نظام مندوبي الأجراء

استنادا إلى مقتضيات المادتين الأولى والثانية من مدونة الشغل، فإن نظام مندوبي الأجر يمتد ليشمل كل من المقاولات الصناعية والتجارية، ومقاولات الصناعة التقليدية، والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها، وكذا المقاولات والمؤسسات التابعة للدولة والجماعات المحلية، إذا كانت تكتسي طابعا صناعيا أو تجاريا أو فلاحيا، والتعاونيات والشركات المدنية، والنقابات والجمعيات والمجموعات على اختلاف أنواعها، إضافة إلى فروع ووكالات تلك المؤسسات.

والأصل في تطبيق نظام مندوبي الأجراء، وهو أن يتم على مستوى المؤسسة بمفهومها في قانون الشغل كوحدة تقنية للإنتاج تشغل مجموعة معنية من الأجراء، وفق ما ذهب به  جانب من الفقه()، على اعتبار أن المقاولة قد تحتوي على عديد من المؤسسات، فيتم إحداث نظام مندوبي الأجراء في كل فرع أو مؤسسة تشغل بصفة اعتيادية ما لا يقل عن  10 أجراء دائمين، وقد تضم المقاولة مؤسسة واحدة، ففي هذا الحالة يسري على المقاولة نفس الحكم الذي يسري على المؤسسة().   

وإذا كان المشغل ملزم بتهيئ كل ما يتعلق بانتخابات مندوبي الأجراء، بالشروط المنصوص عليها قانونا، وهو ما يستنتج من الفقرة الأولى من المادة 447 من مدونة الشغل، التي تنص  على أنه ((يجب على المشغل أن يجري انتخابات مندوبي الأجراء))، فإن هذا لا يلزم على الأجراء بالترشيح أو الانتخاب، إن كانوا لا يرغبون في وجود نظام مندوبي الأجراء ، على اعتبار أن الانتخاب أو الترشيح حرية عامة يتمتع بها كل الأجير.

أما فيما يتعلق بالمؤسسات التي تشغل أقل من 10 أجراء دائمين، فلا مانع في اتباع نظام مندوبي الأجراء، على أساس أن يتم ذلك بمقتضى اتفاق كتابي، وهو ما تقضي به نص المادة 431 من مدونة الشغل()، وقد تم التأكيد عليه بمقتضى المادة 3 من قرار وزير التشغيل والتكوين المهني رقم 2288.08 الصادر بتاريخ 17 ديسمبر 2008().

لكن، إن إمكانية اتباع هذه المؤسسات التي تشغل أقل من 10 أجراء دائمين  لنظام مندوبي الأجراء، يستوجب أن تتوفر هذه المؤسسات على حد أدنى من الأجراء المتمتعين بالأهلية الانتخابية، المحدد في 5 أجراء، وذلك حتى يتسنى لها من تشكيل مكتب التصويت الذي يتكون من 3 أجراء (الأجير المتوفر على أكبر أقدمية في المؤسسة، الأجير الأكبر سنا، الأجير الأصغر سنا)، وفق ما تقضي به المادة 18 من قرار الوزاري رقم 2288.08()، بالإضافة للأجيرين المقبلين على الترشح لشغل منصب مندوب الأجراء ونائبه()، وهو ما يوضحه دليل انتخابات مندوبي الأجراء في القطاعات الخاضعة لمدونة الشغل لسنة 2021().

ثانيا: كيفية تحديد مقاعد مندوبي الأجراء داخل المؤسسة 

قبل إجراء انتخابات مندوبي الأجراء، يستوجب على المؤسسة المعنية بانتخابات مندوبي الأجراء العمل على تحديد عدد المقاعد التي سيتبارى عنها الأجراء المرشحين لمهمة مندوبي الأجراء. لكن كيف يتم تحديد هذه المقاعد وعلى أي معيار يستند عليه؟

لتحديد عدد المقاعد المخصصة لمندوبي الأجراء، الأصليين ونوابهم، يقتضي منا الرجوع لمقتضيات المادة 430 من مدونة الشغل، التي تحدد  عدد مندوبي الأحراء الواجب انتخابهم بناء على العدد الإجمالي لأجراء المؤسسة المعنية، وذلك على النحو التالي:

  • من 10 أجراء إلى 25 أجير: مندوب أصلي ومندوب نائب؛

  • من 26 أجيرا إلى 50 أجيرا: مندوبان أصليان ومندوبان نائبان؛

  • من 51 أجيرا إلى100 أجير:  ثلاثة مندوبين أصليين وثلاثة مندوبين نواب؛

  • من 101 أجير إلى 250 أجيرا: خمسة مندوبين أصليين وخمسة مندوبين نواب؛

  • من 251 أجيرا إلى 500 أجير: سبعة مندوبين أصليين وسبعة مندوبين نواب؛

من 501 إلى 1000؛ تسعة مندوبين أصليين وتسعة مندوبين نواب؛

يضاف مندوب أصلي، ومندوب نائب، عن كل مجموعة إضافية، تتكون من 500 أجير.

وفي هذه الحالة الأخيرة، فإنه لا يمكن اضافة مندوب أصلي وآخر نائب إلا من 1001 إلى 1500 أجير، ومن 1501 إلى 2000 أجير وثم من 2001 إلى 2500 أجير ..إلخ، كما أنه لا يجوز الزيادة في العدد من المندوبين الموازي للأجراء بالمقاولة، وهو ما شددت عليه المادة 12 من القرار الوزاري رقم 2288.08 عندما نصت على أنه (( يجب ألا تتضمن أية لائحة من لوائح الترشيح عدد يفوق عدد المقاعد المتعين شغلها)).

المحور الثاني

مجال تدخل مؤسستي ممثلي الأجراء في ضوء التشريع الوطني والدولي

 بداية لا بد من توضيح معنى “ممثل الأجراء”، الذي يتم تداوله كثيرا في الكتابات القانونية، وإن كانت مدونة الشغل لم تتطرق لهذا المعنى بشكل صريح، ماعدا ما نستنتجه من خلال مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 67 من مدونة الشغل التي تحيلنا على المادة 66 منها، وقد حيث استعملت المدونة هذا المصطلح مرة واحدة، وهو ما جاءت به الفقرة الثانية من المادة 67(). 

لكن برجوعنا لمقتضيات الاتفاقية الدولية رقم 135 بشأن توفير الحماية والتسهيلات لممثلي العمال في المؤسسة، وهي الاتفاقية المعتمدة من قبل المؤتمر العام للمنظمة الدولية للشغل في دورته السادسة والخمسين المنعقد بجنيف في 23 يونيو 1971، وقد أصبحت هذه الاتفاقية نافذة بالمغرب بمقتضى ظهير شريف رقم 1.01.279 الصادر بتاريخ 12 ماي 2003()، نجدها قد حددت المعنى الحقيقي لمصطلح “ممثل الأجراء”، وذلك من خلال مقتضيات المادة الثالثة منه، نصت على أنه ((في مفهوم هذه الاتفاقية تعني عبارة “ممثلو العمال” الأشخاص الذين تعترف لهم بهذه الصفة بموجب القوانين أو الممارسات الوطنية، وكذلك سواء كانوا:

  • ممثلين نقابيين، أي ممثلين تعينهم أو تنتخبهم النقابات أو أعضاء هذه النقابات؛

  1.  ممثلين منتخبين، أي ممثلين ينتخبهم عمال المؤسسة بحرية وفقا لأحكام القوانين واللوائح الوطنية أو الاتفاقات الجماعية، ولا تتضمن مهامهم أنشطة تعتبر من اختصاص النقابات وحدها في البلد المعني)).

وبناء على مضمون نص المادة 3 من الاتفاقية رقم 135، يقصد بممثلي الأجراء:

  • الممثلون النقابيون، سواء كانوا معينين أو منتخبين من قبل النقابات أو من قبل أعضاء هذه النقابات. وفي ظل تشريع الشغل المغربي، تتولى النقابة الأكثر تمثيلا، من تعيين ممثلا أو ممثلين، من بين أعضاء المكتب النقابي بالمقاولة أو المؤسسة، وقد أفردت مدونة الشغل قسما خاصا لهذه الفئة، وهو القسم الرابع المعنون ب” الممثلون النقابيون داخل المقاولة”، من الكتاب الثالث المواد من 470 إلى 474 من مدونة الشغل. 

  • ممثلون منتخبون من طرف عمال المؤسسة بمقتضى القوانين الجاري بها العمل، وفي هذا الجانب  خصصت مدونة الشغل أحكام خاصة بمندوبي الأجراء الذين ينتخبون من قبل الأجراء في جميع المؤسسات، من خلال القسم الثاني المعنون ب”مندوبو الأجراء” من الكتاب الثالث، المواد من 430 إلى  463 من م.ش. وقد أكد المشرع الدولي على مندوبي الأجراء على عدم تدخلهم في المهام التي تعد من اختصاص النقابات دون سواها.      

ويلعب ممثلي الأجراء دورا كبيرا في استقرار وتحديث وتطور وتنمية المقاولة المغربية، نتيجة مساهمتهم في تأطير أجراء المقاولة، باعتبارهم آلية من آليات التواصل بين الأجراء والمشغل، كما أن مؤسستي ممثلي الأجراء يعتبرون ضابط من ضوابط السلم الاجتماعي، الذي هو أساس لأي حوار وتفاوض لتحقيق المزيد من المكتسبات للأجراء، مع الحفاظ على توازنات المقاولة. 

لقد أدخل مشرع المدونة مقتضيات جديدة على المؤسسات التمثيلية للأجراء، وذلك من منطلق تحديد مهام كل تمثيلية على حدة، إذ أن كل واحدة منها تتوفر على مهام محددة قانونا، أي أننا أمام مقتضيات قانونية تفرز مهام مؤسسة مندوبي الأجراء، ومهام مؤسسة ممثلي النقابات. 

 أولا: مجال تدخل مؤسسة مندوبي الأجراء

لمسايرة التطور الكبير الذي عرفته المقاولة المغربية، فقد لجأ المشرع المغربي إلى توسيع مجال تدخل مؤسسة مندوبي الأجراء، والذي يظهر واضحا من خلال الأحكام الواردة في مدونة الشغل مقارنة مع القانون السابق.

ومهام هذه المؤسسة سنتناولها في “مهام مندوبي الأجراء والمدة القانونية لمزاولتها”(1)، مع الوقوف على مندوب الأجراء النائب، حول متى يتم “إحلال مندوب النائب محل المندوب الأصلي” كي يتسنى له القيام بالمهمة القانونية المسندة لمندوب الأجراء الأصلي(2).

 

  • مهام مندوبي الأجراء والمدة القانونية لمزاولتها 

  • مهام مندوبي الأجراء

اضافت مدونة الشغل بعض الصلاحيات إلى مهام مندوبي الأجراء التي لم تكن واردة في ظهير 1962، مما وسع من نطاق مهامهم في مختلف مجالات التدبير، وتتجلى هذه الصلاحيات الجديدة في ضرورة استشارتهم والتفاوض معه وابداء الراي في بعض التدابير المرتبطة بالمقاولة في علاقتها بالأجراء.

وبذلك تضمنت المدونة العديد من المهام التي أسندت لمؤسسة مندوبي الأجراء، والمتمثلة في: 

 

  • تقديم إلى المشغل جميع شكايات الأجراء ذات الطابع الفردي، التي تهم ظروف الشغل، سواء كانت ناتجة عن تطبيق تشريع الشغل، أو ناتجة عن عقد الشغل الفردي أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي للمؤسسة أو المقاولة. غير أنه إذا لم تقع الاستجابة لهذه الشكايات واستمر الخلاف بشأنها، تحال مباشرة إلى العون المكلف بتفتيش الشغل (المادة 432 من م.ش).

مادام أن المشرع قد أقر لمندوبي الأجراء بدور الوسيط بين الأجراء الذين فوضوهم في طرح شكاياتهم وبين الإدارة، فإنه يفترض بالطبع أن يكونوا على بينة بجوهر الشكايات، وأن يتوفروا على قدرة وكفاءة لاستيعابها، على اعتبارهم الأقرب إلى الأجراء بالمؤسسة، الشيء الذي يسمح لهم بالحفاظ على تواصل دائم مع الشغيلة التي يمثلونها من جهة، وممثلي الإدارة من جهة أخرى.

كما يفترض أن يكون مندوب الأجراء الأقرب إلى الحقيقة اليومية للشغل، من خلال سعيه وراء إيجاد الحلول السريعة لمعالجة المشاكل الحقيقية، التي تهدف إلى التدبير الجيد للمجال الاجتماعي بالمقاولة، وقد اعتبر البعض مندوب الأجراء بممثل “القرب”()، ولقبه البعض الأخر بالمحامي الاجتماعي(). 

وإذا كان المشرع قد اقتصر بشأن مهمة مندوبي الأجراء على تقديم جميع الشكايات الفردية، بعد أن عمل على إقصائهم من تقديم الشكايات الجماعية()، خلافا لمقتضيات القانون السابق()، فنعتقد أنه قد يحدث فراغا قانونيا، خاصة في حالة عدم تواجد هيئة أو هيئات نقابية في بعض المقاولات أو المؤسسات، ولذلك نفضل في هذه الحالة أن تتولى مؤسسة مندوبي الأجراء تقديم الشكايات الجماعية، عوض أن يتم ذلك من طرف جميع الأجراء، أو مجموعة كبيرة من الأجراء، وهذا صعب المنال، وبالخصوص المؤسسات التي تتوفر على فروع ووكالات على الصعيد الوطني.

وتولي مؤسسة مندوبي الأجراء تقديم الشكايات الجماعية للمشغل، من أجل ألا يحرم على الأجراء من تحقيق المكاسب التي تكتسي الصبغة الجماعية، كالزيادة في الأجور، نظام التقاعد التكميلي، نظام التغطية الصحية التكميلي، المنح، الترقيات الخ، من جهة، ومن جهة أخرى، حتى لا يترك القرار في يد المشغل وبصفة انفرادية، والذي من عادته الزيادة في أرباح المؤسسة والتغاضي عن كل ما له تأثير على ميزانية المقاولة.

  مع أخذ بعين الاعتبار أن عديد من المقاولات التي لا تتوفر على هيئات نقابية، كانت مقتضيات نظامها الداخلي بشأن المستخدمين والأطر، أو نظامها الأساسي، قبل صدور مدونة الشغل، تسمح  لمندوبي الأجراء من تقديم الشكايات فردية كانت أو جماعية، وفي مثل هذه الحالة، في اعتقادي، يمكن لمؤسسة مندوبي الأجراء من تقديم الشكايات الجماعية إلى المشغل، ما دام أن مقتضيات المادة 11 من مدونة الشغل تسمح للمشغل، من الاحتفاظ على المقتضيات القانونية التي تعد أكثر فائدة للأجراء، والتي تنص على أنه ((لا تحول أحكام هذا القانون دون تطبيق مقتضيات الأنظمة الأساسية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي، أو ما جرى عليه العرف من أحكام أكثر فائدة للأجراء)).

ففي هذا الاطار، يفترض تنصيص “تقديم الشكايات الجماعية من قبل مندوبي الأجراء إلى المشغل”، في النظام الداخلي الجديد أو على شكل نص تعديلي، بعد موافقة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل (المادة 138من م.ش). لكن في حالة بزوغ التنظيم النقابي داخل هذه المؤسسة، فإن تقديم الشكايات الجماعية من اختصاصات هذه الهيئات ودون منازع أمام وجود نص صريح. 

 

  • مؤازرة الأجراء موضوع إجراء تأديبي() أثناء جلسة الاستماع بمقتضى المادة 62 من المدونة، سواء تعلق الامر بارتكاب الأجير لخطأ جسيم (المادة 39)، أو تعلق الأمر باتخاذ المشغل في حق الأجير لا حدى العقوبتين الواردتين في الفقرة 3 و4 من المادة 37 من م.ش. وقد تحل المجالس التأديبية محل مسطرة الاستماع، وبالخصوص المؤسسات التي تنص مقتضيات نظامها الداخلي أو مقتضيات اتفاقية الشغل الجماعية على ذلك، وما دام أن هذه المجالس تعد أكثر فائدة للأجراء بمقتضى المادة 11 من م.ش؛

  • الاطلاع على مشروع النظام الداخلي قبل توجيهه إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل من أجل الموافقة عليه، وأثناء كل تعديل (المادة 138 من م.ش)()؛

  • الاستشارة والتفاوض معهم، كلما تعلق الأمر بعزم المشغل بفصل الأجراء، كلا أو بعضا، لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية وإغلاق المقاولات (المادتان 66 و67 من م.ش)()(اتفاقية الدولية رقم 158 والتوصية رقم 166)()؛ 

  • إمكانية الحضور مع الأجراء أمام المشغل عند استقبالهم، على ألا تقل أيام الاستقبال عن يوم واحد في كل شهر (المادة 141 من م.ش)؛ 

  • استشارتهم من قبل المشغل في المواضيع التالية:

    • في حالة تغيير نظام التوزيع السنوي لمدة الشغل (المادة 184 من م.ش)()؛

    • في حالة تقليص ساعات العمل لأسباب اقتصادية عابرة أو لظروف طارئة (المادتان 185 و186 من م.ش)؛

    • في حالة تمديد فترة الشغل اليومية لاستدراك ساعات الشغل الضائعة نتيجة توقف الشغل جماعيا أو جزء منها أو لأسباب قاهرة (المادة 189 من م.ش)؛

    • في حالة تشغيل المقاولة لأجرائها خارج مدة الشغل العادية، لمواجهة أشغالا تقتضيها مصلحة وطنية، أو بسبب زيادة استثنائية في حجم الشغل (المادة 196 من م.ش)() ؛

    • في حالة استدراك ساعات الشغل الضائعة بسبب يوم العطلة (المادة 227 من م.ش) ؛

    • في حالة تحديد توزيع تواريخ العطلة السنوية (المادة 245 من م.ش)؛

    • في حالة تنظيم المشغل للراحة الأسبوعية لفائدة بعض فئات الأجراء وفق متطلبات طبيعة شغلهم داخل المؤسسة أو المقاولة (المواد 211، 212 و214 من م.ش)()؛ 

  • إبداء الرأي في تسيير “المصلحة الطبية للشغل” عند توصلهم بالتقرير السنوي (المادة 307 من م.ش)()؛

  • المشاركة الإلزامية في لجان استشارية بالمقاولة:

    • لجنة السلامة وحفظ الصحة (المادة 337 من م.ش) ()؛

    • لجنة المقاولة (المادة 465 من م.ش)()؛ 

  • إمكانية استشارتهم من قبل رئيس المحكمة التجارية لتكوين صورة صحيحة عن الوضعية الاقتصادية والمالية والاجتماعية للمقاولة، واخبارهم من قبل السنديك في حالة تفويت المقاولة (المواد 552 و577 636 من مدونة التجارة)().

وبناء على ما سبق، أمام توسيع مهام مندوبي الأجراء، من إحالة الشكايات وتتبع مآلها، والإلمام بقضايا الاجتماعية للأجراء، واستشارتهم والتفاوض معهم من قبل المشغل في قرارات ذات أهمية ومصيرية أحيانا للمقاولة وأجرائها، ومؤازرة الأجراء، واطلاعهم على مشروع النظام الداخلي قبل المصادقة عليه، وما إلى ذلك وفق ما سبق الحديث عنه، يفترض، في اعتقادي، أن يكون مندوب الأجراء على دراية واسعة بالتشريع الوطني عامة، وتشريع الشغل خاصة ونصوصه التنظيمية والمراسيم والقرارات، ناهيك عن وجوب إلمامهم بالقوانين الداخلية، من مقتضيات النظام الداخلي للمقاولة أو المؤسسة، أو مقتضيات اتفاقية الشغل الجماعية، والدوريات والمذكرات الداخلية التي لها علاقة بالأجراء، إضافة إلى التشريع الدولي، من خلال الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، التي تسمو على التشريعات الوطنية، وفق ما يقضي به الدستور()، وكل مستجدات تشريع الشغل الوطني والدولي.

كما أن عدم إلمام مندوبي الأجراء بالقوانين الوطنية والداخلية بالمقاولة وكذا الدولية، سيصبحون في موقع ضعف أثناء الحوار والتفاوض مع المشغل، خاصة وأن هذا الأخير يتوفر على كفاءات متخصصة في الموضوع، بل من المقاولات التي تتعاقد من محامين متخصصين كمستشارين للمقاولة أو المؤسسة، الشيء الذي قد يصعب على مندوبي الأجراء الدفاع عن حقوق الأجراء وتحقيق المكاسب، وتأدية الرسالة الملقاة على عاتقهم بأمان، وبالتالي، يعتبر الدور المنوط لمندوبي الأجراء من قبل المشرع ليس بالسهل ممارسته.

  • المدة القانونية لمزاولة مهام مندوبي الأجراء 

يمارس مندوبي الأجراء المهام الموكولة لهم قانونا بشكل مؤقت ولمدة محددة، غير أن هذه المدة قد تنتهي قبل أوانها  لسبب من الأسباب التي حددها المشرع المغربي.

ينتخب مندوبو الأجراء في المؤسسات والمقاولات الخاضعة لمدونة الشغل وذات النشاط غير الموسمي لمدة محددة بمقتضى نص تنظيمي، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 434 من م.ش على أنه ((ينتخب مندوبو الأجراء لمدة يتم تحديدها بمقتضى نص تنظيمي))، وبذلك جاء مرسوم رقم2.08.421 الصادر بتاريخ 16 يناير 2019 ليحدد مدة انتداب مندوبي الأجراء في ست سنوات()، وهو ما تقضى به المادة الأولى من هذا المرسوم، التي جاء فيها على أنه ((تطبيقا لأحكام الفقرة الأولى من المادة 434 من القانون المشار إليه أعلاه رقم 65.99 تحدد مدة انتداب مندوبي الأجراء في ست سنوات))، وهذه المدة يعتد بها من تاريخ إجراء عملية الاقتراع لانتخاب مندوبي الأجراء، وهو المحدد لبداية الحماية القانونية المخصصة لمندوبي الأجراء().     

وإذا كانت مهام مندوبي الأجراء، تنتهي بانتهاء المدة المحددة قانونا لانتدابهم، فإن الأمر لا يقف عند هذا السبب، حيث بمقتضى المادة 435 من مدونة الشغل، يمكن أيضا أن تنتهي مهام مندوب الأجراء بالأسباب التالية:

  • وفاته؛

  • سحب الثقة منه، لمرة واحدة فقط بعد مرور نصف مدة الانتداب، بقرار مصادق على صحة امضائه يتخذه ثلثا الأجراء الناخبين؛

  • استقالته، والتي لا يتوقف نفاذها على قبول المشغل لها، طالما أن هذا الأخير لا يملك صفة قبول أو رفض الاستقالة، لذلك فإن مجرد تقديم مندوب الأجراء لاستقالته، يضع حدا لمهامه المرتبطة بصفته كمندوب عن الأجراء؛

  • بلوغه السن القانوني للتقاعد؛

  • إنهاء عقد شغله؛

  • صدور حكم نهائي عليه، إما بعقوبة جنائية، أو بعقوبة حبس نافذة، من أجل جناية أو جنحة، باستثناء الجرائم غير العمدية، ما لم يرد اعتباره(المادة 438 من م.ش).

وما تجدر ملاحظته، على أن المادة 435 من مدونة الشغل لا تتضمن كل الحالات التي تجعل مهام مندوب الأجراء  منتهية قبل أوانها، بحيث هناك حالات أخرى نابعة عن الواقع العملي، كما هو الشأن بالنسبة للإغلاق الكلي والنهائي للمؤسسة أو للمقاولة()، أو عند عدم تجديد العقد المحدد المدة، أو في حالة تغيير بعض البنود الجوهرية في ظروف الشغل، كأن ينتقل من مؤسسة إلى أخرى داخل المقاولة، ففي هذه الحالة لم يعد ممثلا للأجراء الذين انتخبوه، أو ينتقل من هيأة ناخبة إلى أخرى، أو يقع التخفيض من عدد الأجراء المؤدي إلى التخفيض من عدد مندوبي الأجراء.

ومع انتهاء المدة، نجد أن المشرع لم يحدد عدد مرات الترشيح، الشيء الذي يسمح لمندوب الأجراء أن يترشح ما يريد من عدد المرات، وبالتالي يكون مندوبا للأجراء للعديد من المرات، وهو ما تؤكده الفقرة الأخير من المادة 434 التي تنص على أنه ((تكون مدة انتداب مندوبي الأجراء قابلة للتجديد))، غير أنه لا يمكن لمندوب الأجراء أن يدعي التجديد الضمني لمهمته، كما لا يمكنه أن يتشبث بمنصبه بعلة عدم ترشح أي أجير.

  • إحلال مندوب النائب محل المندوب الأصلي()

نصت أحكام مدونة الشغل المتعلقة بمندوبي الأجراء، إلى أن عددهم يحدد من مندوبي أجراء أصليين ومندوبي أجراء نواب، كما أن انتخاب المندوبين النواب من طرف الأجراء يتم في نفس الوقت الذي يتم فيه انتخاب المندوبين الأصليين، وهذا يسمح للمندوبين النواب بإحلالهم محل الأصليين عند الضرورة، باعتبارهم على بينة من بالقضايا المتناقش بشأنها أمام المشغل أو من ينوب عنه.  

ويكمن الهدف من وراء انتخابهم هو محاولة تفادي وجود ما يعرقل التمثيلية داخل المؤسسة، ولذلك فإن المندوب النائب هو الشخص الذي ينتخب لكي ينوب عن المندوب الأصلي عند الاقتضاء، سواء في حالة تعرض المندوب الأصلي لعارض يمنعه من ممارسة مهامه في مؤسسة مندوبي الأجراء، أو في لجنة المقاولة، أو في لجنة السلامة وحفظ الصحة، وهذا الاحلال يبقى مؤقتا إلى حين استئناف المندوب الأصلي لعمله.

فضلا، على أنه بإمكان المندوبين النواب حضور الاجتماعات التي يعقدها المندوبون الأصليون مع المشغل()، غير أن تواجدهم في الاجتماع لا يقتضي المشاركة في اتخاذ القرار مع المندوبين الأصليين، بحيث لا يكون لهم إلا حق الانصات في هذه الحالة(). كما قد يكون احلال مندوب النائب محل المندوب الأصلي بصفة دائمة، وبذلك نكون أمام الأسباب التي تقضي بها 435 من مدونة الشغل.

مع أخذ بعين الاعتبار أن مندوب النائب لا يمكن أن يحل محل المندوب الأصلي، إلا إذا كان من نفس الفئة المهنية لهذا الأخير، وفي نفس الوقت ينتمي إلى لائحته الانتخابية، حتى يصبح مندوبا أصليا. ولقد كانت المادة 436 من م.ش واضحة، حينما نصت على أنه ((إذا توقف المندوب الأصلي، عن مزاولة مهامه لسبب من الأسباب الواردة في المادة 435 أعلاه، خلفه المندوب النائب من فئته المهنية، والذي ينتمي إلى لائحته الانتخابية، ويصبح عندئذ، مندوبا أصليا، إلى أن تنتهي مدة انتداب العضو الذي حل محله)).

   لكن ماذا عن المقعد الشاغر، سواء عند احلال مندوب النائب محل المندوب الأصلي، أو غياب المندوب النائب لسبب من الأسباب الواردة في مقتضيات المادة 435 من م.ش، بشأن انتهاء المدة المحددة قانونا لمهام مندوب الأجراء، ففي هذا الحالة يبقى أنجع الحلول هو اجراء انتخابات جزئية داخل المؤسسة، على أساس احترام الشرطين الواردين في المادة 451 من م.ش:

  • الشرط الأول: إذا انخفض عدد المندوبين الأصليين والمندوبين النواب، التابعين لهيئة انتخابية إلى النصف، نتيجة شغور حدث لسبب من الأسباب؛

  • الشرط الثاني: لا يمكن إجراء انتخابات جزئية خلال الأشهر الستة التي تسبق تاريخ الانتخابات بالمؤسسة.

ثانيا: مجال تدخل مؤسسة الممثل النقابي

إن المشرع المغربي واقتناعا منه بدور النقابات المهنية في تنظيم وتمثيل المواطنين، عمل ومنذ فجر الاستقلال على إيجاد الإطار القانوني الذي يحكم وينظم النقابات المهنية، وذلك من خلال ظهير 16 يوليوز 1957()، الذي حلت محله أحكام مدونة الشغل (المواد من 396 إلى 429)، وقد كرسه المشرع دستوريا مع أول دستور للبلاد سنة 1962، وكذلك مع الدساتير التي أعقبته.

 ودستور 2011 لم يقتصر على ترسيخ الحرية النقابية فقط، بل جعل، بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل الثامن، المنظمات النقابية للأجراء، مساهمة في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها وفي النهوض بها. وهذا الفصل يقترن بتحديد الأهداف والمجال العملي لهذه الهيئة المهنية، التي تمثل الفئات المنتمية إليها في مجالات اقتصادية _مهنية، واجتماعية.

ومع صدور مدونة الشغل لم يكتف المشرع المغربي بنسخ ما كان يقضي به ظهير 16 يوليوز 1957 الملغى بمقتضى المادة 586 من م.ش، وإنما جاء بمقتضيات تعد من مستجدات هذه المدونة، ألا هو تعيين النقابة لممثليها داخل المقاولة أو المؤسسة، كمخاطبين رسميين داخلها.

إذا ماهي شروط تعيين الممثلين النقابيين داخل المقاولة أو المؤسسة، وكيف يتم تحديد عددهم؟

 

  • شروط تعيين الممثلين النقابيين داخل المقاولة أو المؤسسة وعددهم

إذا كان الاعتراف الصريح للمشرع المغربي بالحرية النقابية()، سواء في مظهرها الفردي، أو الجماعي، يخول تأسيس النقابات المهنية بكل حرية، وبغض النظر عن عدد الأجراء العاملين بالمقاولة أو المؤسسة()، فإن تمثيل النقابة داخل أي منهما، بممثل أو ممثلين، لا يخول كحق إلا للنقابة الأكثر تمثيلا()، والتي تكون قد حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المهنية الأخيرة داخل المقاولة أو المؤسسة، فهذه النقابة هي التي لها الحق في تعيين من بين أعضاء المكتب النقابي بالمقاولة أو بالمؤسسة، ممثلا أو ممثلين نقابيين.

وعدد ممثلي النقابة يتحدد بالنظر لعدد الأجراء العاملين بالمقاولة أو المؤسسة، وليس بعدد الأصوات التي حصلت عليها النقابة في الانتخابات المهنية، حيث تقضي المادة  على 470 على أنه ((يحق للنقابة الأكثر تمثيلا والتي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المهنية الأخيرة داخل المقاولة أو المؤسسة أن تعين، من بين أعضاء المكتب النقابي بالمقاولة أو المؤسسة، ممثلا أو ممثلين نقابيين لها، حسب الجدول المبين أدناه.

  • من 100 إلى 250 أجيرا      : ممثل نقابي واحد؛

  • من 251 إلى 500 أجيرا      : ممثلان نقابيان اثنين؛
  • من 501 إلى 2000 أجيرا    : 3 ممثلين نقابيين؛
  • من 2001 إلى 3500 أجبرا  : 4 ممثلين نقابيين؛
  • من 3501 إلى 6000 أجيرا  : 5 ممثلين نقابيين؛
  • من 6001 فما فوق           : 6 ممثلين نقابيين)).

غير أن تعيين الممثلين النقابيين داحل المقاولة أو المؤسسة أيا كان نوعها() كمخاطبين رسميين في مواجهة المشغل، لابد من توفرهم على شروط خاصة، سواء تعلق الأمر بالنقابة التي يمثلونها أو بالممثل النقابي نفسه.

وانطلاقا من مضمون نص المادة 470 من م.ش، نبدي بعض الملاحظات التالية بشأنها:

  • إذا كان المشرع استلزم صراحة في جميع المؤسسات تشغيل بصفة اعتيادية ما لا يقل عن 10 أجراء لكي يطبق فيها نظام مندوبي الأجراء()، فإنه عند تعيين الممثل النقابي قد اشترط توفر المقاولة أو المؤسسة على 100 أجير كحد أدنى، غير أن المشرع في هذا الصدد لم يفرق بين التشغيل الاعتيادي وغير الاعتيادي، كما لم يفرق بين الأجراء الدائمين وغير الدائمين. وبالتالي نرى أنه ينطبق على “الأجير” التعريف الوارد في المادة 6 من م.ش()؛

  • إن تعيين ممثل نقابي أو ممثلين، يجب أن يكون من بين أعضاء المكتب النقابي المتواجد بالمقاولة أو المؤسسة، وبذلك لا يحق تعيين الممثل النقابي من خارج المقاولة أو المؤسسة التي تتمتع فيها بصفة النقابة الأكثر تمثيلا، حتى ولو كانوا أعضاء قياديين؛

  • لم ينص المشرع على الممثلين النقابيين النواب، على غرار ما جاء به نظام مندوبي الأجراء(). وفي اعتقادي يرجع ذلك،  إلى أن الممثل النقابي داخل المقاولة أو المؤسسة يتم تعيينه من قبل نقابته وليس من خلال انتخابات مهنية، الشيء الذي يمكن للنقابة العمل على تعين ممثليها داخل المقاولة أو المؤسسة متى اقتضت الضرورة لذلك، وليس الانتظار حتى الانتخابات المهنية الموالية؛

  • إن عدد الممثلين النقابيين بالمقارنة مع عدد الأجراء، ينخفض بارتفاع عدد الأجراء داخل المقاولة أو المؤسسة حسب الجدول.

إذا كان المشرع قد اشترط على النقابة عند تعيين ممثليها داخل المقاولة أو المؤسسة، وجوب حصولها على أكبر عدد الأصوات في الانتخابات المهنية الأخيرة حتى تكتسب صفة النقابة الأكثر تمثيلا، فنجده كذلك قد اشترط على الممثل النقابي الذي يعد من بين أعضاء المكتب النقابي، أن تتوفر فيه الشروط التالية():

  • توفره على جنسية مغربية؛

  • متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية؛

  • غير محكوم عليه نهائيا بأية عقوبة سجن أو حبس نافذة، بسبب الجرائم التالية: السرقة، النصب، خيانة الأمانة، الزور والإدلاء به، تحريض قاصرين على الفساد، المساعدة على الفساد، الاتجار في المخدرات أو استعمالها، وكذا بسيي مخالفة التشريع المتعلق بالشركات، وإساءة التصرف في أموال الشركة.

لكن ما يلاحظ في ظل هذه الشروط، أن المشرع لم يشترط أي سن يستوجب توفره في الممثل النقابي، أي ما إن كان يستلزم توفر الممثل النقابي على حد أدنى أم لا؟ على غرار أهلية الترشح لمهمة مندوب الأجراء يقتضي بلوغ المترشح 20 سنة كاملة عند بلوغ تاريخ الاقتراع.

  • مهام الممثلين النقابيين داخل المقاولة

قد لا تختلف المهام التي أسندها المشرع المغربي بالممثلين النقابيين داخل المقاولة أو المؤسسة، كثيرا عن المهام المنوطة لمندوبي الأجراء، وهذا ما يبرز من خلال المواد القانونية 37،62،66،67، 138، 141، 184، 185، 186، 189، 196، 211، 212، 214، 227، 245، 307، 337، و465 من مدونة الشغل، حيث من خلال مضمون هذه المواد وكذا النصوص التنظيمية لبعض هذه المواد (184، 196، 211، 212 و214) والمواد 552 و577 636 من مدونة التجارة، يتبين لنا مدى المهام المشتركة بين مؤسستي مندوبي الأجراء وممثلي النقابة، حيث كلما كانت هناك استشارة مع مندوبي الاجراء وإلا كانت الاستشارة كذلك مع ممثلي النقابي عند وجودهم بالمقاولة في آن واحد.

فضلا عن ذلك، نجد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، لها علاقة بممثلي النقابة من حيث المهام والاستشارة، ومن بينها:

  • اتفاقيه الدولية رقم 14 بشأن الراحة الأسبوعية في المنشآت الصناعية()؛

  • اتفاقية الدولية رقم 30 بشأن تنظيم ساعات العمل في التجارة والمكاتب()؛ 

  • اتفاقية الدولية رقم 52 بشأن الإجازات مدفوعة الأجر ()؛

  • اتفاقية الدولية رقم 94 بشأن شروط العمل في العقود العامة؛

  • اتفاقية الدولية رقم 98 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية؛

  • اتفاقية الدولية رقم 106بشأن الراحة الأسبوعية في التجارة والمكاتب ()؛

  • اتفاقية الدولية رقم 135 بشأن توفير الحماية والتسهيلات لممثلي العمال؛

  • اتفاقية الدولية رقم 154 بشأن تشجيع المفاوضة الجماعية؛

  • اتفاقية الدولية رقم 158 بشأن انهاء الاستخدام بمبادرة من صاحب العمل… الخ.

وفي ظل التشارك الكبير في المهام بين المؤسستين، يفترض على ممثلي الأجراء المتواجدين داخل نفس المؤسسة، العمل جنبا إلى جنب خلال مدة انتدابهم، ما دام أن هدفهم الأول هو خدمة الأجراء لتنمية المقاولة والمؤسسة، وبذلك يتعين على المشغل كلما اقتضى الحال ذلك، اتخاذ الإجراءات الملائمة، حتى لا يستعمل تواجد المندوبين المنتخبين كوسيلة لإضعاف دور الممثلين النقابيين من جهة، وحتى يتم تشجيع التعاون بين هاتين المؤسستين الممثلتين للأجراء من جهة أخرى، وهو ما تقضي به كل من المادة 473 من م.ش والمادة 5 من الاتفاقية الدولية رقم 135.

كما أن مهام مؤسسة ممثلي النقابة غير منحصرة فقط  في أحكام المواد السالفة الذكر، بقدر ما أنها تتسع باتساع مهام النقابة ذاتها، فالممثل النقابي داخل المقاولة أو المؤسسة هو ممثل للنقابة التي عينته عضو مكتبها، وبذلك فإن مهام المثل النقابي داخلها، غير منفصلة تماما عن مهام النقابة المهنية، المحددة بمقتضى المادة 396 من م.ش التي تنص على أنه ((تهدف النقابات المهنية، بالإضافة إلى ما تنص عليه مقتضيات الفصل الثالث من الدستور()، إلى الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والمهنية، الفردية منها والجماعية، للفئات التي تؤطرها، وإلى دراسة وتنمية هذه المصالح وتطوير المستوى الثقافي للمنخرطين بها. كما تساهم في التحضير للسياسة الوطنية في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي. وتستشار في جميع الخلافات، والقضايا التي لها ارتباط بمجال تخصصها)). 

ومن بين المهام الأخرى التي تضطلع بها مؤسسة ممثلي النقابة، والتي نصت عليها مقتضيات المادة 471 من مدونة الشغل وبشكل صريح، هي:

  • تقديم الملف المطلبي للمشغل:

إذا كان المشرع قد أوكل إلى مندوبي الأجراء أن يقدموا إلى المشغل شكايات الأجراء ذات الطابع الفردي، كما سلف الذكر، فإن الممثل النقابي عهد إليه تقديم الملف المطلبي الخاص بأجراء المقاولة أو المؤسسة والدفاع عنه بكل استماتة، المتعلق بشروط العمل المنجزة داخل المقاولة، وبقواعد الصحة والسلامة والزيادة في الأجور، وبصفة عامة كل ما يتعلق بالدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمهنية وكذا المعنوية للأجراء، الفردية منها والجماعية.

ولصياغة الملف المطلبي، يستوجب في الممثل النقابي أن يقوم بعملية تجميع مختلف مطالب الأجراء داحل المقاولة أو المؤسسة لمناقشتها داحل المكتب النقابي، وبعد يتم ايداعه بكتابة الضبط المؤسسة شغل أو لدى الكتابة الخاصة للمشغل.

فقد ارتأت التشريعات المقارنة، ومن ضمنها التشريع المغربي، أن تقديم كل ما يتعلق بالمطالب الجماعية للأجراء، والدفاع عنها لدى المشغل، يكون من مهام الممثل النقابي)(، على اعتبار أن النقابة هي الأكثر تأهيلا لمفاوضة المشغل في شأن شروط الشغل، ومما لا شك فيه أن الأجير بمفرده ضعيف في مواجهة المقاولة أو المؤسسة المشغلة.

 

  • الدفاع عن المطالب الجماعية وإجراء المفاوضات حولها:

على اعتبار أن المفاوضة الجماعية هي الوسيلة الفعالة لتنظيم علاقات العمل على أسس عادلة بما يتمشى مع التطور الاقتصادي والاجتماعي، وأنها تكتسب أهمية خاصة، حيث تلتقي فيها إرادة الطرفين، المشغل وممثلي النقابة، لتنظيم شروط وظروف الشغل والتشغيل وتحديد الحقوق والفوائد التي تقرر للأجراء بما يحقق السلم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، وعلى اعتبار أن أحكام مدونة الشغل تعد الحد الأدنى لحقوق الأجراء، فقد أصبحت المفاوضة الجماعية وسيلة أساسية لتحسين إنتاجية المقاولة أو المؤسسة، ورفع مستوى معيشة الأجراء.  

ولكون الممثل النقابي يعتبر كمدافع عن مطالب الأجراء ذات طابع جماعي، فإن مشاركته في المفاوضة الجماعية()، تقتضي منه الدفاع لتحقيق المطالب الجماعية للأجراء. وفي ذات الموضوع فقد سبق وأن صادق المغرب على اتفاقية الدولية رقم 98()بشأن تطبيق مبادئ حق تنظيم المفاوضة الجماعية.

تعد المفاوضة الجماعية من أهم الصور أو المظاهر المكملة للحقوق والحريات النقابية، ومن أهم المستجدات التي استحدثتها مدونة الشغل، في تاريخ التشريع الاجتماعي المغربي، وهي كآلية من أرقى صور الحوار الديمقراطي داخل المقاولة أو المؤسسة، وكوسيلة لتحقيق عديد من المزايا لطرفي الانتاج، ومن خلالهما الاقتصاد الوطني. ونتائج هذه المفاوضات تدون في محضر أو اتفاق يوقعه الطرفان().

ونظرا لأهمية المفاوضة الجماعية، وباعتبار المغرب عضوا نشيطا داخل المنظمات الدولية كما يؤكد ذلك الدستور، فقد نصت الفقرة الثالثة من الفصل 8 من الدستور، وبشكل صريح، على تشجيع المفاوضة الجماعية()، كما صادق المغرب على الاتفاقية الدولية رقم 154 بشأن تشجيع المفاوضة الجماعية بمقتضى ظهير شريف رقم  1.02.47 بتاريخ 2 أغسطس 2011 ()، ومصادقته كذلك على اتفاقية العمل العربية رقم 11().

  • المساهمة في إبرام الاتفاقية الجماعية:()

أناط المشرع المغربي بالممثلين النقابيين، على غرار الدفاع عن المطالب الجماعية للأجراء وإجراء المفاوضات حولها، المساهمة في صياغة إبرام اتفاقية الشغل الجماعية التي تكتسي طابعا جماعيا()، وقد جعل إبرامها حكرا على المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا، حيث يساهم الممثلون النقابيون على مستوى المقاولة أو المؤسسة في إبرامها، بعد أن استبعد مندوبي الأجراء في إبرامها.

في الوقت الذي أسند مشرع المدونة لمندوبي الأجراء بمقتضى المادة 432 من م.ش صلاحية تقديم جميع الشكايات الفردية الناتجة عن تطبيق اتفاقية الشغل الجماعية، دون أن يشاركهم في صياغة الاتفاقية الجماعية، مع العلم أنه أثناء صياغة النظام الداخلي، أعطى المشرع للطرفين، مندوبي الأجراء وممثلي النقابة، أحقية الاطلاع على مقتضيات هذا النظام بمقتضى المادة 138 من م.ش.   

كما أن اتفاقية الشغل الجماعية() تصبح إلزامية على جميع الأجراء بعد التوقيع عليها من قبل أطراف الاتفاقية، ممثلي النقابة والمشغل، ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء، وهو ما تقضي به المادة 113 من م.ش التي تنص على أنه ((تسري مقتضيات اتفاقية الشغل الجماعية التي التزم بها المشغل، على عقود الشغل المبرمة من طرفه. تكون أحكام اتفاقية الشغل  الجماعية ملزمة في كل مقاولة أو مؤسسة يشملها مجال تطبيقها، ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجراء في عقود شغلهم)).  

تعتبر اتفاقيه الشغل الجماعية من أهم المستجدات التي عرفتها علاقات الشغل، بحيث تحتل مكانة أساسية في نظام العلاقات المهنية التي تجمع بين المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية، باعتبارها الوسيلة الفعالة التي تنظم وتحكم العلاقة الشغلية التي تجعلها تعكس واقعها وتعمل على تحقيق شروط عمل ومطالب الأجراء وفق إمكانيات المقاولة.

وتحظى الاتفاقية الجماعية بأهمية دستورية، إلى جانب المفاوضة الجماعية، حيث نصت الفقرة 3 من الفصل 8 على أنه ((تعمل السلطات العمومية على تشجيع المفاوضة الجماعية، وعلى إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية، وفق الشروط التي ينص عليها القانون)).

المحور الثالث

الضمانات القانونية المتصلة بممارسة مهام مندوبي الأجراء

 كما سبق الحديث، بأن المشرع المغربي خول لمؤسسة مندوبي الأجراء، كما الشأن بالنسبة لمؤسسة ممثلي النقابة، مجموعة من الصلاحيات، التي تم توسيع بعض منها مقارنة مع القانون السابق، المتصلة بمهامهم.

وحتى يتسنى لمؤسسة مندوبي الأجراء من ممارسة المهام المخولة لهم على أحسن حال، فقد تدخل المشرع الوطني ليضع رهن اشارتهم مجموعة من الحقوق التي تمكنهم من أداء مهامهم على النحو المطلوب من جهة، ومن جهة أخرى، أكد المشرع الدولي على منح ممثلي الأجراء تسهيلات التي من شأنها تسمح لهم بأداء مهامهم بشكل سريع وفعال، وهو ما تقضي به المادة الثانية من اتفاقية الدولية رقم 135 التي جاء فيها ((1- توفر كل التسهيلات المناسبة في المؤسسات لممثلي العمال لتمكينهم من أداء مهامهم بسرعة وفعالية. 2- تراعي، في هذا الصدد، خصائص نظام العلاقات الصناعية في البلد واحتياجات المؤسسة المعنية وحجمها وامكاناتها. 3- لا يجوز أن يؤثر منح التسهيلات على فعالية سير العمل في المؤسسة المعنية)).

أولا: حق مندوبي الأجراء في المكان اللازم للتواصل مع الأجراء

إن ممارسة مندوبي الأجراء لمهامهم القانونية، يقتضي التواصل مع الأجراء الذين يمثلونهم، فهؤلاء هم الذين يعبرون عن شكاياتهم، والمندوبون يعبرون بدورهم عن النتائج التي توصلوا إليها من خلال المساعي التي قاموا بها، الشيء الذي يستوجب التوفر على المكان اللازم لأداء مهامهم القانونية، من أجل تلقي الشكايات من قبل الأجراء، أو ما يمكن اعتباره تظلما حول ظروف العمل، وما يتطلب ذلك من تدارسها، وكذا عقد اجتماعاتهم، مما يقتضي أن يضع المشغل رهن إشارتهم مكتب أو فضاء مغلق يزاولون داخله مثل هذه المهام، ولذك تدخل المشرع المغربي ليلزم المشغل على وضع مكان مخصص لمندوبي الأجراء للقيام بأداء مهامهم المشروعة، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 455 من م.ش ((يجب على المشغل، أن يضع رهن إشارة مندوبي الأجراء، المكان اللازم ليتمكنوا من أداء مهامهم، ولاسيما لعقد اجتماعاتهم)).

ولاشك أن مندوبي الأجراء بإمكانهم خلق ديمومة في المكان المخصص لهم لأداء مهامهم، علما بأن الأجراء قد لا يستطيعون التحلل من اكراهات العمل المنوط إليهم وقت الديمومة، مما يقتضي من مندوب الأجراء أن يكون على اطلاع بالظروف العملية للشغل، الشيء الذي يفترض منه اتخاذ ما يراه مناسبا للاتصال المباشر مع الأجراء كلما اقتضى الضرورة لذلك، علما أن الاتصال الأجير بمفرده قد لا يثير إشكالا كبيرا، في حين أن الأمر يختلف عندما يرغب مندوب الأجراء في الاجتماع مع الأجراء بصفة جماعية.

ولذلك أن وسائل الاعلان الكتابية بواسطة الملصقات، البيانات ذات علاقة بالمطالب والمكاسب أو تحديد مواعيد عقد الاجتماعات، أو مختلف الأنشطة التي ترتبط بمهام مندوبي الأجراء، من أجل تبليغها للأجراء، تعتبر أحيانا بديلا عن الاتصال الجماعي المباشر، مما يتطلب على المشغل أن يضع رهن إشارتهم الأماكن المخصصة لذلك، وهو ما نصت عليه الفقرة 2 من المادة 455 من م.ش، على انه ((يمكن لمندوبي الأجراء، أن يعلنوا بواسطة الملصقات، البيانات التي تقتضي مهمتهم إبلاغها إلى علم الأجراء، في الأماكن التي يضعها المشغل رهن إشارتهم، وكذلك في مداخل أماكن الشغل)).

وأنجع  وسيلة التبليغ وبشكل سريع في ظل التطور التكنولوجي الحالي، هو امكانية استعمال وسائل الأخرى للتواصل، كتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي عبر شبكة العنكبوتية لتوجيه الإشعارات إذا كان بعض الأجراء يتوفرون على عناوين الكترونية، أو اعتادوا على التواصل من خلال التطبيقات المتاحة في الهاتف، وهذا يتطلب على المشغل تجهيز مكتبهم بآليات التواصل، خط الهاتف، الانترنيت، الحاسوب ..الخ، ونستخلص هذه الامكانية من الفقرة الأخيرة من المادة 455 من م.ش، حينما نصن على أنه((يمكن لهم أيضا استعمال كل وسائل الإخبار الأخرى، باتفاق مع المشغل)).

وكل مخالفة  لأحكام مقتضيات المادة 455 يعاقب عليها القانون بمقتضى المادة 462 من مدونة الشغل التي تنص على ((يعاقب بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم … عدم وضع المكان المخصص للاجتماعات، المنصوص عليه في المادة 455 رهن إشارة المندوبين، أو عدم تخصيص أماكن الإلصاق البيانات المنصوص عليها في نفس المادة…)).

ثانيا: حق مندوبي الأجراء في الوقت اللازم لأدام مهامهم دون المساس بأجرهم 

كي يتفادى مندوبي الأجراء الغياب عن العمل، وترك أشغالهم، وعدم احترام توقيت العمل تحت ذريعة القيام بمهامهم التمثيلية، وما ينعكس ذلك سلبا على انتاجية المقاولة، وإشهار المشغل ورقة الغياب بدون مبرر، الذي تعد من الأخطاء الجسيمة التي قد تؤدي إلى فصله عن العمل، كلما زاد الغياب عن أربعة أيام أو ثمانية أنصاف يوم خلال الإثني عشر شهرا، فقد تدخل المشرع المغربي لتقنين كم جهة، المدة المخصصة لمندوب الأجراء لمزاولة مهمته داخل المقاولة أو المؤسسة، وذلك في حدود 15 ساعة في الشهر، مع امكانية تنظيم استعمال هذا الوقت باتفاق بين الطرفين، المشغل ومندوبي الأجراء، ومن جهة أخرى، عدم المساس بأجر مندوبي الأجراء عند غيابهم عن العمل من أجل القيام بمهامهم في حدود الوقت المسموح، على اعتباره وقتا من أوقات الشغل الفعلي، وقد نصت المادة 456 من م.ش، التي صيغت بصيغة الوجوب، على أنه ((يجب على المشغل، أن يتيح لمندوبي الأجراء الوقت اللازم لتمكينهم من أداء مهامهم داخل المؤسسة وخارجها، وذلك في حدود خمسة عشرة ساعة في الشهر، بالنسبة لكل مندوب، ما لم تحل ظروف استثنائية دون ذلك، وعليه أن يؤدي إليهم أجر ذلك الوقت، باعتباره وقتا من أوقات الشغل الفعلي. يمكن، باتفاق بين المشغل ومندوبي الأجراء، تنظيم استعمال الوقت المخصص لهؤلاء المندوبين للقيام بمهامهم))، وعدم تقيد المشغل بمقتضيات هذه المادة، يعاقب ، بغرامة مالية من 2000 إلى 5000 درهم (الفقرة 5 من المادة  462 من م.ش).

انطلاق من مضمون المادة 456 من م.ش، فقد أتاح المشرع لمندوب الأجراء أي يؤدي مهامه داخل وخارجها وفي حدود 15 ساعة في الشهر. وإذا كانت حرية التنقل داخل المؤسسة، قد لا تثير نقاشا كبيرا، لكنها قد ترتطم ببعض الصعوبات بشأن حدودها، حيث  مندوب الأجراء في هذه الحالة مقيدا بالمراقبة باحترام ساعات دخوله وخروجه من الشغل، لكن دون أن يؤثر ذلك على تنقلاته خارج المقاولة من أجل مهامه، وهذا يستوجب أن يكون هناك نوع من الاعتدال بين حق مندوب الأجراء وسلطة المشغل، أي  تجسيد نوع من المرونة بين القانون والاتفاق.   

 لذلك أرى، أنه مادام مدة خمسة عشر ساعة في الشهر، تعد كحد أدنى لا يجوز النزول عنها، وأن ما جاءت به مدونة الشغل من أحكام تعتبر كحد أدنى، فإن هذا التوقيت قابل للتفاوض، ولا مانع من اتفاق الطرفين، المشغل ومؤسسة مندوب الأجراء، على إتاحة مندوبي الأجراء وقت اضافي لهم يتجاوز 15 ساعة في الشهر، وإن اقتضى الحال كذلك،  المطالبة بالتفرغ لمندوب أو مندوبين، خاصة حينما يتعلق الأمر بالمقاولات أو المؤسسات التي تتواجد فروعها على الصعيد الوطني من جهة، ومن جهة أخرى، تواجد مندوبي الأجراء كذلك على الصعيد الوطني، أي أن لائحة مندوبي الأجراء وطنية، أو تعلق الأمر بالمقاولات أو المؤسسة التي تشغل عد هائل من الأجراء.

خاصة وأن المندوب المتفرغ سيلعب دور أساسي في تنسيق بين مندوبي الأجراء المتواجدين على الصعيد الوطني، وتجميع الشكايات الفردية، وتتبعها بشكل دقيق مع المشغل أو مع المصالح المختصة سواء على الصعيد المركزي أو على الصعيد الجهوي أو على صعيد الفروع، ومدى تسويتها. وقد أبانت التجربة، على أن هذا الإجراء يساعد أكثر في الحد من نزاعات الشغل الفردية القابلة للاندلاع في أية لحظة، والحفاظ حقوق الأجراء، مما ينعكس ذلك، بشكل ايجابي على مردودية وتنمية المقاولة والحفاظ على السلم الاجتماعي داخل المقاولة.

غير أن التفرغ للعمل التمثيلي وبشكل نهائي، في اعتقادي، يقتضي بمندوب الأجراء المتفرع إلمامه بالتشريع الوطني، وعلى الخصوص تشريع الشغل ونصوصه التنظيمية والقوانين والمراسيم والقرارات، ومقتضيات النظام الداخلي أو أحكام اتفاقية الشغل الجماعية، ومذكرات المصلحة والدوريات الداخلية التي يصدرها المشغل، كما يقتضي كذلك الالمام بالتشريع الدولي، من خلال الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب التي أصبحت تسمو على التشريعات الوطنية فور نشرها، ذات علاقة بتشريع الشغل وبممثلي الأجراء، خاصة وأنه سيكون في اتصال مع كفاءات وطاقات ذات تجربة، وعلى اطلاع بالقوانين الوطنية والدولية. كما يستوجب كذلك أن يتحلى المتفرغ بحسن التواصل مع المشغل والأطراف المتداخلة في تسوية الشكايات، ومع الأجراء الذين يعبرون عن شكاياتهم، وكذلك الاسراع  في التدخل للحد من نزاعات الشغل لتفادي نشوبها، وايجاد الحلول السريعة لتسوية الشكايات مع المشغل أو مع إدارة المقاولة، على أساس الاحتفاظ على استقلالية مؤسسة مندوبي الأجراء داخل المقاولة. 

ثالثا– حق مندوبي الأجراء في الاستقبال فرديا أو جماعيا من طرف المشغل

عمل مشرع المدونة على خلق آليات قانونية تخول لمندوبي الأجراء الحق في استقبالهم، بصفة فردية أو جماعية، من طرف المشغل أو من ينوب عنه، والحق المخول لهم يتم في دوريات محددة أو تبعا لطلبهم، ولقد كانت الفقرة الأولى من المادة 460 من مدونة الشغل  واضحة، عندما نصت على أنه ((يجب على المشغل، أو من ينوب عنه، أن يستقبل مندوبي الأجراء جماعيا، مرة كل شهر على الأقل، كما يجب عليه أن يستقبلهم بطلب منهم في حالات الاستعجال)).

انطلاق من مضمون هذه الفقرة  التي صيغت يصيغة الوجوب، أن المشرع ألزم على المشغل استقبال مندوبي الأجراء بشكل جماعي، وهذا الاستقبال يأتي إما مرة كل شهر على الأقل، وهنا يكون المشغل أو من ينوب عنه هو الملزم باستدعائهم جماعيا، ولا شيء يمنع استقبال مندوبي الأجراء بشكل فردي بنفس التاريخ، من جهة، ومن جهة أخرى، أوجب استقبالهم من قبل المشغل، في حالة حصول صعوبات تقتضي نقاشا بشأن حالات مستعجلة، أي يصعب على مندوبي الأجراء الانتظار إلى حلول دورية الشهر، وفي هذه الحالة ليس هناك ما يفيد ضرورة استقبال المشغل لهم في الحال، ولا وجود لأجل معين لهذا الاستقبال بنص صريح، ولذلك لا ينبغي أن يؤخذ هذا الاستعجال بالاستخفاف من قبل المشغل، لا سيما وأن المادة 461 من مدونة الشغل أبانت بأن أجل تسليم المذكرة للمشغل، يتم قبل تاريخ الاستقبال بيومين، يمكن عدم احترامه في ظروف استثنائية، والتي نفهم من خلالها حالة الاستعجال. 

فضلا عن ذلك، لقد أوجب المشرع إمكانية أخرى لاستقبال مندوبي الأجراء خارج عن دورية الشهر وخارج عن حالة الاستعجال، حيث يكون هذا الاستقبال في شكل فردي أو قطاعي، يتم بين المشغل وأحد مندوبي الأجراء، أو بينه وبين مندوبين يمثلون قطاعا معينا، سواء تعلق الأمر بمندوبين يمثلون مؤسسة معينة، أو ورشا، أو مصلحة، أو بحسب الاختصاص المهني، وهو ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 460 من مدونة الشغل التي تنص على أنه ((يجب على المشغل، أو من ينوب عنه، أن يستقبل مندوبي الأجراء، إما فرادى، أو بصفتهم ممثلين عن كل مؤسسة، أو ورش، أو مصلحة، أو حسب الاختصاص المهني، وذلك تبعا للقضايا التي يريدون معالجتها)).

ويبقى الهدف وراء هذا “الاستقبال” حسب تعبير الفقرتين الأولى والثانية من المادة 460 من مدونة الشغل، يكمن في معالجة بعض القضايا التي تستدعي إجراء هذا الاستقبال.

  وفي ظل هذا الاستقبال الذي يحظى به مندوبي الأجراء، فقد خول المشرع للمندوبين النواب إمكانية حضورهم الاجتماعات التي يعقدها المندوبون الأصليون مع المشغل، لكن دون إلزام باستدعائهم من طرف المشغل، وهذا ما يفيد بأن المندوبين الأصليين هم الذين يسعون إلى اصطحابهم معهم. لكن التساؤل الوارد في هذا شأن، هل سيستسيغ المشغل حضور مندوبي النواب إلى جانب مندوبي الأصليين الذي لم يتولى استدعائهم، مادام أن المشرع لم يلزم حضورهم؟ وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 460 من مدونة الشغل على أنه ((يمكن للمندوبين النواب، أن يحضروا في جميع الأحوال، الاجتماعات التي يعقدها المندوبون الأصوليون مع المشغل))، 

وقد ترد اشكالية في حالة الاستقبال العادي، حيث المشرع فرض على مندوبي الأجراء الراغبون في عرض الشكاية، تقديم مذكرة كتابية موجزة، يومين قبل تاريخ الاستقبال، تتضمن موضوع شكاية الأجير أو الأجراء، وتسجل في سجل خاص يدون فيه الجواب عن المذكرة داخل أجل 6 أيام، ثم يضع هذا السجل رهن اشارة من يريد الاطلاع عليه من أجراء المؤسسة طيلة يوم واحد من أيام الشغل عن كل خمسة عشر يوما، وخارج ساعات الشغل، ورهن اشارة العون المكلف بتفتيش الشغل (المادة 461 من م.ش).

ويكون المشغل معرضا لعقوبات زجرية بمقتضى المادة 462 من م.ش في حالتين، الأولى، يعاقب بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم في حالة رفضه استقبال مندوب الأجراء وفق الشروط المنصوص عليها في المادتين 460 و461 من م.ش، والثانية، يعاقب بغرامة من 10.000 درهم إلى 20.000 درهم  عن عدم مسك السجل الخاص وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 461، أو عدم السماح للأجراء بالاطلاع عليه بالكيفية المقرر في نفس المادة.

 المحور الرابع

ممثلي الأجراء بين الحماية التشريعية والقضائية

إن طبيعة عمل ممثلي الأجراء، تجعل المشغل ينظر إليهم باعتبارهم مصدرا للمشاكل والازعاج داخل المقاولة أو المؤسسة، نظرا لكونهم المعبرين عن مشاكل الأجراء ومطالبهم المهنية، في جانبها الاجتماعي بالأساس، و نظرا كذلك لدورهم الحساس الذي يقومون به، والمتمثل في تأطير الأجراء وتوعيتهم بحقوقهم، وهذا الدور لا يستسيغه المشغلون وغالبا ما يقلقهم، مما يعرضونهم إلى طرد عن العمل، إما انتقاما أو تأديبا لهم ليكون عبرة لأمثلهم من باقي الأجراء، فيكون بذلك وسيلة لردعهم، مما جعلهم المشغل فئة مستهدفة داخل المقاولة فكان من الضروري احاطتهم بحماية جنائية، من شأنها إبعاد كل اشكال الضرر التي قد تمس يهم، وأمام الصعوبات التي تعترضهم أثناء ممارسة لمهامهم القانونية، على اعتبار أن صفتهم تدفع بهم في الأصل إلى الاستقلال عن ضغوطات المشغل، لتمثيل الأجراء وحماية مصالحهم، نظرا للمصالح المتضاربة والمختلفة بين أطراف العلاقة، فقد تدخل المشرع لحماية هذه الفئة من الأجراء.

وإذا كانت مدونة الشغل تتميز بطابعها الحمائي، الذي يهدف إلى إعادة التوازن في العلاقة الشغلية بين المشغل وأجرائه، فإن هذا الطابع الحمائي يتجلى أكثر في المقتضيات القانونية المتعلقة بممثلي الأجراء داخل المقاولة أو المؤسسة، سواء تعلق الأمر بمندوب الأجراء أو الممثل النقابي. وتبدأ هذه الحماية منذ وضع اللوائح الانتخابية، إلى ما بعد انتهاء مدة انتدابه.

فضلا عن أن حماية ممثلي الأجراء، لا تقتصر فقط على التشريع الوطني، بل تضمنهم كذلك التشريع الدولي الذي اصطف إلى جانبهم، من خلال الاتفاقيات الدولية، كما هو الحال بالنسبة لاتفاقية الدولية رقم 135 بشأن توفير الحماية والتسهيلات لممثلي العمال، نصت المادة الأولى منها على أنه ((يتمتع ممثلو العمال في المؤسسات بحماية فعلية من أي تصرفات تضر بهم، بما فيها التسريح، وتتخذ بسبب وضعهم أو أنشطتهم كممثلي للعمال، أو عضويتهم النقابية، أو اشتراكهم في أنشطة نقابية، شريطة أن يعملوا وفقا للقوانين أو الاتفاقات الجماعية القائمة أو وفقا لترتيبات أخرى متفق عليها بصورة مشتركة)).

وإذا كان هذا الخيار التشريعي، بخصوص الحماية الخاصة والاستثنائية التي أناط بها المشرع المغربي ممثلي الأجراء، يبدو تمييزا بين الأجراء، إلا أن أغلب الفقه المغربي صنفه ضمن ما اصبح متداولا بالتميز الايجابي، نظر لما تفرضه صفتهم وطبيعة مهامهم التمثيلية التي يضطلعون بها، كل من مندوب الأجراء والممثل النقابي().

 أولا: الحماية التشريعية والقضائية لمندوبي الأجراء من الجزاءات التأديبية 

اعتبارا على أن مندوبي الأجراء يعدون أكثر عرضة للعقوبات التأديبية من غيرهم، نظرا لاحتكاكهم المباشر واليومي مع المشغل، فقد أحاطهم مشرع المدونة بحماية قانونية خاصة، من بداية تقديم الأجير لطلب الترشح لمهمة مندوبي مندوب الأجراء إلى ممارسة هذه المهمة، أو ممارستها سابقا في ظل مقتضيات المادة 36 من مدونة الشغل التي تنص على أنه((لا تعد الأمور التالية من المبررات المقبولة لاتخاذ العقوبات التأديبية أو للفصل من الشغل:

  1.  …………….؛

  2.  …………….؛

  3.  طلب الترشيح لممارسة مهمة مندوب الأجراء، أو ممارسة هذه المهمة، أو ممارستها سابقا؛..)).

وهذه الحماية نفسها أوردتها المادة 5 من الاتفاقية الدولية رقم 158 بشان انهاء الاستخدام بمبادرة من صاحب العمل، وهي الاتفاقية المعتمدة من قبل المؤتمر الدولي للعمل في دورته الثامنة والستين المنعقدة بجنيف في شهر يونيو 1982، وقد أصبحت هذه الاتفاقية نافذة بالمغرب، بعد المصادقة عليها بمقتضى ظهير شريف رقم 1.98.167 بتاريخ 2 غشت 2011().

كما أضاف المشرع المغربي حماية أخرى لمندوبي الأجراء، حيث خصهم بضمانات إضافية عما منح لغيرهم من الأجراء، بحيث اعتبر اقتراف مندوب الأجراء لخطأ الذي من شأنه يجعله محل عقاب تأديبي، يجب أن يكون وفق مسطرة قانونية خاصة يقتضي احترامها، وقد نصت المادة 457 من م.ش على أنه ((يجب أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل اتخاذه في حق مندوب الأجراء، أصليا كان أو نائبا، موضوع مقرر، يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل، إذا كان هذا الإجراء يرمي إلى نقل المندوب أو نائبه من مصلحة إلى أخرى، أو من شغل إلى آخر، أو إلى توقيفه عن شغله، أو فصله عنه))، 

 وقد سبق لمحكمة النقض في قرارها عدد 655 الصادر بتاريخ 25 أبريل 20153 في الملف الاجتماعي عدد 1014/5/2/2012 أن اعتبرت امتناع مندوب الأجراء من الالتحاق بالعمل الجديد، ودون حصول المشغل على موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل بمقتضى المادة 457 من م.ش، لا يعد مغادرة تلقائية بل طردا ضمنيا(). 

يستنتج من مضمون المادة 457 من م.ش، على أنها جاءت لتجسد الحماية الخاصة أو الاستثنائية، التي يحظى بها مندوبي الأجراء، والذين يصفون ب” الأجراء المحميين”، نظرا لإحاطة المسطرة التأديبية التي توقع على هؤلاء بمجموعة من الضمانات القانونية في ظل التشريع الوطني والدولي كذلك، من خلال الاتفاقيات الدولية، سواء تعلق الأمر باتفاقية الدولية رقم 158 أو اتفاقية الدولية رقم 135.

كما أن هذه الحماية لم تقتصر فقط على مندوبي الأجراء المزاولين لمهامهم، أصليا كان أو نائبا، بل امتد مجال تطبيقها لتشمل كل من:

  1. قدماء مندوبي الأجراء، ومدة الحماية 6 أشهر ابتداء من تاريخ انتهاء انتدابهم؛

  2. المترشحين لانتخابات مندوبي الأجراء، ومدة الحماية لا تتجاوز ثلاثة أشهر، ابتداء من تاريخ الاعلان عن النتائج الانتخابية.

وتوسيع هذه الحماية أوردها المشرع في مقتضيات المادة 458 من م.ش، التي تنص على أنه ((تسري المسطرة الواردة في المادة 457 أعلاه، في حق قدماء مندوبي الأجراء، خلال ستة أشهر من تاريخ انتهاء انتدابهم، إذا كانوا محل إجراء يرمي إلى نقلهم من مصلحة إلى أخرى، أو من شغل إلى آخر، أو إلى توقيفهم عن شغلهم، أو فصلهم عنه. كما تسري نفس المسطرة في حق المترشحين لانتخابات مندوبي الأجراء، بمجرد وضع اللوائح الانتخابية، وتظل سارية طيلة ثلاثة أشهر من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات)).

وقد أكدت محكمة النقض في قرارها عدد 771 مؤرخ في 26/03/2015 في الملف الاجتماعي عدد 305/5/1/2014 على أن مسطرة تأديب مندوب الأجراء، هي نفسها التي تسري على المترشحين للانتخابات مندوبي الأجراء، مما يستوجب احترامها طيلة ثلاثة أشهر، ابتداء من تاريخ اعلان نتائج الانتخابات، وبذلك، فإن أي إجراء تأديبي قبل انصرام الأجل المذكور يوجب على المشغل سلوك مسطرة التأديب المنصوص عليها في المدة 457 من م.ش، وفصل المشغل للأجير المترشح دون احترام المسطرة، موجب للتعويضات الثلاثية(أجل الاخطار، الفصل والضرر)().

وإذا كان المشرع قد أوجب على المشغل، في حالة عزمه اتخاذ إجراء تأديبي في حق مندوب الأجراء الأصلي أو النائب، أن يكون موضوع مقرر، فإنه في نفس الوقت أوجب على مفتش الشغل أن يتخذ قرارا معللا، يوافق بمقتضاه أو يرفض الإجراء التأديبي المزمع اتخاذه من قبل المشغل، وذلك داخل أجل ثمانية أيام، وتحتسب هذه المدة من تاريخ الإشعار الذي يتوصل به، وهو ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 459 من م.ش التي تنص على أنه ((يجب على العون المكلف بتفتيش الشغل، في الحالات الواردة في المادتين 457 و458 أعلاه، أن يتخذ قراره، بالموافقة أو الرفض، خلال الثمانية أيام الموالية لإشعاره. ويجب أن يكون قراره معللا))، وهو ما أكدته محكمة النقض في قرارها 2338 المؤرخ في 19/11/2015 ملف اجتماعي عدد 900/5/1/2013().

أما في حالة ارتكاب مندوب الأجراء لخطأ جسيم، فيمكن للمشغل ان يقرر في حقه مباشرة التوقيف المؤقت، على أساس أن يشعر مباشرة العون المكلف بتفتيش الشغل بالإحراء التأديبي المتخذ في حقه، وقد نصت الفقرة  الأولى من المادة 459 على أنه ((يمكن للمشغل، في حالة الخطأ الجسيم، أن يقرر حالا التوقيف المؤقت في حق مندوب الأجراء، وعليه أن يشعر فورا، العون المكلف بتفتيش الشغل بالإجراء التأديبي المزمع اتخاذه)).

إن ادعاء المشغل لارتكاب مندوب الأجراء لخطأ جسيم، فإنه يتعين قبل فصله من عمله، أن يتم توقيفه مؤقتا إلى حين موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل على فصله من العمل، وهو ما قضت به الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض في قرارها عدد 63 الصادر بتاريخ 21/01/2011 في الملف الاجتماعي عدد 317/5/1/2009().  

كما أن فصل مندوب الأجراء عن العمل بسب ارتكابه لخطأ جسيم يقتضي، بعد موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل، سلوك مسطرة الاستماع التي تنص عليها المادة 62 من م.ش، وهو ما قضت به الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض في قرارها عدد 541 المؤرخ 22 مارس 2016 في ملف اجتماعي عدد 876/5/4/2015 ، الذي جاء فيه ((والثابت من وثائق الملف أن المشغلة كاتبت السيد مفتش الشغل قصد الموافقة على فصل الأجير باعتباره حسب ادعائها مندوبا للعمال وقد منحها الترخيص بمقتضى كتابة المؤرخ في 14/01/2013، إلا أن المشغلة وبالموازاة كان عليها سلوك مسطرة الاستماع المنصوص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل وذلك بالاستماع للأجير حول المنسوب إليه داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ التبين الخطأ المنسوب إليه وهو الأمر المنتفي في النازلة. وحيث أنه طبقا لمقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل لا يتم اللجوء إلى مفتش الشغل إلا بعد رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة، وهو الأمر الغير تابت في النازلة، ذلك أن المشغلة لم تدل بما يثبت أنه استدعت الأجير قصد الاستماع غليه وأنه توصل ولن أحضر أو أنه حضر ورفض التوقيع، كما أنها لم تدل بمحضر الاستماع الذي يثبت هذه الواقعة. أما إدلائها بالمحضر المنجز أمام مفتش الشغل فإن ذلك لا يغنيها عن سلوك مسطرة الاستماع كما هو منصو عليه في المادة 62 والتي تجيب أن يكون هذا الاستماع داخل المقاولة وليس أمام مفتش الشغل بدليا أن المحضر يتعين تحريره من قبل إدارة المقاولة)) (). 

 وفي كلتا الحالتين، فإن مفتش الشغل ملزم باحترام شكلية المصادقة، أي بالموافقة على قرار المشغل بالإيجاب أو بالرفض، داخل أحل 8 أيام الموالية للإشعار وأن يكون ذلك معللا بمقتضى الفقرة 2 من المادة 459 من م.ش. ومقتضيات هذه الأخيرة تعد مكملة للمادة 457 من م.ش بخصوص مسطرة تأديبي مندوبي الأجراء.

وقد اعتبر القضاء، أن إبلاغ مندوب الأجراء بمقرر الفصل دون انتظار جواب مفتش الشغل بالقبول أو الرفض، طرد تعسفي موجب للتعويضات (قرار محكمة النقض عدد 952/1 الصادر بتاريخ 25 يونيو 2019 في الملف الاجتماعي عدد 443/5/1/2019)().

وتجدر الاشارة إلى استقرار القضاء المغربي على اشتراط استنفاذ المسطرة التأديبية المذكورة، من نماذج ذلك، قرار محكمة النقض عدد 1194 الصادر بتاريخ 12 شتنبر 2013 في الملف الاجتماعي عدد 1664/5/2/2012 الذي قضى بأن (( فصل مندوب الأجراء في ظل مدونة الشغل يقتضي اشعار مفتش الشغل بالخطأ الجسيم المنسوب له، فيتم توقيفه مؤقتا إلى حين صدور قرار مفتش الشغل الذي يجب أن يكون معللا بالقبول أو بالرفض، بما يعطي لمن تضرر منه حق الطعن فيه لأنه قرار إداري، فإبقاء الأجير موقوفا إلى أجل غير معلوم يجعل الطرد الذي تعرض له مشوبا بالتعسف))().

وفي الأخير ما يجب التأكيد عليه، أنه بالرغم من اختلاف العقوبات التأديبية التي قد يقررها المشغل في حق مندوب الأجراء أصليا كان أو مندوبا، التي تتدرج من حيث الخطورة وقد تتراوح بين نقله من مصلحة إلى أخرى، أو من شغل إلى آخر أو من مقر العمل إلى مكان آخر، وقد تنتقل هذه العقوبة إلى وقف عقد الشغل بصفة مؤقتة عن طريق توقيفه عن الشغل، وقد يتعدى هذا التأديب إلى أشد خطورة عن طريق وقف عقد الشغل بصفة دائمة وهو فصله عن العمل في حالة ارتكابه لخطأ جسيم ، فإن إجراء توقيع العقوبة التأديبية على مندوب الأجراء، أصليا كان أو نائبا، يجب أت يستوفي شرطين أساسين: 

الشرط الأول: صدور مقرر العقوبة عن المشغل الذي لا يمكن أن يكون إلا كتابيا، ويقتضي أن يحتوي هذا المقرر عن الأسباب التي دفعت المشغل إلى اتخاذ الإجراء التأديبي، وكذا طبيعة العقوبة التي يوقعها على مندوب  الأجراء الأصلي أو النائب؛

الشرط الثاني: مصادقة العون المكلف بتفتيش الشغل على مقرر العقوبات أو رفضه خلال ثمانية أيام الموالية لإشعاره.

ثانيا: الحماية التشريعية والقضائية للممثل النقابي من الجزاءات التأديبية

رغم المنع الصريح الذي نص عليه المشرع المغربي بشأن مس بالحريات النقابية والحقوق المتعلقة بالممارسة النقابية داخل المقاولة وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل()، فإن الممثل النقابي بحكم المهام المنوطة به قانونا داخل المقاولة أو المؤسسة، شأنه شأن مندوب الأجراء، قد يتعرض لمضايقة المشغل، التي قد تصل إلى حد فصله عن الشغل، الشيء الذي دفع المشرع بالتدخل لحمايتهما معا وبشكل صريح.

وتبرز الحماية القانونية للممثل النقابي() بداية من خلال المقتضيات القانونية الواردة في المادة 36 من م.ش، حيث نص صراحة على أن الانتماء النقابي، وكذا ممارسة مهمة الممثل النقابي، لا يمكن أن تعد من المبررات المقبولة لاتخاذ العقوبات التأديبية، وكذلك الفصل من الشغل، بل حتى وإن ارتكب الممثل النقابي مخالفة داخل المقاولة أو المؤسسة ويستحق عليها عقوبة تأديبية، فإن تأديبه يقتضي احترام المسطرة القانونية الخاصة بشأن مندوب الأجراء، بحيث يستفيد الممثلون النقابيون من نفس التسهيلات والحماية التي يستفيد منها مندوبو الأجراء طبقا لأحكام المادة 457 من م.ش والتي كرستها المادة 472 من ذات المدونة، وهو ما أكده قرار محكمة النقض عدد 427 المؤرخ في 8/3/2016 في الملف الاجتماعي عدد 254/5/1/2015().

وحتى لا نعيد نفس النصوص القانونية التي سبق ذكرها، والتي لها علاقة بالحماية القانونية الخاصة التي أحاطها المشرع المغربي مندوبي الأجراء، فإن ما يجب التأكيد عليه، على أن الممثل النقابي يعتبر  في نفس النازلة والمرتبة مع مندوب الأجراء بالنسبة للتسهيلات والحماية القانونية، من خلال مقتضيات المواد 459.458.457.58 الواردة في مدونة الشغل.

وقد نصت المادة 472 من مدونة الشغل على أنه ((يستفيد الممثلون النقابيون من نفس التسهيلات والحماية التي يستفيد منها مندوبو الأجراء بمقتضى هذا القانون. إذا كان مندوب الأجراء يزاول في نفس الوقت مهمة الممثل النقابي، فإنه يستفيد من التسهيلات والحماية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة برسم ممارسة إحدى المهمتين فقط))، وبذلك، فإن كل إجراء تأديبي في حق  الممثل النقابي أو مندوب الأجراء الذي يزاول في نفس الوقت مهمة الممثل النقابي بمقتضى هذه المادة، يجب أن يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل طبقا للمادة 457 من مدونة الشغل، الشيء الذي يستوجب على المشغل أن يتثبت حصوله على الموافقة تحت طائلة اعتبار فصل مندوب الأجراء من العمل فصلا تعسفيا، وبصرف النظر عن الأخطاء المنسوبة لمندوب الأجراء، حيث يعد محميا طبقا للمادتين 457 و472 من م.ش، وهو ما قضت به الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض في قرارها عدد 508 الصادر بتاريخ 28 مارس2013 في الملف الاجتماعي عدد 1259/5/1/2011().  

وما ينطبق على التشريع الوطني بشأن حماية ممثلي الأجراء، ينطبق كذلك على التشريع الدولي من خلال الاتفاقيات الدولية رقم 135 ورقم 158، التي صادق عليهما المغرب.

كما يجب التأكيد على أن الحماية القانونية التي أناط المشرع بها الممثل النقابي، لا يتمتع بها إلا في حالة تعيينه من قبل المكتب النقابي بالمقاولة أو المؤسسة وفق ما تقضي به المادة 470 من م.ش، بحيث مجرد عضو بالمكتب النقابي لا تشمله هذه الحماية، وهذا ما قررته الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض في قرار لها عدد 1133 الصادر بتاريخ 12/12/2017 في الملف الاجتماعي عدد 1796/5/1/2016 الذي جاء فيه على أن ((الحماية المقررة للممثل النقابي بمقتضى المادة 472 من مدونة الشغل، لا يتمتع بها إلا عضو المكتب النقابي الذي تم تعينه ممثلا نقابيا من طرف المكتب النقابي بالمقاولة أو المؤسسة وفقا للكيفية المحددة بمقتضى المادة 470 من مدونة الشغل))()، وقد سبق وأن قررته نفس المحكمة في قرارها عدد 324/1 بتاريخ 21 مارس 2017 في الملف الاجتماعي عدد 1594/5/1/2016(). 

وتعد الإجراءات الشكلية التي تسبق تطبيق العقوبة التأديبية في حق ممثلي الأجراء، من النظام العام، حيث يترتب على عدم احترامها اعتبار الإجراء التأديبي المتخذ في حق ممثل الأجراء باطلا، الشيء الذي يستوجب احترامها من طرف المشغل، بغض النظر عن شرعية القرار أو عدم شرعيته، لكون احترام هذه الاجراءات تكتسي نوع من الرقابة القبلية على تطبيق العقوبة التأديبية من طرف مفتش الشغل، ما دام أن هذا الأخير قد ألزمه المشرع على تقديم رأي معلل في موضوع الإجراء المتخذ.

وبذلك، أن أي إجراء تأديبي في حق ممثلي الأجراء لا يحترم المسطرة القانونية التي أوجبها المشرع، يعتبر غير مشروع ولا أثر له من الناحية القانونية، بحيث إذا تعلق الأمر بالنقل، فيجب أن يعاد ممثل الأجراء إلى عمله، أي إلى المكان الذي كان يشغله قبل نقله، أما إذا تعلق الأمر بالتوقيف، فيجب أن يعاد فورا إلى عمله، مع أحقيته في جميع مستحقاته السابقة، أي جميع المبالغ التي كان سيحصل عليها لو لم يقع توقيفه، أما إذا تعلق الأمر بالفصل، فيحق للأجير في حالة تعذر أي اتفاق بواسطة الصلح التمهيدي رفع دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة، التي لها بأن تحكم إما بإرجاع الأجير إلى شغله، أو حصوله على التعويضات المستحقة قانونا(). 

ثالثا: مضاعفة التعويض في حالة فصل ممثل الأجراء عن العمل تعسفيا

لم يكتف المشرع المغربي في تكريس الحماية القانونية لممثلي الأجراء بوجوب احترام المسطرة التأديبية، وتحت طائلة عقوبة الغرامة، وإنما ذهب إلى حد النص على مضاعفة التعويض عن الفصل، كلما تعلق الأمر بفصل ممثل الأجراء خلال مدة انتدابه، وهو ما تؤكده  مقتضيات المادة 58  من م.ش التي تنص على أنه ((يرفع بنسبة 100% التعويض المستحق لمندوب الأجراء والممثل النقابي بالمقاولة عند وجوده، الذين يفصلون من شغلهم خلال مدة انتدابهم، وفق المقتضيات المنصوص عليها في المادة 53 أعلاه)).

غير أن هذه العناية الخاصة، لم تكن تشمل ممثلي النقابة في ظل القانون السابق الذي كان يسمى ب”التعويض عن الاعفاء”، بقدر ما كان هذا الامتياز مقتصرا على مندوبي الأجراء دون غيرهم، وكان ينص الفصل الثاني من المرسوم الملكي رقم 316.66 بتاريخ 14 غشت 1967 على أنه ((يضاعف بنسبة 100 في المائة التعويض الواجب منحه لمندوبي المستخدمين الذين تم اعفائهم أثناء مدة انتدابيهم، ما عدا إذا وافق على هذا الاعفاء العون المكلف بتفتيش الشغل))()، ومع صدور مدونة الشغل أصبح مضاعفة التعويض عن الفصل، يشمل كذلك الممثل النقابي بمقتضى المادة 58 السالفة الذكر.

لكن مضاعفة “التعويض عن الفصل” الذي أصبح يشمل كذلك ممثلي النقابة، بمقتضى المادة 58 من م.ش، لا يستحقه إلا مندوب الأجراء الأصلي المزاول لعمله فعليا، وبذلك عمل المشرع على اقصاء مندوب الأجراء النائب من التعويض المضاعف عن الفصل، تحت ذريعة أنه لا يزاول مهامه، بالرغم من أنه، أي مندوب النائب، يستفيد من نفس الحماية القانونية التي يستفيد منها المندوب الأصلي بمقتضى  المادة 457 من م.ش.

 والقضاء في هذه النازلة، يرى أن الاستفادة من التعويض المضاعف عن الفصل مرتبط بممارسة المهمة وليس باكتساب الصفة، لكون ما تقضي به المادة 58 من مدونة الشغل هو استثناء من مبدأ التعويض، وهذا ما قررته الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض في قرار لها عدد 798/1 الصادر بتاريخ 21 ماي 2019 في الملف الاجتماعي عدد 2714/5/1/2017 الذي جاء فيه (( لكن، حيث إن الثابت من خلال وثائق الملف أن الطاعن نائب مندوب الأجراء، فإن كان هذا الأخير يستفيد من الحماية التي تقرها المادة 457 من مدونة الشغل التي تنص على أنه “يجب أن يكون كل إجراء تأديبي، يعتزم المشغل اتخاذه في حق مندوب الأجراء، أصليا كان أو نائبا، موضوع مقرر، يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل، إذا كان هذا الإجراء يرمي إلى نقل المندوب أو نائبه من مصلحة إلى أخرى، أو من شغل إلى آخر، أو إلى توقيفه عن شغله، أو فصله عنه”، إلا أن التعويض المضاعف عن الفصل طبقا للمادة 58 من مدونة الشغل لا يستفيد منه إلا مندوب الأجراء الأصلي دون نائبه لكون هذا الأخير لا يمارس عمله إلا إذا توقف المندوب الأصلي عن ممارسة مهامه لسبب من الأسباب طبقا للمادة 435 من مدونة الشغل التي تنص على أنه: “تنتهي مهام مندوب الأجراء بوفاته، أو بسحب الثقة منه أو باستقالته، أو ببلوغه السن القانوني للتقاعد، أو بإنهاء عقد شغله، أو بصدور حكم عليه من الأحكام المشار إليها في المادة 438 أدناه. يمكن إنهاء مهمة مندوب الأجراء بسحب الثقة مرة واحدة فقط بعد مرور نصف مدة الانتداب بقرار مصادق على صحة إمضائه يتخذه ثلثا الأجراء الناخبين”، وتأتي المادة 436 من نفس القانون لتنص على أنه: “إذا توقف المندوب الأصلي عن مزاولة مهامه لسبب من الأسباب الواردة في المادة 435 أعلاه، خلف المندوب النائب من فئته المهنية، والذي ينتمي إلى لائحته الانتخابية، ويصبح عندئذ مندوبا أصليا، إلى أن تنتهي مدة انتداب العضو الذي حل محله” فالاستفادة من التعويض المضاعف عن الفصل مرتبط بممارسة المهمة وليس اكتساب الصفة لكون المقتضى المنصوص عليه في المادة 58 من مدونة الشغل هو استثناء من مبدأ التعويض ولا يمكن التوسع فيه، ويحل هذا التعليل محل التعليل التنفيذ والوسيلتان على غير أساس))().

وقد اعتبر القضاء ” مادام الأجير الذي يحمل صفة ممثل النقابي، كما هو ثابت من لائحة المكتب النقابي، فإنه يستحق تعويضا مضاعفا عن الفصل”، وهذا ما قررته الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض في قرار لها عدد 1525 الصادر بتاريخ 05/12/2013 في الملف الاجتماعي عدد 418/5/1/2013().

وإذا كنا نقدر ما ذهب إليه المشرع المغربي، بشأن مضاعفة التعويض عن الفصل لمندوب الأجراء الأصلي وكذا الممثل النقابي، فإننا نتساءل عن سبب اقصائه من هذا الإجراء، كل من مندوب الأجراء النائب، ومندوب الأجراء الذي انتهت مدة انتدابه حتى وان كان أصليا، والاجير الذي كان مترشحا للانتخابات، في الوقت الذي كان على المشرع، كما نعتقد، أن يقوم بتوسيع الحماية القانونية التي اضفاها عليهم بمقتضى المادتين 457 و458 من مدونة الشغل، ليشملهم كذلك بمضاعفة التعويض لهم عن الفصل. 

وفيما يخص الأجر المعتمد في احتساب التعويض عن الفصل، فإنه يعتد بالأجر الخام، وهو ما أكده قرار محكمة النقض عدد 2879 الصادر بتاريخ 20/12/2016 في الملف اجتماعي عدد 1746/5/1/2014()، حيث إذا كان احتساب التعويض عن أجل الإخطار والتعويض عن الضرر يعتمد على الأجر الصافي، فإن احتساب التعويض عن الفصل يعتمد على الأجر بمعناه الأساسي مع توابعه المنصوص عليه في المادة 57 من م.ش.

خاتمة:

وفي الأخير، بعد عرضنا لصلاحيات ممثلي الأجراء بالمقاولة التي تقضي بها مدونة الشغل والنصوص التنظيمية والقرارات، سواء المقتضيات المتعلقة بنطاق تطبيق نظام مندوبي الأجراء، وكذا الضمانات القانونية المخولة لهم، أو تعلق الأمر بالمقتضيات المشتركة بين المؤسستين، مندوبي الأجراء  وممثلي النقابة، بشأن مجال تدخلهما وكذا الحماية التي أناطهم بها المشرع، مع الوقوف على مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي لها علاقة بحماية ممثلي الأجراء من تعسف المشغل أو منحهم لتسهيلات تسمح لهم بأداء مهامهم بصورة سريعة وفعالة، مع التأكيد على دور القضاء في حماية هذه الفئه، كلما لجأ المشغل إلى التعسف عليها، أو بسبب خرقه لمسطرة التأديب، أو لسوء فهم للمقتضيات القانونية، خاصة وأن القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة لسلطته التأديبية تخضع لمراقبة السلطة القضائية().

وإذا كان المشرع قد عمل على توسيع صلاحيات ممثلي الأجراء بمقتضى أحكام مدونة الشغل، وتخصيص مقتضيات حمائية، للحد من تعسف المشغل على ممثلي الأجراء خلال القيام بمهامهم القانونية، فإن وضعه لتدابير زجرية، الغاية منها ليس زجر المشغل وإنما الوقاية من ارتكابه للمخالفات وبالتالي احترام مقتضيات القانون، التي تتمثل غالبيتها في غرامات مالية، لا تتماشى وجسامة المهام المخولة لهم، لكون الغرامات تتميز بهزالة قيمتها وبعقوبات سالبة للحرية جد محددة وفي حالات محصورة()، عكس ما كانت تقضي بها القوانين السابقة، وما يزيد من عدم فعاليتها عندما يحكم القضاء بالحد الأدنى للغرامة دون الأقصى أثناء إعماله لظروف التخفيف، وفي اعتقادي، يستوجب تقوية الإجراءات الزجرية في حالة انتهاك قوانين الشغل، عن طريق ربط تغريم المقاولات أو المؤسسات برقم المعاملات أو الأرباح أو بحجم كتلة الأجور، أو بمجموع المصاريف العادية وغير العادية المصرح بها، لأنه لا يعقل أن يتم تغريم مقاولة أو مؤسسة يتجاوز رأسمالها أو أرباحها الصافية المليار من الدرهم، بالتساوي مع مقاولة أو مؤسسة لا يتعدى رأسمالها وكذا أرباحها مليون درهم أو أقل (). وهذا لا محالة أنه سيساعد على التفعيل السليم لأحكام مدونة الشغل أمام الاكراهات والصعوبات التي تواجهها.

فإننا نعتبر أنه بالرغم من توسيع مهام ممثلي الأجراء، وهزالة الغرامات، الجانب الحمائي لا يساير ولا يوازي مع توسيع صلاحيات هذه الفئة، حتى وإن كانت هذه الحماية تعد خاصة واستثنائية لا يستفيد منها باقي الأجراء، أمام المضايقات والصعوبات التي تعترض كل مندوبي الأجراء وممثلي النقابة خلال ممارسة لصلاحيتهم التمثيلية، والتي تصل إلى حد الفصل عن العمل، وبالخصوص ممثلي النقابة.