مع كل خطوة حكومية نحو فرض ضرائب جديدة على المواطنين، يتجدد الجدل حول مصير الأموال العامة وكيفية صرفها في القضايا الوطنية. آخر هذه المبادرات، رفع الحكومة نسبة رسم التضامن ضد الوقائع الكارثية من واحد في المئة إلى 1.5 في المئة، بهدف تعزيز مداخيل صندوق التضامن. وعلى الرغم من أن الهدف المعلن هو مواجهة الكوارث وحماية المواطنين، إلا أن النائبة البرلمانية عن “فدرالية اليسار الديمقراطي”، فاطمة الزهراء التامني، طرحت تساؤلات جوهرية حول الصناديق السابقة ومصير الأموال التي ضخت فيها.
صناديق الكوارث: من الإنشاء إلى الغياب الرقابي
في تدوينة قصيرة على حسابها الرسمي في فيسبوك، أعادت التامني تسليط الضوء على “صندوق الكوارث”، “صندوق الزلزال”، و”صندوق كورونا”، متسائلة عن مصير الأموال التي جُمعت فيه، وعن شفافية صرفها.
هنا يبرز أول سؤال ملح: هل تلك الأموال حقًا استُخدمت لدعم المتضررين، أم أنها ضاعت في إدارة غير شفافة؟
المفارقة تكمن في أن الحكومة، رغم تكرارها فرض الرسوم على المواطنين، لم تقدم أي تقارير مفصلة توضح كيف تم توظيف هذه الموارد، وهو ما يعمق أزمة الثقة بين الدولة والمواطنين. فالتمويل غير الشفاف يؤدي إلى انطباع بأن السياسات المالية تعتمد على الجبايات المباشرة بدل إصلاح هياكل الدعم وإعادة توزيع الموارد بكفاءة وعدالة.
تداعيات رفع الرسم: اقتصاد المواطن في الميزان
رفع رسم التضامن من 1% إلى 1.5% قد يبدو، على الورق، زيادة بسيطة، لكن تأثيره على القدرة الشرائية للمواطنين خاصة الفئات الضعيفة والمتوسطة لا يمكن تجاهله. في الوقت الذي يعاني فيه المغاربة من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، يصبح هذا الإجراء حملًا ماليًا إضافيًا بدل أن يكون أداة تضامن حقيقية.
هنا يمكن طرح أسئلة مهمة: هل الحكومة درست التأثير الاجتماعي لهذه الزيادة؟ وهل هناك بدائل تمويلية أكثر عدالة، مثل فرض ضريبة على الثروة أو مراجعة الدعم الموجه لبعض القطاعات غير المستحقة؟
الأموال المجهولة: أزمة المحاسبة والشفافية
إحدى النقاط الجوهرية التي أثارتها التامني هي غياب المحاسبة الحقيقية على الصناديق السابقة. فبعد إنشاء صناديق مثل “صندوق كورونا”، لم تصدر تقارير مفصلة عن حجم الأموال المحصلة، أوجه صرفها، أو تقييم أثرها على المواطنين.
المسألة لا تتعلق بالشفافية فقط، بل بالثقة التي يجب أن تربط الدولة بمواطنيها. فالغياب المتكرر للتقارير يطرح أسئلة حول المصداقية وفعالية السياسات العمومية، ويجعل المواطنين مترددين في دعم أي مبادرات جديدة.
تجارب دولية: دروس يمكن استلهامها
اليابان، على سبيل المثال، التي تتعرض بشكل متكرر للزلازل والأعاصير، تعتمد نظامًا شفافًا لإدارة صناديق الكوارث. كل ينفق من الضرائب والرسوم يتم توثيقه، ويتم تقييم أثر التدخلات في كل حادثة، مع رقابة برلمانية مستقلة.
الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا لديها “Federal Emergency Management Agency (FEMA)”، حيث تتم إدارة الموارد المالية للكوارث تحت رقابة دقيقة، ويخضع كل مشروع تمويلي لتقارير مفصلة تُرفع إلى الكونغرس.
مقارنة بهذه التجارب، يبدو أن المغرب لم يزل في مرحلة “الرمزية” في إدارة صناديق الكوارث، رغم الأهمية الاقتصادية والسياسية للجالية المغربية المقيمة بالخارج، وتحويلاتها التي تتجاوز 100 مليار درهم سنويًا.
الرسالة السياسية والاجتماعية للتامني
التامني لا تكتفي بانتقاد الحكومة من زاوية مالية فقط، بل تلمس الأبعاد السياسية والاجتماعية: استمرار فرض الرسوم على المواطنين بدون مساءلة مسبقة يعكس منطق الجبايات غير العادلة ويعمق أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع المدني.
السؤال المطروح: كيف يمكن إعادة بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحكومية؟ وهل تكفي الإجراءات الرمزية مثل رفع نسبة الرسم، أم أن الحل يحتاج إلى رؤية شاملة للشفافية والمحاسبة؟
الجانب القانوني: الصناديق والرقابة
القوانين الحالية تتيح للحكومة إنشاء صناديق خاصة لمواجهة الكوارث، لكنها غالبًا تفتقر إلى آليات رقابية صارمة. إذًا، المشكلة ليست في إنشاء الصناديق بقدر ما هي في كيفية إدارتها ومحاسبة المسؤولين عنها.
المواطن الذي يدفع الرسوم يحق له أن يعرف: أين ذهبت أمواله، وما أثرها على تحسين الوضع الاجتماعي للمتضررين. هنا يُطرح السؤال: هل توجد هيئة مستقلة لمراقبة هذه الأموال، وهل تتوفر على صلاحيات كافية لتقرير مصير الصناديق؟
أبعاد اقتصادية وسياسية
رفع رسم التضامن قد يكون له بعد اقتصادي، لكنه يحمل أبعادًا سياسية واجتماعية. فهو يبرز إخفاق الدولة في إيجاد مصادر تمويل أكثر عدالة، ويعكس ضعف التخطيط المالي للموارد الطارئة.
كما أنه يسلط الضوء على غياب نقاش عمومي حول الضرائب والصناديق، وهو ما يجعل المواطن يشعر بأنه مجرد مصدر للجبايات بدل أن يكون شريكًا في بناء السياسات الوطنية.
خاتمة نقدية: نحو إصلاح شامل
المقال التحليلي يخلص إلى أن إصلاح صناديق الكوارث يتطلب أكثر من مجرد رفع نسبة الرسم. الحلول الحقيقية تشمل:
-
اعتماد شفافية كاملة في إدارة الأموال وصرفها.
-
فرض محاسبة صارمة على المسؤولين عن الصناديق.
-
فتح نقاش عام حول السياسة المالية البديلة، بما يشمل فرض ضريبة على الثروة أو موارد أخرى.
-
مراعاة التوازن الاجتماعي وتخفيف العبء عن الفئات الضعيفة.


