طه فحصي (طوطو) بين صدمة التلفزيون العمومي وسؤال التعبير الفني: هل نعيش أزمة فهم أم أزمة رقابة؟

0
203

رغم أن سهرة الفنان المغربي طه فحصي، الملقب بـ”طوطو”، قد جذبت جمهورًا قُدّر بأكثر من 400 ألف متفرج، وهو رقم قياسي في تاريخ مهرجان “موازين”، إلا أن بثها عبر شاشة القناة الثانية فجّر جدلًا سياسيًا وثقافيًا واسعًا أعاد إلى الواجهة سؤالًا مؤجلًا في المغرب: أين تنتهي حدود حرية التعبير، وأين تبدأ رقابة المرفق العمومي؟

الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) توصّلت بشكاية رسمية من حزب العدالة والتنمية، اتهم فيها القناة العمومية بخرق دفتر التحملات من خلال عرض “محتوى غير لائق”، تمثل في ظهور الفنان بقميص يحمل عبارة “سلكوط” تتوسطه نجمة العلم الوطني، وترديد عبارات وصفت بـ”النابية”، قيل إنها تشكل تهديدًا للسلامة النفسية للأطفال وتخلّ بالكرامة الإنسانية.

بين الاحتجاج الأخلاقي وحق الجمهور في الاختلاف

ما تراه بعض الجهات إخلالًا أخلاقيًا، يراه جمهور واسع شكلاً من أشكال التعبير الفني الحديث. طوطو، الذي يُصنَّف ضمن أبرز وجوه الراب المغربي، لم يخرج عن خطه المعروف؛ لغة الشارع، التعبير الجريء، وملامسة المسكوت عنه. فهل نحن بصدد هجوم على فنان أم على جيل بأكمله؟

في المقابل، يرى المنتقدون أن بث هذا النوع من الحفلات عبر الإعلام العمومي يدخل البيوت دون فلترة، مما يفرض على المؤسسات احترام الذوق العام ومراعاة تصنيف الفئات العمرية، كما هو الحال في السينما والمنصات الرقمية.

لكنّ هذا الطرح، ورغم وجاهته الظاهرة، يصطدم بحقائق أخرى: ألم تستضف نفس القناة فنانين عالميين بأداءات وملابس أكثر جرأة؟ لماذا لم تتحرك “الهاكا” حين عُرضت أعمال درامية ومشاهد أكثر حدة؟

الراب كصوت اجتماعي واحتجاجي: هل يخيف المؤسسات؟

الراب، بحسب محللين، ليس موسيقى ترفيهية فقط، بل هو فن احتجاجي يعكس القلق الاجتماعي والهامش الثقافي. لذلك، فإن الهجوم على طوطو لا يمكن فصله عن توجّس السلطة الثقافية من الأصوات التي لا تخضع للتهذيب المؤسساتي.

في هذا السياق، يقول الناقد الفني عبد الرحيم الشافعي إن التناقض في التعامل مع الفنون يشي بازدواجية واضحة في المعايير، مشيرًا إلى أن “كثيرًا من المنتقدين يجهلون عمق ثقافة الراب ولا يتعاملون معه كحركة ثقافية بل كمجرد استعراض لغوي فجّ”.

ما بين الساحة العمومية والشاشة العمومية: أين المسؤولية؟

مفيد السباعي، مدير أعمال ومنتج فني، يدعو إلى التمييز بين حدث يقع في فضاء مفتوح يُقصد طوعًا، وبين محتوى يدخل البيوت عبر الإعلام العمومي. وهو بذلك يلفت إلى مسؤولية التحرير داخل القنوات الرسمية، لا بمعنى الرقابة المسبقة، ولكن في الحد الأدنى بضمان ملاءمة العرض للفئات المختلفة من المتلقين.

الهاكا في اختبار جديد: هل نحمي المشاهد أم نحاصره؟

الهاكا اليوم تقف أمام سؤال مبدئي: هل تُعنى فقط بتطبيق القانون الحرفي، أم بإعادة تعريف علاقتها بالجمهور في زمن الانفجار الرقمي؟
وهل تتحمل القنوات العمومية وحدها مسؤولية “فلترة” المحتوى، بينما يُعاد بث المشاهد نفسها على اليوتيوب وتُشارَك آلاف المرات على TikTok؟

خلاصة وتحفيز للتفكير: هل نحن مستعدون لفن لا يشبهنا؟

ما يكشفه الجدل حول طوطو يتجاوز أغنية أو لباس، ليضع المجتمع المغربي أمام مرآة جيله الجديد. جيل لا يتحدث بلغة النخب، ولا يعبّر بالقوالب المألوفة.

الأسئلة التي يطرحها هذا الحدث كثيرة:

  • هل نُريد فعلاً فنا يعكس صراعات الواقع، أم نفضّل عروضا مؤدبة تُهدّئ الضمير العام؟

  • هل المؤسسات الثقافية قادرة على احتواء هذا الجيل، أم ستكتفي بلعب دور الرقيب؟

  • كيف يمكن للمغرب أن يُواكب تحوّلاته الثقافية دون أن يفقد بوصلته الأخلاقية؟

قد لا تكون سهرة طوطو مثالية من حيث الشكل، لكنها بالتأكيد كانت حقيقية من حيث الرسالة: ثمة جيل جديد يريد أن يُرى ويُسمع… على طريقته.