بمناسبة اليوم الدولي للشباب، اختارت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أن تضع أمام الرأي العام تقريراً شاملاً حول وضعية حقوق الشباب في المغرب. التقرير، وإن بدا في ظاهره وثيقة حقوقية تقنية، إلا أنه يفتح الباب واسعاً أمام قراءة سياسية واجتماعية معمقة، إذ يعكس صورة جيل يعيش في قلب مفارقة كبرى: نسبة ديمغرافية هامة وفرص كامنة، في مقابل هشاشة بنيوية وحرمان متواصل من الحقوق الأساسية.
أزمة ممتدة تتجاوز الأرقام
يشير التقرير إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وانتشار التشغيل الهش في القطاع غير المهيكل، مع استمرار أزمة التعليم والتكوين: اكتظاظ، هدر مدرسي، وضعف ملاءمة التكوين لسوق الشغل. هذه الأرقام لا تعكس فقط خللاً تقنياً في السياسات العمومية، بل تكشف عن فشل هيكلي في الاستثمار في رأس المال البشري، في وقت يُفترض فيه أن يشكل الشباب رافعة للتنمية.
الملاحظ أنّ جزءاً كبيراً من الخطاب الرسمي يتميز بجرعات عالية من التفاؤل والوعود الكبرى، غير أنّ الواقع على الأرض يُظهر عكس ذلك في عدة مجالات أساسية مثل التعليم، الصحة، والتشغيل. فبينما تتحدث الحكومة عن إصلاحات بنيوية، يظل المواطن العادي عاجزاً عن الولوج إلى خدمات أساسية بجودة مقبولة.
هنا يبرز سؤال مشروع: هل نحن أمام سياسات تُخطط لنتائج بعيدة المدى، أم أمام إدارة يومية للأزمات؟
هذا التناقض بين الطموحات المعلنة والنتائج المحققة يغذي حالة من انعدام الثقة. المواطن الذي يسمع عن “النموذج التنموي الجديد” مثلاً، لا يجد أثراً واضحاً لذلك في حياته اليومية، سواء من حيث تحسين فرص الشغل أو ضمان العدالة الاجتماعية. ورغم أن الخطاب السياسي يحاول ترسيخ فكرة “الإقلاع التنموي”، فإن الواقع يعكس بطئاً في التنزيل وغياباً للوضوح في الأولويات.
المشاركة السياسية: الغائب الأكبر
إضافة إلى ذلك، فإن غياب قنوات فعالة للتواصل بين صناع القرار والمجتمع يزيد من تعميق الهوة. فالقرارات غالباً ما تُتخذ في دوائر مغلقة، ثم تُقدَّم للرأي العام في شكل منجزات محققة، دون نقاش مجتمعي واسع أو تقييم حقيقي لمردوديتها. هذه المنهجية تجعل الخطاب السياسي يبدو منفصلاً عن الدينامية الاجتماعية، بل وأحياناً في تناقض مباشر مع مطالب الناس.
من بين أبرز ما يثيره التقرير هو اتساع دائرة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية: ضعف التسجيل في اللوائح الانتخابية، حضور محتشم في الهيئات المنتخبة، وغياب فعلي عن مواقع القرار الحزبي. والسؤال هنا: هل يتعلق الأمر بلامبالاة ذاتية، أم بخيبة أمل من مؤسسات لم تعد تقنع الشباب بجدوى الانخراط فيها؟
قضايا صامتة… لكنها حارقة
التقرير يقترب أيضاً من ملفات مسكوت عنها:
-
الصحة النفسية: خصاص مهول في الأطباء والأطر المتخصصة.
-
الإدمان: تفشي استهلاك المخدرات والعقاقير وسط الشباب.
-
الهجرة غير النظامية: تحوّل البحر إلى حلم مفتوح أمام آلاف الفتيان والفتيات الباحثين عن أفق آخر.
-
خطاب الكراهية والعنصرية: مؤشرات مقلقة عن هشاشة القيم في زمن الرقمنة والانقسام الاجتماعي.
هذه القضايا لا يمكن التعامل معها كظواهر عرضية، بل كمؤشرات على أزمة عميقة في العقد الاجتماعي بين الدولة والشباب، وهو ما تؤكده العصبة في تقريرها وتحذر من مغبة استمرار هذه المعاناة دون تدخل شامل.
توصيات… وأسئلة معلقة
العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في ختام تقريرها تقدمت بحزمة توصيات استراتيجية:
-
تفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
-
إصلاح التعليم وربطه بسوق الشغل.
-
إدماج الشباب في المؤسسات المنتخبة والهيئات الحزبية.
-
تعزيز الصحة النفسية ومكافحة الإدمان.
-
تطوير البنيات الثقافية والرياضية.
-
إدماج التربية البيئية والرقمية في المناهج.