عبد الإله بنكيران.. حزبنا ساهم في إنقاذ المغرب من الفوضى وحافظ على الاستقرار.. هل أنقذ المغرب أم ساهم في تدهور الأوضاع المعيشية لأكثر من 3 ملايين مغربي

0
300

تقرير جمال السوسي

“حكومة بنكيران السابقة فضلت المغامرة بشعبيتها على تفادي إصلاحات لا تحظى بقبول شعبي”.

يعترف محللون سياسيون واقتصاديون بأن بنكيران قاد الحكومة للتعامل مع “الملفات الشائكة” التي لم تجرأ الحكومات السابقة على فتحها، ويرون أن “حكومة بنكيران فضلت المغامرة بشعبيتها على تفادي إصلاحات لا تحظى بقبول شعبي”.

قال عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” إن حزبه تولى رئاسة الحكومة بعد أحداث جسام عرفها المغرب، كادت أن تؤدي به إلى غياهب المجهول.

وأضاف في كلمة له بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني لنساء “البيجيدي”، المنعقد اليوم السبت، “اليوم إذا أرجعونا للمرتبة الثامنة أو حتى يخرجونا من البرلمان فإنهم لا يمكن أن يغيروا التاريخ.

ومن أبرز الأشياء، التي نجح بنكيران في قيادة حكومته لتحقيقها خلال خمس سنوات، يقول المحللون السياسيون، “لا أحد ينكر المجهودات التي قامت بها الحكومة في إصلاح سياسة الدعم الاجتماعي وتجنيب المغرب سيناريو شبيه بما حدث في اليونان. بالإضافة إلى إصلاح منظومة الصحة وبرامج اجتماعية مثل صندوق دعم الأرامل”.

وقد حاولت الحكومة توجيه دعم للفئات المعوزة من خلال خلق منحة شهرية للأرامل، والتغطية الصحية لصالح الطلبة، ورفع منح الطلبة، والاتفاق مع المقاولات على الرفع من الحد الأدنى للأجور. 

يرى المحللون السياسيون أن حكومة بنكيران “ليست أسوأ الحكومات، لكنها في المقابل ليست أفضل حكومة في تاريخ المغرب. هذه الحكومة جاءت في سياق خاص جعل الرهان عليها كبيرا”. 

وقد حاولت حكومة بنكيران توجيه دعم للفئات المعوزة من خلال خلق منحة شهرية للأرامل، والتغطية الصحية لصالح الطلبة، ورفع منح الطلبة، والاتفاق مع المقاولات على الرفع من الحد الأدنى للأجور. 

وتمكنت حكومة بنكيران إبانه  من تمرير مشروع قانون عبر مجلس النواب يروم إصلاح صناديق التقاعد المهددة بنفاد مخزوناتها بعد خمس سنوات.

ورفعت مشروع قانون سن التقاعد بشكل تدريجي من 60 إلى 63 سنة، ويرفع في الوقت ذاتها مساهمة الموظفين في صناديق التقاعد من 10 إلى 14 في المئة بشكل تدريجي.

ورغم أن القرارات التي اتخذتها حكومة بنكيران أثارت سخطا في الشارع المغربي، لكن مراقبين يرون أنها تُحسب لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران.

كما تطرق  بنكيران خلال الللقاء ، قائلاً “قمنا بدور كبير كي لا يدخل المغرب في مسارات بعض الدول المجاورة التي لم تجد التوازن إلى حد الآن”.

وتابع ” المغرب عاش آمنا ومستقرا وتفرغ للتنمية وحقق منجزات وأعمال كبيرة جدا، بفضل الله وبفضل الفاعل السياسي الأول في المغرب، وهو الملك، والذي كان وراء إفساح المجال للعدالة والتنمية كمكون سياسي، وكمكون للمغاربة حتى يشارك”.

وأكد بنكيران أن حزب “العدالة والتنمية” ساهم في إنقاذ المغرب من الفوضى، واستطاع أن يحقق إنجازات لا يمكن لأحد أن يجادل فيها.

وأكمل بالقول ” إذا كان اليوم لقجع وأخنوش وبايتاس يقولون إن دعم المحروقات سيخرب الميزانية، فكان عليهم أن يشكروا البيجيدي وبنكيران الذي كان وراء هذا الإنجاز”.

وشدد على أنه ليس لديه أي مشكل مع حزب “الأحرار” لكن “البيجيدي” قدم خدمات جليلة للمغرب اقتصاديا، على حد تعبيره، أما المجال الديني فهو محفوظ للملك.

واعتبر بنكيران أن “العدالة والتنمية” قدم خدمات جليلة للدولة والمجتمع، مؤكدا أنه لازال من أنصار الدولة.

وقال إن حزبه كان دائما يلتزم بالقرارات التي تنص على إدماج المرأة في الهياكل الحزبية.

وسجل أن المغرب استطاع أن يدمج الحركة الإسلامية ولا يقصيها، وهذا نجاح خاص بالمغرب، بل سلم لها رئاسة الحكومة لمدة عشر سنوات.

واعتبر أنه لا يمكن الانسياق وراء دعوات تهدد الأسرة، مشيرا أنه لا يجب الحديث عن العزوف السياسي، وننسى العزوف عن الزواج، لأن الكثير من النساء والفتيات وصلن لسن الزواج ولم يتزوجن، فماهي حياة المرأة بدون زواج؟.

وأكد أن “العزوف عن الزواج مشكل سياسي ولا يجب السكوت عنه”.

وتحدث بنكيران أيضا عن كواليس دعم الأرامل، موضحا أنه لم يخرج إلا بشق الأنفس، مشددا على أنه لولا مساندة الملك ما كان ليرى النور.

وأشار أن الملك هاتفه بعد مجلس وزراي، وطالب منه الحضور عنده، وعندما دخل عليه “مخزني” واستفسره هل ينادي المستشارين قال له لا، ثم استدار عنده وأعطاه الضوء الأخضر بخصوص دعم الأرامل، مشيرا أنه تأثر وبكى وقبل للملك يده وشكره.

وشدد بنكيران على أن الملك كأمير للمؤمنين لن يسمح بالمثلية، لأنها في الأصل لواط وسحاق وهكذا يجب أن تسمى ولا داعي للتلاعب باللغة والكلمات.

وأبرز أن المعارضة أنسب “للبيجيدي” لكي ينبه المجتمع ويقول ما ينبغي أن يقال حقيقة في مختلف المجالات وليس السياسة فقط، لأن هذه الأخيرة ليست فقط 17 مليار درهم، وصندوق مقاصة.

وتطرق لموضوع الإجهاض كذلك، مشيرا أنه يتأسف لكل امرأة تموت وهي تجهض جنينها، لكن هل الحل عندما تقع علاقة غير شرعية بين امرأة ورجل وينتج عنها حمل هو الإجهاض؟.

وأوضح أن هناك حكما شرعيا في الإرث، مؤكدا أنه لا يمكن كسر الحكم الشرعي والشريعة، واتسبدالها بالقوانين الأوروبية، على حد تعبيره.

واعتبر بنكيران في ذات الآن “أن نظام المواريث معجزة في القرآن، وأن كل الإحصائيات تكشف أن المغاربة يرفضون المساواة في الإرث”، إذا لمصلحة من سيغير هذا النظام؟. 

كشفت المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب، أكتوبر الماضي، أن حوالي 3.2 مليون شخص إضافي تدهورت أوضاعهم المعيشية، تحت التأثير المزدوج للأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، والتضخم.

وأوضحت مندوبية التخطيط، وهي هيئة الإحصاءات الرسمية في البلاد، الأربعاء، أن حوالي 45 في المئة من إجمالي هذا الارتفاع العددي يرجع إلى تبعات الجائحة، و55 في المائة إلى ارتفاع الأسعار، حسب المعطيات التي نقلها  موقع “يا بلادي”.

وأضاف المصدر ذاته، في مذكرة تحت عنوان “تطور الفوارق الاجتماعية في سياق آثار كوفيد. 19 وارتفاع الأسعار”، أن التقديرات تشير إلى فقدان ما يقرب من سبع سنوات من التقدم المحرز في القضاء على الفقر والهشاشة: في 2022 عادت وضعية الفقر والهشاشة بالمغرب إلى مستويات سنة 2014”.

وأشارت المندوبية إلى أن التأثير المضاعف لجائحة كورونا  والتضخم من المنتظر أن يؤديا إلى تراجع مستوى معيشة الفرد، وانخفاض في النفقات الغذائية بشكل متباين بين الأسر المتوسطة واليسيرة.

من جهة أخرى، سجلت المندوبية أن الآثار السلبية لجائحة كورونا، ستؤثر على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسر، كما ستؤدي إلى زيادة الفوارق الاجتماعية.

وهكذا، ارتفعت نسبة النفقات لدى خمس الأسر الأكثر يسرا من 46,1 في المائة سنة 2019 إلى 47,7 في المائة سنة 2021، مقابل انخفاض من 7 في المائة إلى 6,5 في المائة بالنسبة لخمس الأسر الأقل يسرا.

وارتفع معدل الفقر المطلق من 1.7 في المئة في 2019 إلى 3 في المائة خلال 2021 على المستوى الوطني، ومن 3,9 في المائة إلى 6,8 في المائة في المناطق القروية، ومن 0,5 في المائة إلى 1 في المائة في المناطق الحضرية، حسب معطيات المندوبية.

وفيما يتعلق بالهشاشة، التي يقصد بها تدهور الأوضاع المعيشية، فقد شهدت ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقلت من 7.3 في المائة سنة 2019 إلى 10 في المائة سنة 2021 على المستوى الوطني، ومن 11.9 في المائة إلى 17.4 في المائة في المناطق القروية، ومن 4.6 في المائة إلى 5.9 في المائة في المناطق الحضرية.

وطوال قيادته للحزب وللحكومة، كان بنكيران محط جدل بين مناصريه الذين كانوا يرون فيه “كائناً استثنائياً”، سواء على مستوى الخطاب والتواصل أو على مستوى المواجهة أو حتى على مستوى قدرته على استيعاب المحيطين به واحتوائهم، وبين خصومه السياسيين، الذين كانوا يصفونه بأنه “وحش سياسي” يستخدم الدين في السياسة وبكونه “شعبوياً”، وفشل في توظيف الفرص التي منحها دستور “الربيع العربي” للطبقة السياسية، وفي محاربة الفساد. 

عرف عن الرجل، خلال تقلده رئاسة الحكومة المغربية، تشبثه بقاعدة ذهبية تبنى على “الحفاظ على الاستقرار والملكية والمطالبة القوية بالإصلاح”، ما مكنه من التوفيق إلى حد بعيد بين التقارب مع العاهل المغربي، الملك محمد السادس، وبين كسب أصوات جزء مهم من الشارع. كذلك مكنته قوته في المواجهة بدل استراتيجية البحث عن التوافقات التي جسدتها قيادة سلفه سعد الدين العثماني، من رد كل محاولات استهداف الحزب من قبل خصومه. 

عاش بنكيران في مساره السياسي لحظات صعبة، كانت أشدها قسوة مرحلة الانسداد التي رافقت تشكيل الحكومة التي كان يقودها قبل أن يعفيه الملك محمد السادس، ويصل خلفاً له العثماني في 2017، حيث وجد نفسه وحيداً منزوياً في بيته، بعد أن تخلى عنه إخوانه في تيار “الاستوزار” الذي قاده العثماني ووزراء الحزب، وإثر تزايد الهوة معهم في المؤتمر الوطني الثامن لـ”العدالة والتنمية”، وكذا جراء الخلافات الحادة مع قيادات حزبه التي كانت تعتبر تصريحاته مسيئة إليها، ومسيئة كذلك إلى شركاء الحزب في الحكومة والأغلبية البرلمانية السابقة.   

وإن كان بنكيران لم يضع نقطة نهاية لمساره السياسي داخل الحزب، رغم ما عاشه، إلا أنه كان شديد الحرص على الظهور والتدخل كلما كان “العدالة والتنمية” في مأزق سياسي، بلفت انتباه إخوانه، وإعادة خلق نوع من التوازن السياسي، والرد على الخصوم.

وبانتخابه للمرة الثالثة على رأس الحزب الإسلامي، يواجه بنكيران امتحاناً جديداً بشأن إدارته لـ”المرحلة الصعبة” في تاريخ الحزب، وإعادة ترتيب أوراقه حفاظاً على مستقبله ووحدته، وتجاوز تداعيات ما يعيشه من أزمة تفرض عليه كأمين عام لكل مناضلي الحزب أن يكون رجل توافقات، وأن يمتلك القدرة على تدبير المرحلة الانتقالية وإجراء تقييم حقيقي وشامل لمسار الحزب والخروج بخلاصات تمكن من إطلاق دورة جديدة.

صحيح أن أستاذ مادة الفيزياء التي درسها في المدرسة العليا للأساتذة بالرباط، قد خبر تفاصيل فيزياء السياسة بالمغرب ومعادلاتها، بيد أن الحزب الذي ترك قيادته في عام 2017 لم يعد كما كان، بعد أن فقد الكثير من تجانسه وشعبيته وصدقيته، فهل يستطيع بنكيران إنقاذ الحزب بعد عودته إلى قيادته؟