في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المغربي من ضغوطات متزايدة، أظهر التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن ربع المقاولات المغربية تعرضت لأحد أشكال الفساد خلال الاثني عشر شهرًا الماضية. يُعتبر هذا الأمر بمثابة جرس إنذار حول الحاجة الملحة لمعالجة قضايا الفساد التي تعيق نمو الاقتصاد الوطني.
الواقع المرير للمقاولات
أشار التقرير إلى أن الفساد يكبد المغرب خسائر تصل إلى 5 مليارات دولار سنويًا، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي ويعيق قدرة المقاولات على الاستمرار والنمو. ورغم أن الجائحة قد أضافت ضغوطًا إضافية على المقاولات، إلا أن الأرقام تشير إلى أن الظاهرة تفاقمت بشكل ملحوظ، خاصةً في ظل الصعوبات التي تواجهها المقاولات الصغيرة والمتوسطة في الحصول على التراخيص والصفقات.
عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة، أشار إلى أن هذه المقاولات تعاني من ضغوطات متزايدة، حيث أكد أن 45% من المقاولات التي شملتها الدراسة أكدت أن الفساد زاد خلال العامين الماضيين. ويعزو الفركي ذلك إلى التعقيدات الإدارية وزيادة الطلبات غير القانونية للرشاوى، مما يخلق بيئة غير مواتية للأعمال.
الثقافة الفاسدة
تحت وطأة الفساد المستشري، تفقد المقاولات الصغيرة فرصها بسبب الممارسات غير القانونية، حيث تتعرض لضغوطات تطلب منها دفع مبالغ مالية مقابل خدمات ينبغي أن تكون مجانية. ويؤكد الفركي أن “انعدام المحاسبة” هو ما يعزز هذه الظاهرة، حيث يجد الموظفون الصغار في المؤسسات العامة فرصة لممارسة الفساد دون عقوبات.
الخوف من التبليغ
مع تعرض 23% من المقاولات لشكل من أشكال الفساد، يبرز السؤال: لماذا تخشى المقاولات من الإبلاغ عن هذه الممارسات؟ يشير الفركي إلى أن المقاول غالبًا ما يخاف من الانتقام أو الانتقادات التي قد تواجهه إذا قرر التبليغ، مما يساهم في تفشي ثقافة الصمت والخوف.
الإجراءات الحكومية والمقترحات
من جهة أخرى، أفاد 60% من المقاولين الذين شملتهم الدراسة أن التدابير الحكومية لمكافحة الفساد غير كافية. يؤكد الفركي على ضرورة تكثيف جهود الحكومة لمكافحة الفساد، بما في ذلك ربط المسؤولية بالمحاسبة وتعزيز الشفافية في جميع المؤسسات.
يشير الفركي إلى أن المقاولات الكبيرة تستفيد من الامتيازات والصفقات الحكومية، في حين تُحرم المقاولات الصغيرة من حقوقها. إذا استمرت هذه الظاهرة، ستستمر تداعياتها السلبية على الاقتصاد المغربي.
أسئلة للتفكير
-
كيف يمكن للحكومة أن تعزز الشفافية والمحاسبة في المؤسسات العامة؟
-
ما هي السياسات الضرورية لدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة لمواجهة الفساد؟
-
كيف يمكن بناء ثقة بين المقاولين والدولة لتحفيزهم على الإبلاغ عن الفساد؟
تظل الحاجة ملحة إلى استراتيجية وطنية فعالة لمكافحة الفساد، تتضمن تعزيز الأطر القانونية، وتوفير الدعم اللازم للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتحقيق بيئة أعمال شفافة ومستدامة.
في سياق متصل ،أظهرت نتائج دراسة أنجزها مكتب دراسات “أنفوريسك” أن حوالي 12 ألف شركة تعرضت للإفلاس العام الماضي، بزيادة نسبتها 17.4% مقارنة بعام 2021.
وسُجلت أغلب حالات الإفلاس في الشركات الصغيرة جدا بنسبة 99.2%، فيما تمثل الشركات الصغرى والمتوسطة نسبة 0.7%.
ويرى رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة عبد الله الفركي أن هذا الرقم لا يعكس سوى الشركات ذات الشخصية المعنوية التي أعلنت إفلاسها رسميا لدى المحاكم، أما العدد الحقيقي فقد تجاوز 20 ألف شركة.
ويوضح الفركي أن أغلب الشركات الصغيرة جدا هي شركات أفراد، وهي الأكثر تضررا ومعاناة بسبب أزمة كورونا والارتفاع العالمي للأسعار وغياب الدعم الحكومي، مضيفا أن هذه الشركات لا يتم إحصاؤها كونها لا تقوم بالتصريح بالإفلاس لدى الجهات المختصة.
بنية الشركات في المغرب: تحديات وفرص
تنقسم بنية الشركات في المغرب إلى أربع فئات رئيسية: الشركات الصغيرة جداً، الشركات الصغرى، الشركات المتوسطة، والشركات الكبرى.
-
الشركات الصغيرة جداً: تشمل تلك التي لا يتجاوز رقم معاملاتها 3 ملايين درهم (حوالي 300 ألف دولار)، وعدد عمالها أقل من 10 أشخاص.
-
الشركات الصغرى: يتراوح رقم معاملاتها بين 3 ملايين و50 مليون درهم (بين 300 ألف و5 ملايين دولار).
-
الشركات المتوسطة: تتراوح أرقام معاملاتها سجل رقم معاملات بين 50 مليون درهم و 175 مليون دهم.
-
الشركات الكبرى: تشمل الشركات التي يتجاوز رقم معاملاتها 75 مليون درهم (7.5 ملايين دولار) أو التي توظف أكثر من 200 عامل.