عبد الوهاب بلفقيه يغيير الانتماء الحزبي مع بدء موسم الترحال السياسي

0
302

اعتاد المغاربة، كلما اقترب موعد الاستحقاقات التشريعية أو البلدية، أن يفاجأ بخروج كائنات انتخابية لا تظهر إلا في المواسم، وبعدها تدخل في بيات شتوي طويل بمدة الولاية الانتخابية، حيث تشهد الساحة السياسية تغيير أعضاء ومنتخَبين لألوانهم السياسية وقبعاتهم الحزبية، وغالباً ما يجري اتخاذ مثل هذه القرارات في مجموعات، ليوقع منتخبون على هجرات جماعية من هذا الحزب نحو ذاك الحزب.

وبحلول الموسم الانتخابي تنطلق فرجة من نوع خاص، في مهرجان كرنفالي، هو سوق سوداء يباع ويشترى فيها كل شيء، والمزادات بها شبه علنية، بدءا من بيع التزكيات للحصول على بطاقة الترشح باسم هذا الحزب أو ذاك، حتى لو لم يكن الشاري عضوا حزبيا. فالقدرة على التفاوض مع البائع، وغالبا ما يكون الأمين العام للحزب وأفراد من قيادته، والمبلغ المالي الذي يزايد به هو الأمر الفصل للظفر بالترشح باسم الحزب للنزول تحت شعاراته ورمزه من أجل التنافس على المقعد البرلماني. وأغلب زبائن هذه السوق هم من الوجهاء ومن ذوي النفوذ، أو من أغنياء الساعة الأخيرة. ويحدث أن يكون بعضهم من تجار ومروجي المخدرات، أو من سيئي السمعة. 

وعلى بُعد أسابيع من الانتخابات التشريعية في 8 سبتمبر/ أيلول المقبل، بينما تشتد المنافسة على تصدر نتائج الانتخابات المقبلة بين “العدالة والتنمية” و”التجمع الوطني للأحرار” بقيادة وزير الفلاحة عزيز أخنوش. كما يبرز في المشهد السياسي، كقوة انتخابية، كلٌ من حزب “الأصالة والمعاصرة” و”حزب الاستقلال” (معارضان).

بدأ «الترحال السياسي» يبلغ أوجه في مناطق مغربية، بعد أن تقدم البرلماني عبد الوهاب بلفقيه باستقالة من التنظيم السياسي للاتحاد الاشتراكي وجميع هياكله التنظيمية محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا لأسباب ذاتية وموضوعية، وفق رسالة استقالة حصل موقع “المغر الآن”، على نسخة منها، نشرها بعد تأجيل جلسة محاكمته أمام جنايات الرباط.

وعزا عبد الوهاب بلفقيه استقالته من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بسبب ماسماه “القطيعة التامة التي طبعت السنوات الأخيرة بين الكتابة الجهوية والكاتب الأول للحزب وغياب التواصل، رغم المحاولات التي بوشرت خلال الشهور الأربعة الأخيرة من أجل إرجاع المياه إلى مجاريها، إلا أن الوضع بقي على ما هو عليه، وهو ما جعل استمراري في أداء رسالتي أمرا مستحيلا”.

وتأتي هذه الاستقالة استمرارا للصراع المفتوح بين عبد الوهاب بلفقيه وإدريس لشكر، حيث كان مقررا تنظيم المجلس الجهوي للحزب بكلميم وادنون في أبريل 20017 دعا إليه بلفقيه بصفته كاتبا جهويا للحزب، الا أن توتر العلاقة بين لشكر وبلفقيه باعتباره احد الموقعين على بيان 9 ابريل 2017، واتفاق باقي المناوئين ضد “لشكر” على الحضور إلى كلميم دفع لشكر الى استباق عقد اللقاء الجهوي، ومنع بلفقيه من تمثيل الحزب بجهة كلميم ليعين لشكر ممثلي تنظيمه السياسي بأقاليم جهة كلميم واد نون ويسقط بلفقيه من لائحته التي بعثها لوزير الداخلية آنذاك.

ويُعرَّف «الترحال السياسي» بكونه عملية انتقال شخص من حزب سياسي إلى حزب آخر للظفر بفرصة أكبر لدخول البرلمان، وغالباً ما يكون بين الأحزاب الكبرى، وعبرها يجري استقطاب أسماء سياسية من أحزاب أخرى للمراهنة عليها في الانتخابات البرلمانية.

فأغلب الأحزاب تراهن على الأشخاص، ولا يمكن للحزب الذي يعول على الأعيان (أشخاص لهم نفوذ في مناطقهم) أن يفكر في عقد تحالفات انتخابية، فحين يستقطب الحزب الأعيان، فمن أجل أن يفوزوا في الانتخابات، وليس ليترك المجال لشخص آخر ذو كفاءة. 

دائما ما تطلع نتائج الانتخابات لتفرض تكريس الأمر الواقع. وجوه لا صلة لها بالإرادة الشعبية وبعيدة عن طموحات الإصلاح والتغيير، ولا علاقة لها باحترام القوانين والدستور. فمن يزايد على قدرة الانتخابات في التغيير؟! بعد أن سيطرت ذهنية التشكيك والتيئيس على عقول المغاربة وأفقدتهم الجدوى في الذهاب إلى صناديق الاقتراع من أجل الديمقراطية الموعودة. صار المرشح الذي يتقدم إليهم من أجل إقناعهم بالتصويت لفائدة برنامجه وحزبه شخصا محتالا مخادعا، ومثل “عُرْقوب” المشهور في التراث بإخلافه لوعوده. ورغم الحملات التحسيسية والدعائية التي توزع على الأحزاب بميزانيات باهظة من المال العام، فإنها لم تنجح في تراجع عدد العازفين عن التصويت أو تغيير العقليات اليائسة والحذرة.

وستعرف استحقاقات هذه السنة العمل بما يسمى بـ”القاسم الانتخابي”، وهي الوسيلة التي توصل إليها أصحاب الشأن في البلاد، لفرملة حزب “العدالة والتنمية” الذي يوجد على رأس الحكومة منذ 2012. وقد اعتبر اللجوء إلى القاسم الانتخابي “تلاعباً انتخابياً بشكل قانوني”. ومجرد عبث ومهزلة وتحايل على الديمقراطية، “يخفي هاجسا سياسيا ثقيلا لدى السلطة والأحزاب حول حصول عزوف كبير للناخبين عن المشاركة”.

ويرى محللون سياسيون أن المغرب يشهد اليوم مرحلة احتضار للأحزاب وموت العمل الحزبي، بعد استمرار الإدارة في توغلها في الشؤون الداخلية للأحزاب منذ الاستقلال، باختراقها وإفساد الحياة السياسية.

لم تعد للمعارضة القدرة على جعل الانتخابات لحظة قوية وبُؤرة للتدافع والصراع السياسي، لأنه لم تعد هناك معارضة حقيقية. وصار التعايش والتطبيع مع الفساد الانتخابي أمرا عاديا. لذلك لم يعد سرا أن يصبح المواطنون يربطون بين الانتخابات وفسادها.

لا يتم فقط استعمال المال الحرام بكثافة في الانتخابات، بل الأخطر هو استغلال الخطاب الديني وتضليل الناس البسطاء. ولا يتردد الإسلاميون في الزعم أن حزبهم هو هبة إلهية لإنقاذ المجتمع من الأضاليل واتقاء غضب الله.

ورغم أن تقارير أممية عدة وضعت الأصبع على الجرح وأشارت بوضوح إلى مخاطر التدهور والفساد بالبلاد، الأمر الذي أكدته تقارير ودراسات ميدانية وطنية، منها “تقرير الخمسينية” المنجز بمناسبة 50 سنة على الاستقلال، إلى أن المداد ظل سائلا قابلا للمحو والبهات.