في ظلّ الأجواء السياسية والاقتصادية المشحونة في المغرب، خرج القيادي في حزب العدالة والتنمية (المعارضة)، عبد بوانو، بتصريحات صادمة كشفت عن تفاصيل مثيرة حول الفساد المالي والإداري الذي يُقال إنه مستشري في دواليب الدولة. هذه التصريحات لم تكتفِ بفضح حالات الفساد، بل طرحت سؤالاً جوهريًا: “أليس في البلاد رجل رشيد؟”. هذا السؤال ليس مجرد استفهام بلاغي، بل هو صرخة استنكار تُلقي الضوء على أزمة حوكمة وتدبير تُهدّد استقرار البلاد وتُعطّل مشاريعها التنموية.
تصريحات بوانو: بين الفساد وتضارب المصالح
في خطابه الذي أثار جدلاً واسعًا، تناول بوانو عدة قضايا شائكة، بدءًا من فساد الدعم الحكومي في قطاعات مثل الفلاحة والمحروقات، مرورًا بتعطيل المشاريع الملكية الكبرى، ووصولًا إلى تضارب المصالح الذي يُقال إنه يُمارس على أعلى المستويات. وأشار بوانو إلى أن رئيس الحكومة نفسه متورط في صفقات مشبوهة، حيث يُدير لجانًا ومؤسسات تُعنى بملفات حساسة، بينما يستفيد شخصيًا من قراراتها.
“فضيحة حراس السيارات بالدار البيضاء: بين الفوضى العارمة وغياب الرقابة… من يحمي المواطن من الريع والاستغلال؟”
وأضاف بوانو أن فساد الدعم أصبح نظامًا قائمًا بذاته، حيث تُوزّع الأموال العامة بشكل غير عادل، وتُوجّه إلى جهات معينة دون غيرها، مما يُعمّق الفوارق الاجتماعية ويُضعف الثقة في المؤسسات. كما أشار إلى أن المشاريع الملكية السامية، التي يُفترض أن تكون محرّكًا للتنمية، تُعطّل بسبب الفساد وسوء التدبير.
أبعاد الفساد: من الفلاحة إلى المحروقات
-
فساد قطاع الفلاحة:
كشف بوانو عن وجود شبكات محسوبية تُسيطر على توزيع الدعم الحكومي في القطاع الفلاحي. وأشار إلى أن مسؤولين سياسيين وبرلمانيين يستفيدون من شراء أراضٍ زراعية بأسعار زهيدة، ثم يحصلون على دعم حكومي لزراعة محاصيل معينة، مما يُدرّ عليهم أرباحًا طائلة دون جدوى اقتصادية حقيقية. وأضاف أن هذه الممارسات تُفاقم أزمة الجفاف وتُهدّد الأمن الغذائي للبلاد.
-
فساد قطاع المحروقات:
تطرّق بوانو إلى ارتفاع أسعار المحروقات، مُشيرًا إلى أن الحكومة تُبرّر هذا الارتفاع بارتفاع الأسعار عالميًا، بينما تُغفل دور اللوبيات المحلية التي تستفيد من الوضع. وأكد أن شركات المحروقات تربح أضعافًا مضاعفة مقارنة بالأسعار الدولية، مما يُثقل كاهل المواطنين.
-
تعطيل المشاريع الكبرى:
أشار بوانو إلى أن مشاريع تحلية المياه في الدار البيضاء وغيرها من المشاريع الحيوية تُعاني من سوء التدبير والفساد، مما يُعطّل تنفيذها ويُهدّد تحقيق الأهداف المرجوة منها.
أسئلة تبحث عن إجابات
-
من يحاسب الفاسدين؟
إذا كانت التصريحات صحيحة، فلماذا لا يتم محاسبة المتورطين في الفساد؟ وهل هناك إرادة سياسية حقيقية لمكافحة هذه الظاهرة؟
-
أين هي الرقابة؟
ما دور المؤسسات الرقابية مثل المجلس الأعلى للحسابات في كشف هذه الممارسات؟ ولماذا لا تُنشر تقاريرها بشكل علني؟
-
كيف تؤثر هذه الفضائح على الثقة في الحكومة؟
في ظلّ ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، كيف يمكن للحكومة أن تُبرّر استمرار الفساد بينما المواطن يعاني من ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات العامة؟
السياق العام: أزمة حوكمة أم أزمة أخلاق؟
تصريحات بوانو لا تكشف فقط عن فساد مالي وإداري، بل تُلقي الضوء على أزمة حوكمة عميقة تُهدّد استقرار المغرب. ففي ظلّ غياب الشفافية والمساءلة، تتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، مما يُضعف الثقة في المؤسسات ويُهدّد السلم الاجتماعي.
كما أن هذه التصريحات تُثير تساؤلات حول الأخلاق العامة، حيث يبدو أن المصالح الشخصية طغت على المصلحة العامة، مما يُفاقم الشعور بالإحباط لدى المواطنين.
خاتمة: نحو تغيير حقيقي
تصريحات عبد بوانو ليست مجرد اتهامات عابرة، بل هي صرخة استنكار تُلقي الضوء على أزمة حقيقية تُواجه المغرب. فإذا كانت البلاد تُعاني من الفساد وسوء التدبير، فإن الحلّ يبدأ بتعزيز الشفافية وتفعيل المساءلة، ووضع حدّ لسياسة الإفلات من العقاب.
السؤال الذي طرحه بوانو: “أليس في البلاد رجل رشيد؟”، يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار يُوقظ الضمائر ويُحفّز على التغيير. فالمغرب يستحق حكامًا يُقدّمون المصلحة العامة على المصالح الشخصية، ويعملون بجدّ لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.
هل ستكون هذه التصريحات بداية لتحرّك جادّ لمكافحة الفساد؟ أم ستُضاف إلى قائمة الفضائح التي تُناقش ثم تُنسى؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.