عجز الميزانية يتفاقم: أرقام قياسية تضع الحكومة تحت مجهر المساءلة

0
198

رغم الشعارات المرفوعة حول “ترشيد النفقات” و”التحكم في العجز”، كشفت وزارة الاقتصاد والمالية أن عجز الميزانية بلغ مع متم يوليوز 2025 نحو 55 مليار درهم، مقابل 40,2 مليار فقط خلال الفترة نفسها من السنة الماضية. أرقام تُظهر اتساع الفجوة المالية وتطرح أسئلة جدية حول أولويات الدولة في الإنفاق، وحدود السياسة المالية الحالية.

مداخيل ترتفع… لكن النفقات تبتلع أكثر

تشير وثيقة الوزارة إلى أن المداخيل العادية الصافية ارتفعت بـ 28,7 مليار درهم، لتسجل معدل إنجاز بلغ 57,4% من توقعات قانون المالية. المداخيل الجبائية شكلت الجزء الأكبر من هذا التطور (201,8 مليار درهم).

لكن في المقابل، ارتفعت النفقات العادية إلى 213,9 مليار درهم (+25,1 مليار درهم)، مدفوعة أساسا بنفقات السلع والخدمات (+24,7 مليار درهم) وفوائد الدين (+4,9 مليار درهم). في حين تراجعت تكاليف المقاصة بـ 4,5 مليار درهم، بفعل تقليص دعم غاز البوتان والسكر والدقيق ووقف دعم مهنيي النقل.

دين داخلي يثقل الكاهل

التقرير ذاته أبرز أن فوائد الدين الداخلي ارتفعت بـ 5,7 مليار درهم، ما يعكس لجوء الخزينة بشكل متزايد إلى التمويل المحلي، مقابل تراجع طفيف في فوائد الدين الخارجي. هذا التوجه قد يبدو خيارا آمنا من زاوية السيادة المالية، لكنه يُنذر بضغط على السيولة الوطنية وارتفاع تكلفة الاقتراض بالنسبة للقطاع الخاص.

الاستثمار… إنجازات على الورق؟

في باب الاستثمار، سجلت النفقات 60,8 مليار درهم (+3,5 مليار درهم)، مع معدل إنجاز يقارب 57,6%. غير أن غياب تفاصيل دقيقة حول المشاريع المنجزة يثير تساؤلات حول مدى انعكاس هذه الأموال على التشغيل والتنمية، في وقت ينتظر فيه المواطنون تحسن الخدمات الأساسية.

تقشف على حساب الفئات الهشة

اللافت أن الحكومة لجأت إلى تقليص دعم المقاصة، وهو ما يطال مباشرة أسعار الغاز والسكر والدقيق، دون أن تقابله سياسات واضحة للحماية الاجتماعية. في المقابل، استمرت كتلة الأجور في الارتفاع، ما يطرح إشكالية توزيع الموارد بين الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية وضمان الإنصاف الاجتماعي.

سؤال الحوكمة

بين لغة الأرقام الرسمية وواقع الشارع، يظل السؤال الأهم: هل تستطيع الحكومة التحكم فعلا في عجز الميزانية وخفضه إلى النسبة المعلنة (3,5% من الناتج الداخلي الخام)؟ أم أن الأمر يتعلق بوعود تقنية تصطدم بواقع سياسي واجتماعي معقد؟

خاتمة: أرقام بلا أجوبة

بين الخطاب الرسمي حول خفض العجز إلى 3,5% من الناتج الداخلي الخام، والواقع الذي يبرز عجزاً متنامياً وضغطاً اجتماعياً متزايداً، يظل السؤال قائماً:

هل تمتلك الحكومة فعلاً الأدوات والجرأة لإصلاح جذري في مالية الدولة؟ أم أن المواطن البسيط سيدفع مرة أخرى ثمن “التقشف” بينما تستمر الامتيازات والهدر في أعلى المستويات؟