عزيز رباح: النزاهة والحكامة بين الخطاب الرنان والواقع المرير.. هل يمكن تحقيق الثورة الإصلاحية؟

0
66

في مقال تحليلي للوزير السابق عزيز رباح، بعنوان “النزاهة والحكامة أكثر من ضرورة وواجب وليست ترفًا أو شعارًا”، يُسلط الضوء على إشكالية الفساد وتراجع مؤشرات النزاهة في المغرب، مع التأكيد على ضرورة إطلاق ثورة إصلاحية حقيقية. المقال يطرح أسئلة جوهرية حول مدى جدية الدولة في مكافحة الفساد، وكيف يمكن ترجمة الخطابات الرنانة إلى إجراءات عملية وفعالة.

الفساد كعائق للتنمية

يبدأ رباح مقاله بالإشارة إلى أن المغرب، على الرغم من طموحه للانضمام إلى مصاف الدول الصاعدة، لا يزال يعاني من تراجع في مؤشرات النزاهة والحكامة. هذه الإشكالية ليست جديدة، بل تم التأكيد عليها من خلال تقارير وطنية ودولية، بما في ذلك تقارير “ترانسبرانسي إنترناشونال” التي تُظهر أن الفساد لا يزال يشكل عائقًا رئيسيًا أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا، على الرغم من كل الجهود والمبادرات، لا تزال مؤشرات الفساد مرتفعة؟ وهل يمكن أن تكون الإرادة السياسية هي العائق الحقيقي؟

دور المؤسسات الدستورية: بين الضغط والاستقلالية

يُشير رباح إلى دور مؤسستين دستوريتين رئيسيتين في مكافحة الفساد: الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربة الفساد، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. هذه المؤسسات، على الرغم من الضغوط التي تتعرض لها من قبل الحكومة والأحزاب السياسية، تواصل مهمتها في تنبيه السلطات إلى مخاطر الفساد وضرورة تعزيز النزاهة.

لكن، هل تمتلك هذه المؤسسات الأدوات الكافية لفرض إرادتها؟ وهل يمكن أن تكون استقلاليتها الحقيقية مفتاحًا لنجاحها؟

المواطن كفاعل رئيسي في مكافحة الفساد

من النقاط البارزة في المقال هو التأكيد على دور المواطن في مكافحة الفساد. وفقًا لرباح، فإن نصف المغاربة يؤمنون بقدرة المواطنين على التأثير في مكافحة الفساد، وهو ما يستدعي تعزيز الثقة في المؤسسات وتفعيل دور المجتمع المدني.

لكن، كيف يمكن للمواطن أن يلعب هذا الدور في ظل بيئة سياسية واجتماعية تشكك في نزاهة المؤسسات؟ وهل يمكن أن تكون التعبئة المجتمعية كافية لتحقيق التغيير المنشود؟

البيئة السياسية: التنافس النزيه كشرط أساسي

يؤكد رباح على أن تعزيز الالتزام المواطن يتطلب وجود بيئة سياسية قائمة على التنافس النزيه، مما يؤدي إلى إفراز مؤسسات تمثيلية قوية وقادرة على تفعيل البرامج التنموية.

لكن، هل يمكن تحقيق هذا التنافس النزيه في ظل نظام سياسي يعاني من اختلالات هيكلية؟ وهل يمكن أن تكون الإصلاحات السياسية هي المدخل الحقيقي لتعزيز النزاهة؟

الاستراتيجية الوطنية: بين الطموح والتنفيذ

يختتم رباح مقاله بالدعوة إلى بلورة استراتيجية وطنية متكاملة لنشر ثقافة النزاهة وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية محاربة الفساد. هذه الدعوة، على الرغم من أهميتها، تطرح تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية في ظل وجود مقاومة من قبل النخب السياسية والاقتصادية.

السؤال الأخير: هل يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية مجرد حبر على ورق، أم أنها ستكون الخطوة الأولى نحو تحقيق ثورة إصلاحية حقيقية؟

الخلاصة: بين الخطاب والممارسة

مقال عزيز رباح يطرح إشكالية عميقة تتعلق بمدى جدية الدولة في مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة. على الرغم من الخطابات الرنانة والمبادرات المتعددة، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن تحقيق ثورة إصلاحية حقيقية في ظل غياب الإرادة السياسية والانخراط الفعلي للنخب؟

الفساد ليس مجرد شعار يمكن محاربته بالكلمات، بل هو واقع مرير يتطلب إجراءات صارمة وإرادة سياسية حقيقية. وإذا كان المغرب يطمح حقًا إلى الانضمام إلى مصاف الدول الصاعدة، فلا بد من أن يبدأ بتحقيق النزاهة والحكامة كأساس للتنمية المستدامة.

فهل ستكون هذه الدعوة بداية لمرحلة جديدة، أم ستظل مجرد خطابًا يتردد في الندوات والمؤتمرات؟