محمد أعزوز* في زحمة الحياة اليومية، قد نغفل عن أبطال حقيقيين لا تُسلط عليهم الأضواء، لكنهم يحملون على عاتقهم مسؤولية جسيمة؛ إنهم عمال النظافة الذين يعملون بصمت للحفاظ على نظافة بيئتنا و صحتنا. يقومون بجمع النفايات، و تنظيف الشوارع و الأماكن العامة، مما يسهم في منع انتشار الأمراض و الحفاظ على المظهر الجمالي لمدننا. بشكل عام، تميل البلدان التي لديها قوانين عمل قوية و أنظمة صارمة للصحة و السلامة المهنية إلى توفير ظروف عمل أفضل لعمال النظافة. و يشمل ذلك الأجور العادلة، و ساعات العمل المعقولة، و الحصول على المزايا مثل التأمين الصحي و المعاشات التقاعدية. تشتهر السويد مثلا، بسياساتها الاجتماعية القوية و مستوى الرفاهية المرتفع، و توفر ظروف عمل ممتازة لعمال النظافة، بما في ذلك الأجور العادلة و المزايا الاجتماعية. و على غرار السويد، تتمتع النرويج بنظام رعاية اجتماعية قوية تضمن ظروف عمل جيدة لعمال النظافة. و غالبًا ما يتم إدراج الدنمارك ضمن الدول التي تتمتع بأفضل مستويات المعيشة، و يمتد هذا أيضًا إلى عمال النظافة. أما في اليابان، فيُعتبر عامل النظافة “مهندس صحة و نظافة”، و هو لقب يعكس الاحترام و التقدير لمهنة عمال النظافة الحيوية. يتمتعون بأجور مرتفعة، قد تصل إلى 8000 دولار شهريا و مكانة مرموقة في المجتمع، و هو ما يستحقه كل عامل نظافة في كل مكان. و في الولايات المتحدة فيبلغ متوسط أجر عامل النظافة ما يقارب 3000 دولار، و يزداد مع زيادة عدد سنوات الخبرة. و هناك شروط خاصة للانضمام إلى هذا القطاع المهني، أهمها اتقان القراءة و الكتابة و اللياقة البدنية. و يحصل عامل النظافة على تأمين صحي بشكل كامل، و راتب تقاعدي و تأمين على الحياة ضد العجز و الإصابة، كما يحصل على علاوات سنوية بانتظام، و على إجازة أسبوعية و إجازات سنوية مدفوعة الأجر. و في بريطانيا، يشترط أن يكون عامل النظافة مواطنا أصليا لا يحمل أي جنسية أخرى، احتراما لتلك المهنة و توطينها، و اعتبارها من المهن التي تمس الأمن القومي، و يتقاضى العامل بين 2000 و 4000 جنيه إسترليني شهريا، يختلف الأجر حسب الخبرة و المستوى التعليمي. و قد نظمت هذه البلدان أنظمة عمل تحمي حقوق العمال و تضمن حصول عمال النظافة على معاملة عادلة. و مع ذلك، من المهم ملاحظة أن الالتزام في التعامل مع عامل النظافة يمكن أن يختلف داخل البلد الواحد، و يعتمد على عوامل مثل المنطقة و الصناعة و الشركة المحددة. بالإضافة إلى ذلك، هناك جهود عالمية لتحسين ظروف عمل عمال النظافة حول العالم. لكن في العديد من المجتمعات العربية تتفاوت ظروف عمل عمال النظافة بين دولة عربية و أخرى. و لا يزال هناك نظرة دونية تجاه هذه المهنة، وسط تدني كبير لرواتب العاملين فيها. و هذه النظرة السلبية تجاه عمال النظافة في بعض المجتمعات العربية، و في الواقع في أجزاء كثيرة من العالم، يمكن أن تعكس مجموعة من القضايا الاجتماعية و الثقافية. قد يكون هذا بسبب الأفكار المسبقة حول الطبقة و نوعية العمل و الوضع الاجتماعي. ففي كثير من الأحيان، يُنظر إلى الأعمال التي تتطلب جهدًا بدنيًا أو تعتبر “أقل جاذبية” على أنها أقل قيمة، و هو ما يعكس نقص في الاعتراف بأهمية هذه الأدوار في المحافظة على الصحة العامة و البيئة. علاوة على ذلك، تنتشر بعض السلوكيات الخاطئة مثل رمي النفايات في غير أماكنها المخصصة أو تعمد إلحاق الضرر بمرافق النظافة، و هو ما يعكس نقصًا في الوعي العام و المسؤولية المجتمعية. و يمكن للتعليم و التوعية، إن وجدت الإرادة و الجدية، أن يلعبا دورًا كبيرًا في تغيير هذه الأنماط و تعزيز ثقافة الاحترام و النظافة. و من المهم التأكيد على أن عمال النظافة يؤدون دورًا محوريًا في مجتمعاتنا، و يقومون بعمل حيوي. لذلك يجب علينا رد الاعتبار لعمال النظافة و تقدير جهودهم التي لا تقدر بثمن في الحفاظ على نظافة بيئتنا. ينبغي تكريمهم و احترامهم، و يجب أن نعيد النظر في كيفية معاملتنا لهم و أن نعمل على تحسين ظروف عملهم و ضمان حصولهم على الأجور العادلة و الاعتراف بأهمية مهنتهم. فلنتذكر دائمًا أن عمال النظافة هم حراس الصحة العامة و الجمال البيئي، و أن مساهماتهم تستحق منا كل التقدير و الاحترام.