تحليل لمقال عزيز بنحريميدة حول “ثورة القضاء في الدار البيضاء”
تحت عنوان “ثورة هادئة في محاكم البيضاء: القضاء يستعيد هيبته ويطرد السماسرة والنصابين”، قدم عزيز بنحريميدة قراءة متفائلة للتحولات التي شهدها الجهاز القضائي في الدار البيضاء. ركز مقاله على التحسن الملحوظ في آليات التقاضي، واندثار ظاهرة السماسرة، وتسريع الإجراءات، وإرساء مبادئ الشفافية والحكامة.
لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: هل هذا الإصلاح شامل أم أنه يقتصر على الدار البيضاء فقط؟ وماذا عن الرباط، العاصمة الإدارية والقضائية؟
إصلاح القضاء في الدار البيضاء: نجاح أم استثناء؟
من خلال تحليل المقال، يبدو أن هناك تحولًا إيجابيًا في طريقة تدبير العدالة بالدار البيضاء، ما يعكس جهودًا حثيثة للقضاة والمسؤولين الإداريين لضبط المنظومة وإعادة الثقة في الجهاز القضائي. الرقمنة، الصرامة في محاربة السماسرة، وتقليص آجال المحاكمات كلها عوامل ساهمت في هذا التحول.
لكن السؤال الذي لم يتطرق إليه المقال هو: هل هذه الإصلاحات تشمل كافة المحاكم المغربية؟ وهل هناك تفاوت بين المدن؟ من المعروف أن الرباط، بصفتها عاصمة البلاد، يجب أن تكون النموذج في تطبيق العدالة، إلا أن العديد من القضايا التي تطرح من قبل حقوقيين وصحفيين تشير إلى أن الواقع مغاير تمامًا.
الرباط: لماذا الصمت عن الاختلالات؟
في الوقت الذي يروج فيه لإصلاح القضاء في الدار البيضاء، تظل قضايا عديدة عالقة في الرباط دون أي تفاعل رسمي، رغم الشكايات المتكررة. فعلى سبيل المثال، هناك ملفات تتعلق بالشطط في استعمال السلطة، الإقصاء الممنهج لبعض الفاعلين الرياضيين والسياسيين، وعدم فتح تحقيقات في شكايات تتعلق بتهديدات وتصفيات معنوية يتعرض لها صحفيون وحقوقيون.
هنا يبرز التساؤل: لماذا لم تشهد الرباط نفس الحركية في الإصلاح؟ وهل هناك انتقائية في تطبيق مبادئ الحكامة القضائية؟
نموذج شخصي: تهميش واستغلال النفوذ
لعل المثال الأبرز على هذه الاختلالات هو قضية الإقصاء الممنهج الذي تعرض له رئيس الجامعة الملكية للجيوجيتسو البرازيلي والرياضات المشابهة، حيث واجه تهميشًا متعمدًا رغم تقديمه شكايات متعددة، دون فتح أي تحقيق فيها. بل الأكثر من ذلك، تشير المعطيات إلى محاولات جهات نافذة للسطو على المشروع الرياضي الذي استقدمه من الخارج، في ظل غياب أي تدخل قضائي لحماية الحقوق.
إذا كان القضاء في الدار البيضاء قد استعاد هيبته كما يصفه بنحريميدة، فلماذا تظل بعض الملفات الحساسة في الرباط مجمدة دون متابعة؟ هل الأمر يتعلق بتفاوت في الإرادة الإصلاحية بين المدينتين، أم أن هناك اعتبارات أخرى تعطل عجلة التغيير في العاصمة؟
نحو عدالة شاملة وغير انتقائية
لا شك أن الإصلاحات التي شهدها القضاء في الدار البيضاء تستحق التنويه، لكنها لا ينبغي أن تكون استثناءً، بل قاعدة تعمم على كافة المدن المغربية. فإذا كانت المحاكم قد نجحت في القضاء على السماسرة في الدار البيضاء، فإن العدالة تظل ناقصة إذا استمرت بعض الجهات في استغلال نفوذها دون مساءلة في أماكن أخرى.
ختامًا، يجب أن نعيد طرح السؤال بصوت أعلى: هل الإصلاحات القضائية شاملة، أم أنها مجرد عملية تجميلية في مناطق معينة، بينما تستمر الاختلالات في أماكن أخرى؟ إن تحقيق العدالة لا يتطلب فقط إجراءات تقنية، بل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لضمان المساواة في تطبيق القانون على الجميع، دون تمييز أو انتقائية.