في قاعة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، لم يكن الأمر مجرد جلسة استماع لشاهد في ملف “إسكوبار الصحراء”، بل لحظة نادرة تفتح فيها نافذة على عالم معتم من المال والرياضة والنفوذ. برلماني من حزب في “الأغلبية”، ورئيس سابق لنادٍ من أكبر أندية المغرب، ومبالغ تتجاوز المليار سنتيم، وشركة عقارية بقيمة 10 مليارات، كلها أطراف في قضية تكشف ما هو أبعد من صراع شخصي: إنها مرآة لصراع الحوكمة في المؤسسات الرياضية.
من يقرّر ومن يدفع؟
عبد الواحد شوقي، نائب برلماني، يقول إنه قدّم 800 مليون سنتيم لفريق الوداد الرياضي سنة 2014، نصفها وصل لخزينة النادي، والنصف الآخر تم تحويله إلى شركة في مدينة العيون. من قرر هذا المسار الغريب للأموال؟ ولماذا يُستخدم اسم النادي العريق في تعاملات مالية لا تخضع لأي شفافية مالية أو رياضية؟
من يستفيد من غياب الرقابة؟
شهادته، المدعّمة بوثائق تحويلات بنكية، تطرح أسئلة عن كيف تُصرف أموال الإشهار والرعاية في الأندية، ومن المستفيد الحقيقي منها. هل الفريق أم أشخاص يتحركون باسمه؟ ولماذا لم تُكشف هذه العمليات في تقارير افتحاص مالية مستقلة؟ الغريب أن رئيس النادي السابق سعيد الناصري حاول نفي كل هذه المعطيات، مدعياً أن الوثائق مزورة وأن الشهادة ناتجة عن خلافات شخصية، من بينها شركة عقارية بمليارات ومشكلة حول ساعات فاخرة بقيمة 170 مليون سنتيم.
من يراقب الصفقات الرياضية؟
هل يمكن أن تُستخدم فرق رياضية كواجهة لتحويل الأموال؟ هذه القضية تكشف هشاشة آليات الشفافية داخل الفرق الكبرى، وتطرح مسؤولية على الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ووزارة التربية الوطنيةوالتعليم الأولي والرياضة، بل وعلى البرلمان نفسه، الذي يجد أحد أعضائه متورطاً في شهادات تتعلق بأموال ضخمة لا يعرف الشعب مصدرها أو وجهتها.
هل نحن أمام نزاع شخصي أم نموذج لفشل الحوكمة؟
عندما يقول الشاهد البرلماني إنه مستعد للمساءلة إذا ثبت التزوير، بينما يرد الناصري باتهامات بالاحتيال والتزوير والسرقة، فنحن لسنا فقط أمام خصام بين شخصين، بل أمام منظومة متشابكة من المصالح، تغيب فيها القوانين المنظمة ويهيمن عليها النفوذ الشخصي.
خلاصة:
هذا الملف يجب أن لا يُقرأ كقضية عرضية بين أصدقاء سابقين، بل كنموذج صادم على غياب الشفافية والمساءلة في مجال حساس يُفترض أنه يجمع المغاربة على القيم الرياضية. كيف تتحرك ملايين الدراهم دون رقابة؟ من يفتح حسابات الأندية؟ من يراقب تدفقات “الإشهار”؟ وهل هناك جهات تستغل الرياضة لغسل الأموال أو لتصفية الحسابات الشخصية؟
الأسئلة كثيرة… لكنها تستحق إجابات من أعلى الجهات، قبل أن تفقد الرياضة ما تبقى من مصداقيتها.