عندما يصمت السياسيون… تنطق الرصاصات: المغرب أمام حراك جيل Z

0
117

منذ ستة أيام فقط على انطلاق ما اصطلح عليه بـ حراك الخريف بقيادة جيل Z، يجد المغرب نفسه أمام مشهد غير مسبوق منذ أكثر من ثلاثة عقود: ثلاثة مواطنين قُتلوا برصاص الدرك الملكي، في واقعة تعيد إلى الأذهان ذاكرة مظلمة تعود إلى أحداث 1991.

الصدمة الأولى: سقوط قتلى بالرصاص

لم يعرف المغاربة منذ 34 سنة صوت الرصاص في مواجهة المتظاهرين. أيًّا كانت الرواية الرسمية التي تحدثت عن “الاقتراب من مقر للدرك ومحاولة الاعتداء”، فإن موت ثلاثة مواطنين برصاص السلطة يطرح سؤالًا أكبر: هل عجزت السياسة عن استيعاب الغضب حتى وجدت الدولة نفسها مضطرة لإطلاق النار؟

هذه الحصيلة لا يمكن التعامل معها كحادث عرضي أو تفصيل أمني، بل كـ منعطف تاريخي يعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع.

الصدمة الثانية: عنف الشارع وعنف الدولة

ما يزيد من حدة المأزق أنّ البلاد شهدت خلال أسبوع واحد موجة عنف غير مسبوقة، شملت أكثر من 24 مدينة وإقليمًا، حيث تضررت 80% من المرافق الإدارية والأمنية والوكالات البنكية، بحسب بلاغ الداخلية.
لكن إذا كان الشارع قد انفجر غضبًا، فإن رد فعل الدولة لم يقل صدمة: إطلاق الرصاص، والاعتقالات الجماعية، وتفريق المحتجين بالقوة… مشهد يفتح الباب على سؤال جوهري: هل نحن أمام قانون أمني أم عقد اجتماعي؟

حين يتحدث رئيس الحكومة… بلغة منفصلة عن الواقع

في هذه الأجواء المشحونة، اختار رئيس الحكومة أن يطلّ على المغاربة بلباس تقليدي أبيض من ضريح محمد الخامس، قبل أن يتحدث عن استعداده لـ”الحوار مع الشباب داخل المؤسسات”.
لكن هنا تكمن المفارقة: أي مؤسسات؟ وأي فضاءات للحوار؟
فلو كانت هناك مؤسسات شرعية وفاعلة تحظى بثقة الشباب، لما خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع، في استفتاء اجتماعي غير مُعلن ضد خيارات حكومية قائمة على تضارب المصالح والفساد وضعف الثقة.

الانفصال بين الخطاب الرسمي والواقع جعل بعض الأصوات تصف خطاب رئيس الحكومة بأنه “Déni de la réalité” – إنكار للواقع.

أخطر من الرصاص: غياب التشخيص

المأساة ليست فقط في سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، بل في أن الدولة، بعد ستة أيام من الاحتجاجات، لم تصل بعد إلى تشخيص واضح لما يجري. الوضع أشبه بمريض في غرفة الإنعاش يصرخ من الألم بينما الأطباء عاجزون عن تحديد علّة مرضه، فكيف يمكنهم علاجه؟

هذا الغياب في التشخيص يعكس أزمة عميقة: الدولة لا تعرف كيف تخاطب الشباب الغاضب، والشباب بدورهم لا يعرفون لماذا يُعاملون كـ”مجرمين” في شوارعهم، ويُرحّلون جماعيًا في سيارات الأمن.

أسئلة مؤجلة تنتظر جوابًا

  • لماذا عجزت الحكومة عن استباق هذه الأزمة رغم أن مؤشرات الغضب الاجتماعي كانت واضحة منذ سنوات؟

  • هل يكفي الحديث عن الحوار في “المؤسسات” بينما فقدت هذه الأخيرة مصداقيتها لدى جيل كامل؟

  • من يتحمل المسؤولية السياسية عن انزلاق الوضع نحو الرصاص وسقوط ضحايا؟

  • وهل تملك الدولة شجاعة الاعتراف بأن المسألة لم تعد تقنية أو أمنية بل سياسية بامتياز؟

نحو قرار شجاع من أعلى سلطة

الأكيد أن الاحتجاجات الواسعة، وسقوط ضحايا، واستمرار الغليان في الشارع ليست مجرد أزمة ظرفية، بل لحظة اختبار كبرى للدولة المغربية.

المشهد يختزل أزمة ثقة، أزمة مؤسسات، وأزمة حوار غائب.
ولذلك فإن البلاد، كما يقول كثير من المراقبين، تحتاج إلى قرار سياسي شجاع من أعلى هرم السلطة، قرار يعيد السياسة إلى موقعها الطبيعي كوسيلة لحل النزاعات بدل ترك الساحة للرصاص.

✦ ما نعيشه اليوم ليس مجرد أحداث شغب أو اضطرابات عابرة. إنه امتحان حقيقي لمدى قدرة الدولة على تجديد عقدها الاجتماعي مع شبابها.

والسؤال الأعمق الذي يطرحه المغاربة اليوم: هل يمكن للمغرب أن يفتح صفحة سياسية جديدة قبل أن يغلق الشارع كتابه بالدم؟